السؤال
السلام عليكم.
أعاني من قلق وتوتر شديد وسلبية في الدفاع عن نفسي، مرت علي بعض المواقف التي لن أنساها منذ الصغر -اسمحوا لي أن اذكرها- حيث أني أشعر بأن كل منها يؤثر علي بالسلب الآن.
في سن ال١٠ كان هناك علاقة حب بريئة بيني وبين زميلتي، وكان أحدهم يريد أن يتشاجر معي، ولم يكن لدي رغبة في ضربه، وللأسف ضربني، وبكيت أمامها، ولم أنسى كيف طبطبت علي، وكنت حينها أبكي بكاء شديدا، حيث شعرت بالانهيار، فكم كانت تلك الحادثة مؤلمة.
كما أن والدي كانا كثيرا ما يتشاجران بالأيدي.
وأذكر أنه ذات يوم حدث شجار بيني وبين صديقي، كنت أتمنى حدوث أي شيء سوى الشجار، كما أنني إذا سافرت فإن بالي يظل مشغولا حول المشاكل التي تنتظرني إذا رجعت، على الرغم من أنه لا يحدث شيء.
لقد تعبت من هذه الحالة، فقد أثرت على نفسيتي بشكل كبير، كما أني أريد أن أكون قويا وقادرا على المواجهة لأتغلب على تلك المشكلات إن هي واجهتني، لا أريد أن أكون حبيس الخوف منها، بل أريد أن أبلي بلاء حسنا في التصدي لها.
فمثلا لو أن أحدا ما توعدني، فحينها أتمنى لو أن الأرض تنشق وتبتلعني، كما أن ما يقلقني لو أن زوجتي في المستقبل أني أخشى المواجهة ولا أستطيع أخذ حقي فيما لو أن أحدا ما تعدى علي لفظيا أو جسديا، ماذا سأفعل؟ وما هو الحل؟
الحمد لله أني أثق بكم كثيرا، وقد كانت لي استشارة في المراهقة منذ ١٠ سنوات تقريبا، وكانت مفيدة جدا بفضل الله.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يبدو أنك تعاني من " الحساسية النفسية المفرطة" وفي هذه الحالة تكون ردود فعل الشخص مبالغ بها إزاء المواقف التي يتعرض لها أو الكلام الذي يوجه إليه، فتراه يفضل الابتعاد عن المواقف التي يعتقد أنها تولد فيه القلق والخوف، أو تتطلب منه المواجهة، علما أن هذا التصرف ليس هو الحل الأمثل لذلك، وهؤلاء الأشخاص يحاولون جاهدين ألا يكونوا في الواجهة، ويفضلون دائما أن يقفوا خلف من يدافع عنهم ويحميهم في البيت أو العمل ويتحدث باسمهم، فهذا يشعرهم بالارتياح المؤقت، ولكن هذا الارتياح سرعان ما يزول عندما يتعرضون لمواقف مماثلة أو أكثر إحراجا من سابقاتها، إذا الموضوع لن ينتهي؛ لأن طبيعة الحياة متقلبة ولا تسير دائما بسلام وطمأنينة وهدوء على النحو الذي نتمناه.
يرث الإنسان استعدادا عاما للخوف والابتعاد عن الأشياء والمواقف التي تؤلمه أو التي يتوقع منها الألم، كما أن الإنسان يكتسب الغالبية العظمى من مخاوفه عن طريق التعلم وطبيعة التنشئة الأسرية والاجتماعية.
أما "القلق": فهو انفعال مكتسب مركب من الخوف والألم وتوقع الشر، لكنه يختلف عن الخوف في أن الخوف يثيره موقف خطر مباشر ماثل أمام الفرد يضر بالفعل.
بناء على التوضيح المذكور أعلاه، فأنت تفضل "الانسحاب الاجتماعي" من المواقف المقلقة كي لا تنتابك مشاعر تؤذيك نفسيا، ولكن إن اضطررت للبقاء أو فرض عليك التعرض لموقف ما فأنت تفضل الإذعان والامتثال لما يفرضه الآخرون عليك، دون القدرة على المواجهة.
