السؤال
السلام عليكم
سأستمر -إن شاء الله- بالتواصل معكم ما دام موقعكم مفيدا.
سؤالي هو: كيف أتخلص من الغضب، وعند الغضب لا أجد شيئا أعبر به عما في داخلي؛ لأني ضعيف في الكلام، لا أعرف أن أتكلم، وعندما لا أجد شيئا أعبر عنه أضغط على نفسي بحيث يكاد قلبي يتوقف من شدة الضغط، ومن شدة الغضب أقبض على يدي وأعصر على جسمي، وأبدأ بالارتعاش مما يؤثر على قلبي وصحتي، وأحيانا يصل بي إلى الغضب أن أسب الذات الإلهية أو أسب الدين، وبعدها أتوب، أما عن أسباب الغضب، فأحيانا يحدث خلاف بيني وبين أمي، وأبدأ بالغضب، وهي كذلك تغضب وتتكلم وتسبني، ولا تسكت عني، وأنا أستشيط غضبا، ويزيد غضبي بشدة.
أو أحيانا عند تشاجري مع إخوتي عندما آمرهم بشيء؛ لأني أكبر منهم ولا يطيعوني أو عندما يسبني أو يتمنى أخي أو أحد الأشخاص أن لا أغضب أمام الغرباء؛ لأني خجول، للعلم أنا أغضب فقط في البيت؛ لأني أميل لأمي وأهلي، أو أحيانا عندما تأتيني نوبات أكره نفسي مثلا: عندما أجلس مع والدي، ولا أعرف أتكلم أو عندما لا يرد أحد الأشخاص على سؤالي، أو عند شعوري بالضعف في الجلوس مع مجموعة؛ لأني خجول، أو أحيانا تمر بي نوبات كره لشخصيتي أغضب وأبكي وأجلس لوحدي، وأهلي يستغربون مني ويسألونني عن سبب غضبي أو أحيانا يصفونني بالمجنون.
وأخيرا أنا أعلم أنكم ستنصحوني ألا أغضب، ولكن هذه النصيحة لا تنفعني؛ لأني حاولت أن لا أغضب، ولكني لا أستطيع؛ لأن الغضب أعبر فيه عما بداخلي وأخرج الطاقة السلبية.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ داود حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، أتمنى أن تكون قد عملت بالإرشادات السابقة في رسائلك السابقة، وأعتقد أن فيها إجابات تامة على المشكلة التي أثرتها الآن، وهي مشكلة الغضب، الغضب صفة ذميمة وصفة بغيضه، وسوف نقول لك لا تغضب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بذلك، وقد علمنا ذلك، وتذكر أن غضبك هذا يؤدي إلى جراحات كثيرة بالنسبة لكثير من الناس، ويقلل قيمتك كثيرا في نظر الناس هذا في حد ذاته أمر مهم لو تذكرته وأدركته أعتقد أنك تستطيع أن تتحكم في غضبك.
الأمر الآخر: يجب أن تعامل الناس كما تحب أن يعاملوك هذه أيضا مهمة ومهمة جدا، والأمر الآخر هو أن تعبر عن نفسك أولا بأول، وأعتقد أنك محتاج أن ترفع مستواك المعرفي ومستواك الثقافي، أن تقرأ، أن تطلع، أن تتعلم، أن تجلس مع الصالحين من الشباب، توسيع دائرتك المعرفية العقلية والإدراكية تساعدك في القدرة على مخاطبة الناس، دائما تجنب الاحتقانات وعبر عن نفسك أولا بأول، وموجات الغضب هذه يمكن أن تتخطاها أيضا من خلال تغيير مكانك أو تغيير وضعك، هكذا نصحنا الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا كنت قائما فأجلس، إذا كنت جالسا فاضجع مثلا أو قف، واتفل ثلاثا على شقك الأيسر، استغفر، توضأ حتى ولو لمرة واحدة، الماء يطفئ نار الغضب)، الغضب صفة ذميمة جدا، وهي من طبيعة البشر في ذات الوقت، والإنسان يجب أن يعرف كيف يدير غضبه، وإن تعلمنا أن ندير الغضب نستطيع حقيقة أن نتجنب الغضب المذموم، ويكون غضبا محمودا، الغضب حين تنتهك الحرمات، الغضب حين ترى أن هنالك خللا في السلوك الاجتماعي وهكذا، فالغضب في حد ذاته ليس ممنوعا، لكن متى يغضب الإنسان، ولماذا يغضب الإنسان، وكيف يدير غضبه هذا هو المطلوب.
