أصبحت أتجاهل زوجي بعد إهماله لي ولأولادي، فهل أنا مخطئة؟

0 42

السؤال

السلام عليكم.

متزوجة منذ 30 سنة، زوجي متعلم تعليم عال جدا، وله مكانة مرموقة في المجتمع؛ لأنه متحدث ومثقف ومظهره خارج المنزل مبهر؛ لأنه ممثل بارع، أما داخل البيت فيقضي الليل كله في الفيس بوك، والنهار في الوتساب، لا ينام إلا مع الصبح، ولا يشاركنا في البيت إلا في الأكل، حتى الصلاة يصليها في آخر نصف ساعة لانتهائها!

أدعو له طوال السنوات الماضية بالهداية، ولكن لم يتغير، دمر أولادي بالعصبية والصراخ، لا يستحم إلا مرة أو مرتين في الأسبوع، أصبحت أتجاهله، وغيرت غرفتي ولا أهتم به! هل هذا حرام علي؟ علما أنه لا يقبل النقاش وعصبي جدا مع أبنائه، ويكذب كثيرا، لا أحد يصدقني؛ لأنه ممثل بارع خارج البيت، ويساعد كل الناس إلا أهل بيته.

قضيت عمري كله أعمل في الجامعة، وداخل البيت، وأقوم بدفع معظم مصاريف أبنائي وأقساط البيت.

سؤالي: أصبحت أدعو عليه بتدمير الفيس بوك والوتساب، هل هذا حرام أيضا؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عواطف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك أجمل ترحيب.

من خلال قراءتي لاستشارتك تبين لي أنه لا يوجد جسر تواصل بينك وبين زوجك، والحوار الأسري مفقود تماما بالرغم من وجود تكافؤ بينكما من حيث المستوى التعليمي، وبالرغم من أن عمر زواجك ثلاثين عاما ولم تصلي إلى الاستقرار النفسي والمادي مع زوجك، وهذا يعود لعدد من الأسباب سوف نأتي على ذكرها وإيجاد حل لها -بإذن الله تعالى.

غاليتي: اعلمي أن الابتلاء سنة الله في خلقه، وكل ابتلاء خير في دنيانا وآخرتنا، فاعتبري أنك ممتحنة في "عصبية زوجك واستخدامه لوسائل التواصل الاجتماعي"، سئل الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: أندعو الله بالتمكين أم بالابتلاء؟ فقال: "لن تمكن قبل أن تبتلى". فهذه الحياة الدنيا مظنة ابتلاء، وقد قال الله -عز وجل-: "وإن كنا لمبتلين"، والأمور لا تجري في الدنيا على ما تشتهين؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعلك في الدنيا كي يمتحنك، فعلينا أن نوطن أنفسنا أن هذه الدنيا دار ابتلاء لا دار استواء.

ومما لا ريب فيه أن كثرة متابعة وسائل التواصل الاجتماعي زادت فجوة العلاقات بين الكثير من الأزواج بسبب مكوث بعض الأزواج لساعات طويلة خلف شاشة الحاسوب والهروب من القيام بواجباتها تجاه الأسرة.

ولكنك يا عزيزتي لم تخبرينا هل زوجك يقضي ساعات طويلة على الوتسأب والفيسبوك من أجل إنجاز بعض الأعمال أم لمجرد التسلية؟ كنت أتمنى لو أنك حددت لنا ذلك، حتى يتسنى لنا إعطاء الحل المناسب.

أما بالنسبة لما وصلت إليه نفسيتك من إرهاق وتعب ومشاعر كره تجاه زوجك لدرجة أنك قلت:" أصبحت أتجاهله وغيرت غرفتي ولا أهتم به"؛ فلكل هذا أقول لك ما يتوجب علي أن أنصحك به للحفاظ على نفسيتك أولا، ثم مملكتك الزوجية، وأبنائك قرة عينك وفلذات أكبادك:-

بداية: من حسن العشرة الزوجية أن تقف الزوجة بجوار زوجها، ومساندته ودعمه خلال المحن التي تستجد عليه، وقد قمت بمساعدة زوجك لحين تحسن وضعه، واعلمي جيدا أن زوجك يقدر لك هذه المساندة وإن لم يصرح بهذا.

* أدعوك لتقيمي زوجك مجددا، راجعي مواقفه وأفعاله، واحكمي عليه بصدق، دعي عنك الأفكار التي في ذهنك، يقال: إن الرجل في طبيعته ليس لديه طول البال والصبر والقدرة على حل المشاكل كما تفعل المرأة، فالمرأة أكثر صبرا، وتستطيع أن تجعل الرجل يشعر برجولته، وتمتص غضبه، وتحل أي مشكلة بالتفاهم والبال.

