القلق النفسي دمر حياتي!

0 20

السؤال

السلام عليكم.

أنا من العراق، طولي 175 سم، ووزني 100 كغم، أعاني منذ طفولتي من القلق من الرهاب الاجتماعي الشديد وصولا إلى القلق العام وقلق المخاوف الوسواسي. لقد دمر حياتي وأصبحت حياتي جحيما بكل معنى الكلمة، وتطور الأمر إلى أعراض جسدية شديدة من تعرق غزير، وارتباك، ورجفة، وقولون عصبي، وقرحة، ودوخة، وعدم تركيز، ونسيان!

أكملت دراسة الماجستير بصعوبة بالغة دون علاج، وأخيرا قررت أن آخذ أدوية من فصيلة ssri؛ لأن القلق أصبح إعاقة كبيرة!

بدأت بتناول زولوفت 50، ثم 100، ثم 150، والتحسن كان جزئيا، ثم انتقلت إلى زيروكسات سي ار 25، ثم 50، ثم 75، والتحسن أفضل من الزولفت لكن نفس الرهبة والقلق، أشعر به دون تعافي كلي.

أريد من جنابكم الكريم وصف خطة علاجية شاملة للقلق بالأدوية؛ لأنني تعبت بكل معنى الكلمة، الكبت استنزف صحتي.

أرجوكم بدأت أفكر بالانتحار للتخلص من جحيم القلق، أنا لدي أمل كبير بعد الله جل وعلا بالأدوية وبالدكتور محمد عبد العليم، وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية.

أخي: إن كنت بالفعل تفكر في الانتحار فهذا أمر مؤسف، وأمر محبط، وأمر يمثل خسرانا مبينا في الدنيا والآخرة.

أحزنني كثيرا أنك ختمت رسالتك بما ذكرته، وأنا أعرف حقيقة هنالك من يريد بالفعل أن ينتحر، وهنالك من يهدد بالانتحار، وهنالك من يذكر أنه يريد أن ينتحر ليلفت نظر الناس ويبحث عن المزيد من الاهتمام، أيا كان، لأنني قد شاهدت جميع أصناف هذه الحالات خلال الخمس وثلاثين سنة الماضية التي عملت بها في الطب النفسي.

تستوقفني جدا مثل هذه الأفكار القبيحة، وأنا حقيقة أحبط تماما حين أسمع مثل هذه المقولات من رجل شاب عاقل مسلم، وحقيقة الذي يأتي لنفسه بهذا النوع من الأفكار يصعب علاجه النفسي، لأنه مليء بالتناقضات في داخله، مليء بالهشاشة النفسية في داخله، ضعيف الإيمان غالبا.

أخي: أنا لا أقصدك أنت على وجه الخصوص، لكن أريدك أن تستفيد مما قلته لك، ويا أخي الكريم: الحياة هي هبة الله تعالى، وليس من حقنا أبدا أن نمسها أو نؤذيها.

فأرجو – أخي الكريم – أن تغير مفهومك تماما حول الحياة والاستمرار فيها وقتل النفس. هذا فكر يجب ألا يخالدك أبدا، وهو فكر معيق، لا يؤدي إلى إفادة علاجية. هذا من ناحية.

من ناحية أخرى: أنا لا أرى أن حالتك مستعصية أبدا، إن كنت ترى مستعصية فيما مضى فأرجو -يا أخي- أن تغير تفكيرك من الآن، وتتمسك بالأمل والرجاء، واعرف أن الإنسان سلوكيا هو عبارة عن أفكار ومشاعر وأفعال، بدل فكرك السلبي إلى فكر إيجابي، بدل شعورك السلبي إلى شعور إيجابي، وهذا ممكن، لأن الله تعالى أعطانا إرادة التغيير.

ويا أخي: اجتهد في الأفعال، الضلع الثالث من هذه المنظومة السلوكية هي الأفعال، أن تكون شخصا فاعلا مفيدا لنفسك ولغيرك، أن تتواصل اجتماعيا، أن تبر والديك، أن تلتزم بصلاتك وعباداتك، أن تعامل الناس بخلق حسن، أن تؤدي الواجبات الاجتماعية، أن تمارس رياضة، أن تقرأ، أن تطلع، أن يكون لك هدف في هذه الحياة، وما أجمل الحياة إذا فعلا عشناها بكل قوة وأمل ورجاء وفعالية.

هذا – يا أخي – هو علاجك، وهذا هو الذي أنصحك به، وقصة الرهاب الاجتماعي والخوف الاجتماعي: أعتقد أن هذا شعور سخيف جدا، الإنسان لماذا يقلل من نفسه؟ الله خلقك في أحسن تقويم، وحباك بالعقل، فلماذا تخاف من الآخرين؟ لا، اقتحم الحياة بقوة، صل مع الجماعة في المسجد، مارس رياضة جماعية، اذهب للمناسبات الاجتماعية، كن مرفوع الرأس، كن شخصا ذو شأن وقدر، صاحب الصالحين، تجد فيهم الرفقة الطيبة والعمل الاجتماعي.

هذه هي نصائحي لك، وهذا هو العلاج.

أما بالنسبة للأدوية فهي متقاربة، أنا حقيقة أنصحك بالبروزاك، بالرغم من أنه بطيء نسبيا في علاج الرهاب الاجتماعي، لكنه دواء رائع إذا صبرت عليه، بعد شهرين أو ثلاثة سوف تحس بفعاليته، كما أن البروزاك يتميز أنه لا يزيد الوزن، وأنت لديك مشكلة في الوزن، ولابد أن تضع برنامجا لتخفيف وزنك.

ابدأ بالبروزاك – أي الفلوكستين – كبسولة واحدة يوميا لمدة أسبوعين، ثم اجعلها كبسولتين يوميا – أي أربعين مليجراما – استمر عليها لمدة ستة أشهر، ثم خفض الجرعة إلى كبسولة واحدة يوميا لمدة ستة أشهر أخرى، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله.

وأريدك أن تدعم البروزاك بعقار آخر يعرف باسم (رزبريادون)، تبدأ بجرعة واحد مليجرام ليلا لمدة شهرين، ثم تجعلها اثنين مليجرام ليلا لمدة شهرين، ثم واحد مليجرام ليلا لمدة شهرين أيضا، ثم تتوقف عن تناوله. هذا دواء ممتاز، يدعم كثيرا فعالية البروزاك مما يتأتى عنه بحول الله وقوته نتائج علاجية رائعة جدا.

إذا كما تلاحظ - أخي عبد الله - أننا قد وضعنا لك المؤشرات الرئيسية لعلاج حالتك وتأهيلها، وأتمنى أن تطبق كل ما ذكرناه، كل فكرة أو كلمة ذكرناها لها أهمية خاصة، والعلاج النفسي متكامل، بمعنى أن الجانب الدوائي زائد الجانب النفسي زائد الجانب الإسلامي، زائد الجانب الاجتماعي، كلها تتضافر مع بعضها البعض لتؤدي إلى نتائج علاجية ممتازة جدا.

أنت في سن تستطيع حقيقة أن تتخطى كل هذه الصعوبات، فقط ارفع من همتك، وتوجه اتجاها إيجابيا فاعلا، واترك انشغالك بالأفكار السلبية والحديث عن الانتحار وما شابه ذلك.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات