السؤال
السلام عليكم..
إذا كان الوضع سيئا بأن أغلب الشباب والبنات للأسف فاسدين، ويعيشون في اختلاط وتبرج، أشعر أن البنت تجني على نفسها إن هي تزوجت، فسيكون زوجها قطعا يعمل مع الفتيات، وإن كان لا يعمل فهو سيراهن في الشارع.
لماذا نتزوج في ظل هذه الظروف؟ ولماذا ننجب؟ فالمجتمع فاسد، والمدارس فاسدة! فهل طريقة تفكيري هذه غريبة أم واقعية؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آلاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا وسهلا بك -عزيزتي آلاء- سررت لمراسلتك لنا.
فيما يخص سؤالك الأول (لماذا نتزوج في ظل هذه الظروف؟):
فلدي العديد من النقاط والأفكار التي أود طرحها ومشاركتها معك.
• بداية أتفهم كثيرا طريقة تفكيرك، وأراها واقعية وليست بغريبة على الإطلاق، فلا يخفى على أحد أننا نعيش حاليا في مجتمعاتنا زمانا يغلب عليه اللالتزام الديني، ومظاهر الفساد الأخلاقي، وهذا بالتأكيد فتنة للإنسان الملتزم دينيا وأخلاقيا، ومواجهتنا لهذه الفتنة بالشكل الذي يرضي الله تعالى هي بحد ذاتها جهاد نفس نثاب عليه بإذن الله، وهنا دعينا نستحضر سويا الحديث الشريف الذي يقول –كما في رواية الترمذي- : عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر.
حيث قال فيه العلماء: وذلك لكثرة الفساد والفتن والمغريات، وقلة الأعوان على الطاعة، ولمشقة التمسك بالدين، واتباع السنة يكون الملتزم بدينه كالقابض على الجمر أو الشوك.
أسأل الله تعالى أن يثبتنا على الإيمان وأن يقسم لنا من خشيته ما تحول به بيننا وبين معصيته.
• ولكن اعلمي أن الفتنة للمؤمن موجودة في كل زمان ومكان، على اختلاف أشكالها ودرجاتها، وسورة سيدنا يوسف عليه السلام هي أكبر دليل على ذلك، وفيها من الدروس ليستفاد منها جميع الأجيال الشابة في الأزمان اللاحقة، وفيها من العبر التي تواسينا وتقوينا بذات الوقت، فحتى في ذلك الزمن لم يسلم نبي من أنبياء الله من تعرضه للفتنة من امرأة، إلا انه لم يضعف، واستطاع مقاومة هذه الفتنة بفضل الله وخوفه من الله.
أي إن النقطة الفاصلة هنا في مواجهة الفتن هي وجود الوازع الديني، فهذا الوازع هو السلاح الوحيد للمؤمن، فهو الذي يحميه من الوقوع في الخطأ، وهو الذي يعينه على غض البصر عن الحرام، وفي المقابل قد يكون المجتمع يغلب عليه الالتزام الديني والأخلاقي، ولكن عندما يفقد الإنسان خوفه من الله و وازعه الديني فستجدينه يرتكب الحرام حتى لو كان الحرام غير متفشيا.
أما فيما يخص سؤالك، (لماذا نتزوج بالأساس في منتصف هذه الزوبعة من الانحلال الأخلاقي)؟
فأنا لا أوافقك في هذا الرأي، بل على العكس تماما، أرى أنه هنا تحديدا تزداد أهمية الزواج، فالزواج من أغراضه الأساسية أن يعف المسلم والمسلمة أنفسهم عن الحرام، وعندما يكثر الحرام من حولنا تزداد برأيي الحاجة لأن نعف أنفسنا.
• إضافة إلى أن الزواج يا عزيزتي هو برأيي أشمل بكثير من مجرد إشباع الحاجات الغريزية كالحاجة الجنسية، هي بلا شك مهمة ومن أهداف الزواج، ولكنه أشمل بكثير، فالزواج الحقيقي هو المشاركة العفوية بين شخصين في الفرح والحزن، وهو المساندة الصادقة في أصعب المواقف، وهو أن تجدي الشخص الذي يؤمن بك في أكثر اللحظات التي لا تؤمنين فيها بنفسك وتفقدين فيها ثقتك بنفسك، وهو أن تجدي من تحاوريه ويحاورك، وتغنيان تفكير بعضكما بحواركما، وهو أن تجدي من يأخذ بيدك ليقربك أكثر إلى الله تعالى بهدف دخولكما إلى الجنة سويا.
أي ما أحاول قوله أن الزواج الحقيقي لا يشبع الحاجات الجنسية فحسب، بل أيضا الحاجات النفسية والفكرية والعاطفية لكل من الزوجين، وهذا بحد ذاته يجعل الإنسان مشبعا من الداخل ولديه قوة داخلية كبيرة تعينه على مقاومة فتن الحياة، سواء في الشارع أو في مكان العمل "كما ذكرت".
• وهنا أريدك أيضا أن تفكري في نقطة مهمة وهي، ما دمت بتفكيرك هذا موجودة في وسط هذا الفساد الأخلاقي، فتأكدي أنه بالمقابل يوجد أيضا شباب ملتزمون بأخلاقهم ولديهم وازع ديني، أي اطمئني فمن المؤكد أنك ستجدين من يشبهك بمعدنه وأخلاقه وتفكيره، وبلا شك عليك حينها أن تقومي بدراسة شخصية ودين وأخلاق المتقدم للزواج، لتتأكدي إن كانت مناسبة لك أم لا، وتتأكدي أيضا إن كان لديه وازع ديني أم لا، حينها ستجدين نفسك وزوجك المستقبلي تفكران بنفس الاتجاه، وتختارون سويا أوساط الاختلاط الصحي التي تتسم بالشرعية، وتبتعدان سويا عن أوساط الاختلاط الغير أخلاقية لأن كلاكما لديكما نفس الوازع الديني ومخافة الله التي ستساعدكم في غربلة الأمور والخيارات الحياتية من بعضها, وتعينكم على أن تصنعوا وسطا نظيفا يشبهكم ويتناسب مع أخلاقكم ومبادئكم الدينية.
• أما فيما يخص نقطة إنجاب الأطفال، وسؤالك حول (لماذا ننجبهم في زمن يصعب فيه التربية بسبب كثرة الفساد الأخلاقي؟)
فبالرغم من موافقتي لك على أن هذا الزمن ليس بالسهل، ولكن برأيي هنا تأتي أهمية نوعية التربية، فكلما قمت بتحصين طفلك أكثر بناء على التربية الدينية الواعية، وحسن الحوار والنقاش معهم، كلما قمت بالتخفيف من التأثير السلبي للمجتمع الخارجي عليهم.
• إضافة إلى أن دورنا نحن الفتيات الواعيات يكمن في حسن اختيار والد أطفالنا، ومن ثم في تربية أبنائنا ليصبحوا جزءا من جيل يجمع بين الالتزام الأخلاقي ومخافة الله وبين الإيجابية والتأثير الإيجابي بالمجتمع ليكونوا قدوة جميلة لغيرهم.
ختاما: أتمنى أن تكوني قد وجدت الفائدة في إجابتي لك، وأتمنى أيضا أن لا تترددي في مراسلتنا مجددا إن كان لديك أية استفسارات أخرى.