السؤال
السلام عليكم.
أنا فتاة، عمري 22 عاما، أعاني من الوسواس القهري منذ الطفولة في العديد من الأمور، وفي كل فترة كان يأتي في شيء محدد وأشياء أخرى ثانوية.
لكن منذ حوالي ثلاث سنوات تطور بشكل كبير، وأصبحث أرى مشكلة في وجهي وذقني بالتحديد، وكنت أراها مشكلة كبيرة على الرغم أن من حولي لم يلاحظوا هذه المشكلة، وعندما قمت باستشارة أطباء التجميل أخبروني بأن هناك فعلا مشكلة لكنها بسيطة، وذهبت لأكثر من طبيب نفسي، وجميعهم أخبروني بأني أعاني من وسواس قهري واضطراب وتشوه في الجسد، ولكني لم أكمل العلاج مع أي طبيب منهم، وحالتي أصبحت تسوء بشكل ملحوظ، وآخر طبيب ذهبت إليه شخص حالتي بنفس التشخيص، ولكنه أضاف بأنني أعاني من اكتئاب ذهاني، ولم أكمل معه أيضا.
كما أنه بعد فترة وجيزة من مشكلة ذقني أصبت بوسواس السب في الذات الإلهية بألفاظ وتخيلات خبيثة وبشعة، وكنت أعتقد أنه بسبب غضبي، لكن جميعهم أكدوا لي بأن هذا أحد أنواع الوسواس القهري، ولكن أنا ما زلت أعتقد أنه مني على الرغم من كرهي الشديد لهذا، فأصبحت تأتيني مثل نوبات الهلع، وهذا أثر على دراستي، حيث قمت بتأجيل الدراسة سنتين، ولا أحب أن أرى أحدا، ولا أخرج مطلقا من المنزل إلا للضرورة، وفي أغلب الأوقات أعود إلى المنزل منهارة، والآن أنا لا أريد الذهاب للعيادات النفسية، فأرجو تشخيص حالتي وإعطائي العلاج المناسب.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فعلا المشكلة الرئيسية التي تعانين منها هي الوسواس القهري الاضطراري، ويأتي دائما الوسواس القهري في أشكال عدة، منها: الأشياء الدينية، وأحيانا أشياء في العنف، وأشياء جنسية، وطبعا واضح أنك تعانين من الوسواس القهري المرتبط بالأشياء الدينية في المقام الأول.
أما بخصوص الاعتقاد بأن هناك تشوه ما أو مشكلة معينة في الجسد: فأيضا هذا من أنواع الوسواس القهري الاضطراري، وأحيانا قد تكون ذهانية، وتكون ذهانية إذا كان هناك اعتقاد جازم بالمشكلة، اعتقاد لا يتزحزح، ولا يتطرق إليه الشك، أما إذا كان نوعا من الوسواس والانشغال الزائد فهذا لا يكون ذهاني.
على أي حال: العلاج المناسب لحالتك هو علاج وسواس للقهري، مثل السيرترالين، خمسين مليجراما، ابدئي بنصف حبة ليلا لمدة أسبوع، ثم بعد ذلك حبة كاملة، ويجب أن تستمري على هذا العلاج لفترة لا تقل عن ستة أشهر، حتى بعد زوال أعراض الوسواس القهري، حتى لا يعود مرة أخرى، وبعد ذلك أوقفيه بالتدرج، بسحب ربع الجرعة كل أسبوع، حتى يتم التوقف منه تماما.
وبالنسبة لموضوع التشوه الجسدي فلعل من المستحسن أن تضيفي دواء (رزبريادون) واحد مليجرام، ابدئي بنصف حبة أيضا لمدة أسبوع، ثم بعد ذلك حبة كاملة، وبمجرد اختفاء هذا العرض - عرض التشوه الجسدي - يمكن أن توقفي الرزبريادون في حدود شهرين إلى ثلاثة أشهر، واستمري على السيرترالين لوحده، ويستحسن أن تضيفي علاجا سلوكيا معرفيا، إذا كان بالإمكان التواصل مع معالج نفسي، وإلا فاستمري على هذا العلاج حتى تختفي هذه الأعراض، ويجب الاستمرار في السيرترالين ستة أشهر، والرزبريادون ثلاثة أشهر، حتى لا تعود الأعراض مرة أخرى.
بالنسبة للأفكار الوسواسية:
فأنت لست مؤاخذة على هذه الأفكار الوسواسية، فهي قاهرة، مستحوذة، متسلطة، إذ أنى الإنسان مكره عليها لدرجة كبيرة، فلا تعنفي نفسك، ولا تعاتبي نفسك، ولا تحملي على نفسك فوق طاقتها، أبشري - أيتها الفاضلة الكريمة – هذه الوساوس نحن نرى أنها - إن شاء الله تعالى – دليل على صدق إيمان الناس، ومهما حاول الشيطان ومهما تحايل وحاول أن يتسلط على المسلم، - فإن شاء الله تعالى - هو مهزوم في نهاية الأمر.
المنهج العلاجي الصحيح، الذي يجب أن ينتهجه الإنسان هو أن يحقر هذه الوساوس، وألا يدخل في تفاصيلها، وأن يغلق عليها الباب، الوسواس مرض ذكي جدا، يحاول أن يفتح ثغرة هنا وهناك في فكر الإنسان ليستدرجه من أجل الاسترسال، لذا وصل علماء السلوك – ونحن كأطباء مسلمين – نرى أن هذا أفضل منهج، أن تحقري الوسواس، ألا تناقشيه، ضعيه تحت قدمك، عليك بإهانته، عليك بتحقيره، خاطبيه مخاطبة مباشرة (أنت وسواس حقير ولن أهتم بك أبدا) اصرفي انتباهك عنه تماما.
وهنالك بعض الأمور السلوكية الجميلة التي رأينا أنها مضعفة للوساوس جدا، مثلا اربطي الفكرة الوسواسية حين تأتيك بشيء قبيح آخر، أو أدخلي على نفسك فكرة مخالفة تماما، ويمكنك أيضا أن تقومي ببعض التمارين السلوكية الممتازة، حين تأتيك الفكرة الوسواسية لا تناقشيها، لكن قومي بربطها مثلا بأن توقعي الألم على نفسك، اضربي على يدك بقوة وشدة شديدة حتى تحسي بالألم، هنا الربط بين هذا المنفر وهو إيقاع الألم والفكرة الوسواسية، قطعا سوف يحاول الوسواس يضعفها. هذه التمارين يجب أن تكرر باستمرارية.
كما أن سب العبادة أو سب الله تعالى أو سب دينه، إن كان مجرد خاطر وحديث نفس، فلا يؤاخذ به العبد ما لم يتلفظ به، أو يعمل بمقتضاه، أو يستقر في قلبه بحيث يصير اعتقادا لا ينفر منه صاحبه ولا يكرهه.
إن كره العبد وخوفه ونفوره من هذه الخواطر والوساوس الشيطانية، علامة على صحة الاعتقاد وقوة الإيمان.
فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان. رواه مسلم.
قال النووي: معناه: استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه، ومن النطق به، فضلا عن اعتقاده، إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا وانتفت عنه الريبة والشكوك.
وفقك الله وسدد خطاك.