السؤال
السلام عليكم.
أنا أعاني من تشتت في التركيز، فحين أواجه موقف يستدعي التركيز أقول في نفسي: "يجب أن أركز الآن" فأصاب بضبابية في التفكير ويختفي التركيز بالكامل.
عندما قرأت بعض الاستشارات ذات الصلة أتضح لي أني مصاب بالقلق الداخلي، لكن من غير أعراض جسدية كبيرة، لكن أشعر أحيانا بل كثيرا بضيق في الصدر، مما أكد لي أني مصاب به، لهذا حاولت قراءة القرآن وشعرت بفرق كبير، والكثير من الثقة بعدها، وأنني امتلكت الدنيا، استغربت أني أمتلك العديد من القدرات التي لم أكن أعلمها، وكأنني كنت بحاجة لكسر الحاجز الوهمي كي تتفجر، خصوصا أنني متفوق جدا في دراستي، لكن للأسف هذه الثقة لا تدوم طويلا، فبإمكان موقف واحد أن يذهبها وعلى الأكثر تدوم لثلاثة أيام فقط، فما هو الحل لمشكلتي وهل أستعين بالدواء؟ قرأت في العديد من الاستشارات عن دواء يسمى دولكستين فهل هو مفيد لمثل هذه الحالات؟ وهل أستطيع أن آخذه هكذا بدون استشارة الطبيب؟
علما أنني هكذا منذ وقت طويل نسبيا، وليس حديثا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ نادر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
إن شاء الله مشكلتك بسيطة، بالفعل أنت لديك نوع من القلق الداخلي المحتقن، وهذا يؤدي إلى بعض الأعراض النفسوجسدية، ويحدث هنالك نوعا من التذبذب والتأرجح في الناحية المزاجية لديك، ويعرف تماما أن القلق الداخلي يجعل الأفكار تتداخل وتتسارع؛ مما يجعل الإنسان لا يستطيع التركيز عليها، وهذا يشعره بضبابية في التفكير وتشتت في التركيز.
هذه الظاهرة معروفة – أيها الفاضل الكريم – لا أريدك أبدا أن تعتبر نفسك مريضا نفسيا، هي مجرد ظاهرة نفسية.
أول ما تقوم به من أجل علاج حالتك هو أن تكون إيجابي التفكير في جميع المواقف وفي جميع الأوقات، الدنيا بخير، والخير ينتصر على الشر، وأنت صغير في السن، والله تعالى حباك بطاقات عظيمة نفسية وجسدية وفكرية ووجدانية، يجب أن تستفيد منها.
ثانيا: يجب أن تضع لنفسك أهدافا، ما هي أهدافك في الحياة؟ أهداف على المدى القصير، أهداف على المدى المتوسط، وأهداف على المدى البعيد.
أعطيك أمثلة لهذه الأهداف:
- أهداف آني – أي الآن – على المدى القصير: هذا في خلال الأربع وعشرين ساعة، مثلا: تقول أن أريد أن أزور أحد أرحامي من كبار السن، وتذهب وتزوره، يا لها من روعة سوف تحس بها بعد ذلك. أو: أريد أن أذهب وأزور مريضا في المستشفى، سوف تحس أنك قد امتلكت الدنيا بجمالها، صدقني هذا هو الشعور الذي يأتي للإنسان حين ينجز عملا راقيا من هذا القبيل.
- وأهداف على المدى المتوسط: هذه نحققها في خلال ستة أشهر، قرار مثلا أن تحفظ خمسة أجزاء من القرآن الكريم، عظيمة جدا، وأنت تقرأ القرآن ما شاء الله، فقط عليك التجويد وإحسان القراءة، والحفظ مشروع حققه خلال خمسة أشهر. أو حتى قل أنك تريد أن تحفظ ثلاثة أجزاء، لكن لابد أن تضع الشرط الزمني دائما في تحقيق الأهداف، ويمكن أن تقوم بأهداف أخرى خلال هذه الفترة، أن تقرأ قراءات حرة، ثلاث أربعة كتب، أن تعمل وتواصل تعليمك، هذا كله متاح.