فيما يلي مجموعة من الإرشادات النفسية التي قد تساعدك في تخطي المشاكل التي تعانيها بمشيئة الله، وهي عبارة عن برنامج علاجي متكامل كل خطوة مكملة للخطوة التي تليها:
1- اطرح على نفسك الأسئلة التالية: لماذا أقلق وأخاف من المواجهة؟ هل يوجد سبب حقيقي يجعلني أشعر بتلك المشاعر؟ أم أنها مشاعر داخلية ليس لها مبرر؟
2-أحصر المواقف التي يرتفع فيها مستوى القلق لديك وقم بترتيبها من الأكثر تأثيرا إلى الأقل تأثيرا.
3- ابدأ الآن باختيار مشكلة واحدة وابدأ بتطبيق استراتيجية "الإزالة المنتظمة للتحسس النفسي" وصولا إلى المواجهة ، من خلال:
(أ) استرخ على سرير في مكان هادئ.
(ب) تخيل المشكلة التي ستواجهك، وستحدث فيك القلق والخوف.
(ت) أغمض عينيك وتخيل الموقف الذي تصفه.
(ث) تصور الموقف يحدث وتخيل أنك هناك فعلا .
(ج) عندما تفعل الخطوة (ت) فأنت ستشعر ببعض القلق.
(ح) إذا حدث ذلك أوقف المشهد التخيلي حالا.
(خ) استرخ وأرح عضلات جسمك.
(د) ارجع وتخيل المشهد ثانية، وإذا شعرت بالتوتر والقلق، أرح ذهنك.
(ذ) كرر الخطوات السابقة للمستوى الذي تستطيع فيه تخيل المشهد دون أن تشعر بالقلق.
بذلك الأسلوب تستطيع أن تخفض من مستوى "التحسس النفسي المفرط" لديك عن طريق إزالة القلق.
ولكي تجعل العلاج مكتملا ، فإن عليك الآن أن تفكر بهدوء، بالتصرف الصائب في ذلك الموقف وكيف تواجهه وأن تخطط لذلك بهدوء وحكمة. وسوف تدهش عندما تكتشف أن قلقك، في الماضي، كان يجعلك تتوتر بشدة، وكان يمنعك من التفكير أو التخطيط في هذا المجال، وكان يحول دون أن تفكر بوضوح في ذلك الموقف، وسوف يختلف الأمر كله الآن.
4- بعد الانتهاء من المشكلة الأولى والتي تستحوذ على أهمية عالية في تفكيرك، الآن انتقل إلى المشاكل الأخرى، ورتبها من الأكثر تأثيرا إلى الأقل تأثيرا، وجرب الاستراتيجية التي استخدمتها في الخطوة رقم (3) وكرر الخطوات مع الموقف الأول فالموقف الثاني فالثالث، وهكذا إلى أن تبدأ تشعر بعدم الانزعاج من أي منها، وتستطيع التعامل مع كل المواقف.
بالنسبة لحل مشكلة "مواجهة الآخرين". فيما يلي الإرشادات العملية التالية:
1- فكر، خطط، واجه: وهنا ليس من المهم أن تتكلم، ولكن "ماذا" و "متى" تتكلم. إضافة إلى أن تنظيم الأفكار وسلسلتها يمنحانك قوة المواجه وفصاحة الرد.
2- اجلس مع أصدقائك، واطرح قضية للنقاش، وقم بطرح أفكارك بوضوح، وبعد انتهاء النقاش، عد إلى البيت، واكتب السلبيات التي تعتقد أنها أثرت على وضوح موقفك في النقاش، أو أضعفت من مواجهتك لأفكارهم، وحاول أن تتلافى ذلك في المرات القادمة، وعندما تخطط لنقاش آخر معهم، تذكر سلبياتك ولا تكررها.
3- تدرب وتعود على قول كلمة "لا" عندما لا يتفق الموقف مع ذاتك ومع أفكارك، ولا تجبر نفسك على مجاراة الآخرين إذا كنت غير مقتنع بما سيقومون به أو يقولونه، ولا تقم بشيء لا تحبه، وكن واضحا للآخرين وقل "لا" بصوت عال مليء بالثقة.
4- رد الإهانة: ليس من المنطقي أن يهان الإنسان ويصمت، بل عليه أن يرد الإهانة ويدافع عن نفسه، فالإنسان السوي يعرف فيما إذا كان الموقف مهينا له أم لا.
وفقك الله لما يحبه ويرضاه.