السؤال
السلام عليكم.
أنا مغتربة، ذهبت إلى بلادي لمدة أسبوع لرؤية والدي المريض، وعند سفري استودعته الله الذي لا تضيع ودائعه، على أمل أن أعود لأجده بصحة جيدة، ولكنه توفي ولم أستطع توديعه بسبب جائحة كرونا.
الآن يوسوس لي الشيطان كلما استودعت أولادي وأنا ذاهبة للعمل بأن هذا الدعاء لم يحفظ أبي لي وها هو قد مات ولن أراه إلى الأبد، فكيف أحارب هذا الوسواس؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول مستعينا بالله تعالى:
لعلك تدركين أن كل شيء يسير وفق قضاء الله وقدره، وأنه لا يتأخر من ذلك شيء، وقال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر)، وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) ولما خلق الله القلم قال له اكتب قال وما أكتب قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.
الموت حق على كل أحد، وعلم ذلك عند الله وحده، وهو ماض وفق قضاء الله وقدره، قال تعالى: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ۖ ولا يستقدمون)، ويقول شداد بن أوس رضي الله عنه: (يا أيها الناس لا تتهموا الله في قضائه فإن الله لا يبغي على مؤمن فإذا نزل بأحدكم شيء مما يحب فليحمد الله وإذا نزل به شيء يكره فليصبر وليحتسب فإن الله عنده حسن الثواب).
هذا الدعاء (أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه) مأثور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يمكن أن يدلنا نبينا على دعاء ليس فيه خير لنا، ولا يمكن ولا يلزم من الدعاء أن يستجاب للعبد فيحفظ الله من استودعناه عنده كغيره من الأدعية.
أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن الدعاء على مراتب فقال: فعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم قال-: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تعجل له دعوته ، وإما أن يدخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها ، قالوا : إذا نكثر ؟ قال : الله أكثر ).
إذا كان والدك قد مات ولم تستطيعي توديعه فما أكثر من لم يتمكن من زيارة والده أثناء مرضه ثم مات، وأنت من نعمة الله عليك أنك زرته في مرضه. وأما قولك (ولن أراه إلى الأبد) فهذا إن كان في الدنيا فنعم، وأما إن كان مقصدك في الدنيا والآخرة فهذا ليس صحيحا فإنكما إن كنتما جميعا من أهل الجنة فإنك ستلتقين به إن شاء الله.
الشيطان يريد أن يفسد عليك حياتك بهذه الوساوس، فعليك أن توقفي هذه الوساوس وذلك على النحو الآتي:
لا تتركي هذا الدعاء في أن تستودعي الله أبناءك فإن أتاك الوساوس فاستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، واقطعي وسواسه واحتقريه ولا تسترسلي أو تتحاوري معه، فإن الإصغاء له يظهر ضعفك للشيطان وهذا ما يريده، فإنك إن أصغيت بدأ بالوسوسة وبالتالي سينقل بك من وسواس لآخر وسيفسد عليك حياتك.
أوصيك بكثرة تلاوة وسماع القرآن الكريم، مع المحافظة على أذكار اليوم والليلة فإن ذلك مما يقيك من الشيطان الرجيم يقول تعالى: (ومن يعش عن ذكر الرحم نقيض له شيطانا فهو له قرين)، ويقول سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس).
أكثري من الدعاء لوالدك، وحبذا لو تفعلي له صدقة جارية وأحسن ذلك صدقة الماء، لقوله عليه الصلاة والسلام: (أفضل الصدقة سقي الماء).
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يرحم والدك، وأن يقيك من وساوس الشيطان الرجيم إنه سميع مجيب.