- وأهداف على المدى البعيد: طبعا التفوق العلمي، العمل، التخصص، الزواج ... وهكذا.
وهكذا ضع لنفسك أهداف، هذا يحسن من تركيزك، وطبعا النوم الليلي المبكر مهم جدا، وتجنب السهر، قراءة القرآن بتؤدة وترتيل وتدبر وتمعن تحسن من التركيز، ممارسة تمارين الاسترخاء، تمارين التنفس التدرجي أراها ممتازة، توجد برامج كثيرة جدا على اليوتيوب فأرجو أن تتحصل على أحد هذه البرامج وتتعلم هذه التمارين، أو تذهب لأخصائي نفسي ليقوم بتدريبك عليها.
عليك بممارسة الرياضة، الرياضة مع الأصدقاء، مع مجموعة من الشباب، رياضة لوحدك، الرياضة تقوي النفوس قبل الأجسام.
إذا هذه برامج واضحة جدا، وكن عضوا فعالا في بيتك، في أسرتك، بارا بوالديك، عليك بالتواصل الاجتماعي الإيجابي، عليك أن تحافظ على الصلاة في وقتها، في المسجد. هنا حياتك يكون لها معنى، يكون لها هدف، وهذا قطعا سوف ينعكس عليك انعكاسا إيجابيا فيما يتعلق بصحتك النفسية والجسدية.
هذه هي الحياة، تغيير كامل في نمط الحياة، يوصلك إن شاء الله إلى مبتغاك، وسوف تجد أن تركيزك قد تحسن كثيرا، وعليك بذكر الله كما ذكرت لك، {واذكر ربك إذا نسيت}.
أيها الفاضل الكريم: أما من ناحية الأدوية فأنا أرى أن عقار مثل (بروزاك) سيكون دواء مناسبا جدا لعلاج حالتك، حيث إنه سليم وخفيف وغير إدماني، وفعال جدا، ويحسن الدافعية كثيرا عند الناس، ولا داع للدولكستين، فهو دواء قوي نسبيا، وحالتك لا تحتاج إليه، كما أن الدولكستين يعاب عليه أن الإنسان إذا بدأه واستمر في استعماله يصعب التوقف عنه، حيث إنه من خصائص هذا الدواء وجود آثار انسحابية، خاصة إذا كان سحب الدواء سريع.
جرعة البروزاك في حالتك تبدأ بكبسولة واحدة (عشرين مليجراما) يوميا لمدة شهر، ثم تجعلها كبسولتين يوميا لمدة شهرين، ثم كبسولة واحدة يوميا لمدة شهر، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، ثم تتوقف عن تناوله.
ويمكن تدعيم البروزاك بدواء آخر بسيط وخفيف، وهو الـ (دوجماتيل) والذي يسمى علميا (سلبرايد)، تتناوله بجرعة خمسين مليجراما صباحا يوميا لمدة شهرين، ثم تتوقف عن تناوله. هو أيضا دواء بسيط وسليم جدا، وفاعل، ويتضافر مع البروزاك بصورة ممتازة مما ينتج عن ذلك أثر علاجي إيجابي جدا.
ختاما: أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأرجو أن تأخذ كل كلمة وكل فكرة طرحتها عليك في هذه الاستشارة، أرجو أن تأخذها على محمل الجد، وأن تطبق كل ما أوردناه لك من أفكار ومقترحات علاجية، والعلاج الذي يؤدي إلى نتائج ممتازة هو العلاج الذي تؤخذ كل مكوناته؛ لأن التظافر ما بين الجانب النفسي والإسلامي والاجتماعي والسلوكي والدوائي هي الجوهر المطلوب في العلاج، فأرجو أن تطبق وأن تلتزم وأن تكون متفائلا، وتناول الدواء حسب ما وصفناه لك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.