وهل الرجل يرغب بالمرأة التي تكثر من معاتبته، أو تتذمر من طريقته في الحياة ولا يعجبها منه تصرف إلا إذا وافق هواها؟

* لا تفرضي عليه آرائك وطريقتك؛ فقوته الحقيقة ليس أن يكون نسخة عما تريدين، لكن أن يتعايش معك بشكل مستقر رغم اختلافكما، الرجل لا يحب المرأة التي تمارس عليه الضغوط المختلفة والإلحاح لتحقيق ما تريد، لا تتصادمي معه، بل امشي بجانبه، وخذي بيده، ساعديه ليرى الصورة من وجهة نظرك؛ لأنه بالتأكيد غير قادر على رؤيتها، تذكري أن الحياة الزوجية ليست محاولة ليثبت كل طرف قوته وقدرته، لكنها حياة يعيشها الاثنان بمودة ورحمة، فإن لم توجد المودة ولا الرحمة؛ كانت الحياة بينهما مستحيلة، وإن استمرت؛ فسينشأ من هذه الأسرة أبناء يشعرون بفقد الحب والنقص وعدم الثقة.

* لا تجعلي من "استخدامه للفيسبوك وما شابه" مجالا للحديث المستمر عنها؛ لأنك إذا جعلت هذه المشكلة اليسيرة هي شغلك الشاغل وحديثك الذي لا ينتهي؛ فإن زوجك ربما ظن أن في هذا تركيعا له؛ فيزداد حدة وعنادا!

* لا تسلطي الضوء على عيوب ونقائص زوجك، ولا تغفلي عما يتحلى به من إيجابيات ومزايا عديدة، وحاولي إبرازها له، واجعليه يسمع ثناءك عليه.

* حاولي أن تبني جسر التواصل والثقة من جديد بينك وبين زوجك؛ فهذا الجسر سيزيد من الألفة والمحبة بينكما، ولا تتخلي عنه مهما كانت الظروف، جربي معه أساليب كثيرة حتى يتقرب منك، ولا تيأسي، فزوجك محتاج إلى سند، وإياك أن تقابلي السيئة بالسيئة، ولكن قابلي السيئة بالحسنة، فالبيت هو موطن الهدوء والأنس، ليس إلا!

* احرصي على تقوية إيمان زوجك وعلى صلاحه، وأن تكوني عونا لزوجك على المحافظة على الصلاة، وعلى تقوية الوازع الإيماني لديه؛ من خلال الاشتراك معه في مشاهدة بعض البرامج الدينية.

* استمعي أنت وزوجك إلى بعض المحاضرات أو البرامج التلفزيونية التي تتحدث عن الحقوق والواجبات بين الزوجين، وعن أهمية المعاشرة بالمعروف، وبإمكانك مشاهدة هذه المواضيع عبر اليوتيوب.

* أما بالنسبة إلى سؤالك: "أصبحت أدعو عليه بتدمير الفيس البوك والوتساب والانتقام، هل هذا حرام أيضا؟" أقول لك بدل أن تدعي على زوجك بالشر أدعو له بالهداية والصلاح حتى يصلحه الله فهذا أنفع لك وله ولأسرتك، لذلك أكثري من الدعاء لك ولزوجك؛ فالله -عز وجل- يجيب دعوة الداع المضطر، واحرصي على عمل الطاعات، واشكري الله على ما حباك من نعم من زوج وأبناء وصحة وعلم ومكانة مرموقة في المجتمع؛ لتدوم حياتك في صفاء تعطرين بها علاقتك الزوجية بالحب والاحترام.

* اصبري على زوجك، واعلمي أن الصبر من أعظم العبادات، واحتسبي ما تنفقينه في بيتك -جعله الله في ميزان حساناتك-، ولك الأجر -إن شاء الله-، واقرئي قول الرحمن: "وما تنفقوا من شيء فهو يخلفه"، فعند الله لا تضيع الودائع يا عزيزتي عواطف.

* وأنت بدورك عليك أن تحترمي زوجك أمام الأبناء، واهتمي به وأحسني التبعل له؛ فالعلاقة الحميمة بين الزوجين تساعد على منع احتقان الضغط النفس الذي يؤدي إلى الإصابة بالاكتئاب وفقدان طعم الحياة؛ فالحب والمشاعر النبيلة هي فيتامين الحياة لنحيا بها بطريقة نشطة وحيوية.

* لذلك غاليتي: عليك الحرص على زوجك وبيتك، والمرأة الذكية هي التي تبحث عن البدائل وحل المشكلات، وتكون عونا لزوجها، وثقي أن الله يجازي الصابرين بالحسنات، وأنه سوف يبدل حالكما إلى أحسن حال، وتذكري قول الله -جل وعلا-: "فإن مع العسر يسرا* إن مع العسر يسرا"، وقوله: "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون".

