السؤال
دائما أقول: إني راضية بقضاء الله، وبما يحدث لي من سراء أو ضراء، لكن في بعض الأوقات أشعر من داخلي بعدم الرضا التام، كيف أتغلب على هذا الشعور وأتعلم الرضا؟
دائما أقول: إني راضية بقضاء الله، وبما يحدث لي من سراء أو ضراء، لكن في بعض الأوقات أشعر من داخلي بعدم الرضا التام، كيف أتغلب على هذا الشعور وأتعلم الرضا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ AIG4799 حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك – ابنتنا الكريمة – في استشارات إسلام ويب.
الرضا بقضاء الله تعالى مقام رفيع من مقامات الإيمان التي ينبغي للمسلم والمسلمة الحرص عليها والتخلق بها، وهو مقام فوق الصبر، ولذلك كثير من العلماء يرى بأن الرضا مستحب، وأما الصبر فواجب، فالصبر حبس النفس عن التسخط من قضاء الله تعالى وقدره، وأما الرضا فمقام أعلى من ذلك، وهو (كسبي)، يعني الشعور بالرضا بما نزل بالإنسان، وكثير من العلماء يرى بأن الرضا والصبر شيء واحد.
وإذا علمت هذا فسأذكر لك الأسباب التي ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه "طريق الهجرتين"، وكذا ذكرها في غيره من الكتب، الأسباب التي تعين الإنسان على الصبر والرضا بقضاء الله تعالى وقدره، فإذا تذكرها الإنسان وقت نزول المكروه به فإنها تبعثه على الرضا وحب ما نزل به وإن كان منافرا لطبعه.
أول هذا، أو السبب الأول: أن يتذكر الجزاء والثواب.
السبب الثاني: أن يتذكر أن المصائب يكفر الله تعالى بها السيئات.
السبب الثالث: أن يتذكر أن هذا قدر سابق، وأنها قد كتبت – أي هذه المصيبة - في أم الكتاب قبل أن يخلقه الله تعالى، بل قبل أن يخلق الله تعالى السموات والأرض، فلماذا يجزع ولا يصبر ويحتسب؟
السبب الرابع: أن يتذكر أن المصائب التي تنزل به إنما تنزل عليه بسبب ذنوبه.
والسبب الخامس: أن يعلم أن الله تعالى ارتضى له هذا القدر وأن الله تعالى بحكمته وعلمه قسم له وكتب له أن يصيبه هذا المكروه، ولا شك أن اختيار الله تعالى للإنسان أفضل من اختيار الإنسان نفسه، وقد قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
والسبب السادس: أن يتذكر الإنسان ويعلم يقينا أن المصيبة التي تنزل به دواء نافع ساقه الله تعالى إليه وهو أعلم بمصلحته، فليصبر على تجرع هذا الدواء، فهو كما لو وصف له الطبيب الخبير العليم دواء يصلح لمرض يعاني منه، فإذا صبر ورضي بهذا الدواء نفعه بإذن الله تعالى.
السبب السابع: أن يتذكر الإنسان أنه بعد نزول هذه المصيبة وبعد تناوله لهذا الدواء المر فإنه سيعقب ذلك الشفاء والعافية والصحة وزوال الألم، أي: سيتغير حاله ويتحسن ولو مات بتلك المصيبة، فإن ما وراء الموت خير وأدوم وأطول بقاء، فإذا قدم الإنسان لآخرته صبرا واحتسابا على ما ينزل به من الآلام فإنه سينال العاقبة الحسنة.
وعلى الإنسان المؤمن – وهو ثامن الأسباب – أن يعلم وقت نزول المصيبة والمكروه به أن هذه المصيبة لم يقدرها الله تعالى لتهلكه، وإنما قدرها سبحانه وتعالى ليمتحن صبره ويبتليه، فيري ربه من نفسه خيرا.
والسبب الأخير الذي نذكره هنا: أن يعلم الإنسان المسلم حين تنزل به المصيبة أن الله تعالى يقلب هذا الإنسان بين السراء والضراء ليستخرج منه العبودية في جميع الأحوال، فالله تعالى يريد من عباده عبودية وقت نزول الضراء بهم، وهي: الصبر والاحتساب والرضا، كما يريد منهم عبادات في وقت السراء، وهي: الشكر والحمد ونحو ذلك من العبادات.
فإذا تذكر المسلم هذا ساعده ذلك على أن يرضى بقضاء الله تعالى، ويعلم أنه هو العمل وهو الوظيفة التي طلبها الله تعالى منه في تلك الأحوال.
هذه هي أهم الأسباب التي يذكرها العلماء ليتعاطاها المسلم وتتعاطاها المسلمة وقت نزول المكروه، ليعين نفسه على الرضا والصبر على ما نزل به، فإذا تعود عليها المسلم وصل بإذن الله تعالى إلى ما يحب من الأخلاق الإيمانية الحسنة.
وفقك الله لكل خير.