السؤال
السلام عليكم
أنا شاب في بداية حياتي، وفي كامل صحتي وأحمد الله، منذ أن وعيت على هذه الدنيا ونحن في ظرف كان سببه تجارة قام بها والدي كانت نتيجتها أنه أغرق نفسه بالديون، ووضعنا في موقف صعب أمام الحياة، بينما كنا لا نحتاج أحدا سوى الله، وها أنا أطبقت عامي العشرين، ولا زلنا في نفس الحادثة، أنا أعلم أنه ابتلاء من ربي وأنا صابر عليه، لكن هناك شيء في داخلي يجعلني أشعر أنني لست كمثل غيري من الناس، أشعر أنه إذا اقترفت ذنبا كان جزائي في الدنيا قبل الآخرة، أحب الوحدة والابتعاد عن صغار العقول، كما هو حال النسبة العظمى في المجتمع الجامعي والمجتمع بشكل عام.
أشعر أن هناك شيئا يناديني لأبدأ شيئا، ولكن لا أعلم ما هو، ولا أدري كيف أصل له، هناك طاقة مخزنة في جسمي؛ ولكني لا أعرف أين مكان صرفها، الأمر الذي حاولت مرات عديدة أن أجده، لكنها تتحول إلى ركود وكسل وإحباط، وهذا ما يجعلني أتمنى الموت؛ لأني على يقين بأن ربي رحيم سيرحمني برحمته، بينما هذه الدنيا الفانية أتعبتني من التفكير، حيث إنني أشعر أنني مسؤول عن كل شيء، وأنني يجب أن أحدث فرقا في كل خطأ أراه أمامي، لكنني أنسى نفسي، حياتي معقدة، لا أعرف كيف أبدأ؟!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Yazan حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
في رسالتك وصف للعديد من المشاعر التي تؤثر في سلوكك، وهذا يجعلك أكثر انطوائية، وتتعامل مع الآخرين على أنهم "لا يشبهونك" وهذا خطأ، فلا تتبن يا عزيزي معاييرك أنت وتقيس سلوكيات الآخرين بناء عليها؛ لأنه وبكل بساطة الآخرين أيضا قد ينظرون إليك أنك غير اجتماعي، انطوائي، متكبر.
وفيما يلي مجموعة من الإرشادات العملية التي سوف تساعدك بمشيئة الله على إعادة تنظيم شؤون حياتك:
- التفكير في الأمور بطريقة عقلانية إيجابية ضمن حدود المنطق، بعيدا عن المبالغة وتحميل الأمور أكثر مما تحتمل؛ لأن معظم مشاكلنا نابعة من طريقة تفكيرنا بالمشكلة وليست المشكلة نفسها، فمثلا، في موضوع والدك والديون التي تراكمت عليه، إذا فسرنا المشكلة بأن والدك هو السبب، وهذا خطؤه، وكان عليه أن يكون أكثر حذرا، فهذا التفسير يزيد من التأزم النفسي في داخلنا ويجعلنا أكثر ضيقا وتوترا.
على الجانب الآخر، إذا فسرنا المشكلة على أنها حادثة تحدث بشكل يومي مع العديد من الناس، وأن التجارة قابلة للربح والخسارة وأنه لا يوجد تاجر يحب أن يخسر، ففي الحالة الثانية، فكرنا بطريقة عقلانية إيجابية للموضوع، وأبعدنا عن أنفسنا الآثار النفسية التي قد تترتب عن التفكير السلبي.
- لا تقيم الناس على معاييرك أنت؛ لأن ذلك يجعلك أكثر انطوائية، وإرضاء الناس غاية لا تدرك.
- لا تتنبأ بأمور من الصعب التيقن منها فيما يخص أن الله يحاسبك على ذنوبك في الدنيا، وأن ما يحدث لك هو عقاب لذنب اقترفته؛ فالله وحده يعلم ذلك.
- تفاعل اجتماعيا مع الناس على اختلاف تفكيرهم، وليس بالضرورة أن تتبنى هذا الفكر أو ذاك، إذا جلست مع مجموعة "لا تشبهك"، ولكن هذا التفاعل يجعلك أكثر اطلاعا وخبرة في معظم نواحي الحياة ويوسع من مداركك وتصبح أكثر صلابة في مواجهة المشكلات.
- الطاقة الكامنة عند طالب جامعي، لها الكثير من المجالات لاستغلالها، وللقيام بذلك، حدد مجالات اهتماماتك وأيها أكثر أولوية من الآخر، مارس هذه الاهتمامات بالترتيب، فهذا التنظيم يجعل طاقتك تتوجه في الاتجاه الصحيح، ويجعلك أكثر تحديا لقدراتك في البحث عن مهام أصعب وأصعب، وهكذا ستجد نفسك في لحظة من اللحظات أن وقتك مليء بالنشاطات العقلية والجسدية والتفاعلات الاجتماعية، وبذلك لن يكون للإحباط أي منفذ للدخول إلى حياتك؛ لأنك تمارس اهتماماتك وهواياتك بطاقة موجهه بالاتجاه الصحيح، لا تسمح لك الشعور بالإحباط.
- مصطلح "حياتي معقدة" يتم تداوله عادة عندما تتراكم على الشخص المشكلات وتفلت الأمور عن زمامها، ولكن عمليا ما يحدث هو "عدم تخطيط"، أنت كطالب جامعي مشكلاتك ما زالت محصورة في شؤون دراستك، أما مشكلات البيت وتراكم الديون على والدك، هذا شأن أنت لا تقوى على حله بشكل جذري على الأقل الآن، لذا فكر بمشكلات عائلتك وشاركهم الحلول، ولكن لا تحمل نفسك فوق طاقتها؛ لأنه ببساطة أنت لست جزءا من الحل في الوقت الحالي.
وفقك الله لما يحبه ويرضاه.