يقال: لو علم كل من الزوجين الحقوق والواجبات في الحياة الزوجية، وعلموا أنهم راحلون عن هذه الحياة القصيرة عما قريب، وأنه لا ينفعهم زاد في الدار الآخرة إلا ما قدموا من تربية وتعلم وعمل صالح لسهلت عليهم متاعب الحياة وقسوتها، وأعان بعضهم بعضا في تحمل المسؤولية في حال كبر سنهم وشيخوختهم، وسيجدون بعد العمر الطويل المتعة الروحية والراحة النفسية.

أسأل الله -جل جلاله- أن ييسر أموركما، وأن يجعلكما زوجين صالحين، وأن يجعلكما أزواجا في الجنة أيضا.
++++++++++++++++++
انتهت إجابة أ. انتصار معروف استشاري اجتماعي وتطوير الذات، وتليها إجابة الشيخ أحمد الفودعي المستشار التربوي والشرعي.
++++++++++++++++++
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب.

قد أفادتك الأخت المستشارة بما ينفعك -إن شاء الله- من الناحية الأسرية التربوية، وأما عن الجانب الشرعي في معرفة الحدود الشرعية جوابا عن سؤالك حين قلت أصبحت أتجاهله وغيرت غرفتي، ولا أهتم به هل هذا حرام علي؟ جواب هذا أيتها الكريمة هو أن نعلم أن الحقوق بين الزوجين متبادلة فللزوج حق وللزوجة حق كذلك، وأن كل حق يقابله واجب، والشريعة الإسلامية قامت على التوازن بين الحقوق والواجبات.

فالزوج له حقوق نعم، لكن عليه واجبات، الزوجة كذلك لها حقوق، ونعم هي أيضا عليها واجبات، ففي حال المسامحة والتغاضي عن كامل الحقوق وهو الأجدى والأنفع في العلاقات الأسرية، فينبغي لك أن تتغاضي عن حقوقك إذا قصر فيها الزوج، وتتسامحين فيها، ولك في ذلك أجرك عند الله تعالى، وحاولي أن تؤدي حقوق الزوج كاملة، فالإحسان يكسر النفوس عادة، والله تعالى يقول:( ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم* وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)، لكن إذا أردت تحديد الحق والواجب فنقول: الزوجة عليها أن تطيع الزوج، ولا سيما إذا دعاها للفراش، وليس لها أن تعصيه في ذلك، وليس لها أن تبيت على غير فراشه إذا كان يريدها على فراشه، وهذا الحق في مقابل واجب على الزوج، وهو واجب الإنفاق، فإذا امتنع الزوج عن واجب الإنفاق من المسكن والمأكل والمشرب والملبس بحسب العادة والعرف الجاري بين الناس من مثله لمثلها، إذا قصر في ذلك وامتنع منه، فإن للزوجة أن تمتنع، ولا يكون في هذه الحالة امتناعها من فراشه أو هجرها لفراشه عصيانا أو نشوزا؛ لأنه امتنع من أداء الحق عليه.

هذا عند المشاحة وطلب كل واحد من الآخر أداء ما عليه، أما عند التسامح فكما قدمنا، وأما الدعاء الذي ذكرت فيه آخر السؤال بأنك تدعين بتدمير الفيسبوك والواتساب فهذا في الحقيقة ليس دعاء على الزوج إذا كنت تقصدين تدمير هذه الأدوات أصلا، وهذه الوسائل، والذي يظهر لنا أن هذا الدعاء نوع من الاعتداء في الدعاء، فهو سؤال ما ليس للإنسان، أو ما فيه اعتداء على حقوق الآخرين، فينبغي تجنب هذا النوع من الدعاء والأفضل للإنسان أن يصبر ويحتسب إذا وقعت عليه مظلمة، فلا يدعو على من ظلمه، ينبغي له أن يدعو له بالهداية والصلاح، وأن يدعو بأن يرد الله تعالى إليه مظلمته، أما إذا ظلم ودعى على ظالمه بقدر مظلمته، فهذا جائز، ولكنه انتصار في الدنيا، وأخذ مظلمته في الدنيا، كما دل على ذلك الحديث الصحيح، أن من دعى فقد انتصر، يعني فقد شفى غليله بأن دعى على ظالمه.

فنصيحتنا لك أن تحتسبي أجرك على الله تعالى، ولا تضيعي ما رتبه الله تعالى على أعمالك، أو على المصائب التي تنزل بك، بمعنى أدق ولو كانت من قبل الزوج، فأكثري من الدعاء للزوج بالهداية والصلاح، وأن يستقيم حال الأسرة وفي ذلك خيرا كثير لك وله وللأسرة كما تفضلت الأخت المستشارة.

بارك الله فيك، وقدر لك الخير، وأصلح ما بينك وبين زوجك.

مواد ذات صلة

الاستشارات