أنا أعتقد أن القضية قضية تربوية، قضية تحتاج إلى أن يدرب الإنسان نفسه عليها، والإنسان يستطيع أن يتغير، الله تعالى أعطانا القدرة والعقل والمعرفة، ومادام الغضب يزعجك فأنت تعرف ما هو مقابل الغضب، مقابل الغضب هو أن تكون شخصا لديك سعة في ذاتك وفي نفسك وفي وجدانك، وأن تعبر عن نفسك بصورة فيها أريحية، فيها احترام، فيها تقدير، وكما ذكرت لك أن تعامل الناس كما تحب أن يعاملوك، من الأشياء المهمة جدا لتجنب الغضب هي التعبير عن الذات، وتجنب الاحتقان، وممارسة الرياضة، الرياضة مهمة جدا؛ لأن الرياضة حقيقة تؤدي إلى تآكل الطاقات النفسية السلبية، وكما ذكرت لك أن تزود نفسك بالعلم والمعرفة، هذا أيضا سوف يرفع من قدرك ويجنبك الغضب السلبي..
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
++++++++++++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان،
وتليها إجابة الشيخ أحمد الفودعي المستشار التربوي والشرعي.
++++++++++++++++++
مرحبا بك ولدنا الحبيب في استشارات إسلام ويب، من الناحية الشرعية نؤكد أيها الحبيب أولا على ما أوصاك به الطبيب الأخ الفاضل الدكتور محمد، من التحكم في الغضب بقدر الاستطاعة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي طلب منه الوصية (لا تغضب)، فطلب الوصية مرتين وثلاث والنبي عليه السلام يكرر قوله: (لا تغضب)، ومعنى لا تغضب أي لا تتعاطى الأسباب التي توقعك في الغضب، فلا تتساهل في فعل الشيء الذي تدرك أنه سيؤدي بك إلى غضب، فتجنب المجالس أو الهيئات أو الأقوال التي تعلم أنت أنها تغضبك، وحاول أن تقطع الطريق قبل أن تصل إلى الغضب، هذا المعنى الأول للحديث، والمعنى الثاني لا تغضب أي لا تدع الغضب يتحكم فيك ويتصرف فيك، وإنما جاهد نفسك لضبط سلوكك أثناء الغضب، وهذا بالأخذ بالتدابير التي تدفع عنك الغضب أو تخففه، وهي ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم من الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والوضوء، وتغيير الهيئة إذا كنت قائما فتجلس كما ذكر لك الأخ الفاضل الدكتور محمد.
واحذر أن يقودك غضبك إلى منطقة مظلمة من التطاول على الذات الإلهية، أو على الدين الإسلامي، فإن هذا الباب يقود مباشرة إلى الكفر بالله والخروج من دين الإسلام، فاحذر ثم احذر ثم احذر من التهاون في هذا الأمر، وجميل أنك قد تبت من هذه الأمور، ولتحرص على عدم العودة إليها بتاتا.
فإذا عملت بهذه الوصايا، فإنك ستقلل بإذن الله تعالى من غضبك، وإذا تدربت عليها ستصل بإذن الله تعالى إلى القضاء على هذا السلوك غير المحبب، ونزيد على هذه الوصية وهي سابقة من الدكتور محمد كما قلت، نزيد عليها أيها الحبيب أمرين:
الأمر الأول: أن تعلم بأن إغضاب أمك حرام عليك، فهو من العقوق، والله تعالى حرم العقوق وعده من الكبائر، بل هو من أكبر الكبائر، وأمر ببر الوالدين، والبر معناه الإحسان إليهما بإدخال السرور إلى قلبيهما بكل قول أو فعل، فلا يجوز لك أبدا أن تتساهل في أي عمل يغضب أمك عليك، ويلزمك أن تطيعهما ما لم تأمرك بمعصية الله تعالى، هذا من حيث الإجمال دون الخوض في كثير من التفاصيل.
وأما عن إخوانك فمما يخفف غضبك أن تعلم بأن هذه طبيعة البشر لا يبادرون بالطاعة دائما لكل من يستحق الطاعة، فالبشر يعصون الله تعالى وهو خالقهم ورازقهم، وكل شيء فيهم منه وحده سبحانه وتعالى، فمع ذلك الله تعالى يعفو عنهم ويتجاوز عنهم ويمهلهم، ولا أحد أصبر من الله تعالى على خلقه، فتذكرك لهذه المعاني يخفف عليك غضبك إذا لم يطع إخوانك أمرك، ومما يخفف غضبك أيضا أن تعلم بأنه لا يلزمهم ولا يجب عليهم أن يطيعوا أمرك وإن كنت أكبر منهم، إنما يلزمهم طاعة الوالدين، فإذا عرفت ما لك وما عليك خف عليك الأمر بإذن الله تعالى..
نسأل الله تعالى أن يخلصك من كل خلق سيء، وأن يزينك بكل خلق حسن.