السؤال
السلام عليكم ..
متزوجة عمري 28 سنة، طفولتي كانت ممتازة، لكن في فترة المراهقة عانيت من الضرب المبرح المستمر من قبل أشقائي بسبب وبدون سبب، فكنت كلما جلست للدراسة يطلبون مني أن أقوم بإحضار أشيائهم وأنا لا أستطيع قطع أفكاري، وإذا قلت بأدب أني أدرس ضربوني ضربا مبرحا حتى ينزل الدم مني، وكنت مطيعة وطيبة جدا، والآن كبرت وأعاني من دوامة الضغوط النفسية بسبب ما حدث لي في المراهقة، وإلى الآن لما أجد تفسيرا، ولا أحد يكلمني من أشقائي بأدب بدون سبب، ويتجنبون النظر إلي.
حديثا أصبحت أعاني من الخوف المستمر من حكم الناس علي، وأخاف من أي موعد أو أي شيء، عندي أولاد، والمخاوف تساورني، خوف الفقد، خوف الضرب، خوف كل شيء، حتى أن زوجي ضربني وأنا حامل، وأصبت بحالة هستيرية جعلتني ألزم الفراش لأيام، وأصبحت سريعة الغضب لا أتحكم بمشاعري، ولا شيء يطفئ نار غضبي أبدا مهما كان، لا أعلم ما السبب؟
أريد حلا لمشكلتي كيف أبتعد عن الخوف المستمر المهدد لحياتي العملية اليومية؟ وكيف أنسى الماضي والإساءة؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ملاك حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا ومرحبا بك غاليتي ملاك، جعلنا الله وإياكم من عباده الصابرين.
مشكلتك تكمن بعدم مقدرتك على قول كلمة "لا" في المواقف التي تتطلب ذلك، فأنت لم تعتادي على التعبير عن رأيك وعن مشاعرك أو مخالفة رأي الآخرين، فكل ما تعانينه له حل بإذن الله تعإلى، ولا يحتاج منك أن تصلي إلى هذا الحد من اليأس وتنهاري وتخسري روح الحياة فيك، فأنت سيدة متعلمة ومثقفة و لديك أبناء بحاجة إليك ومستقبل مشرق ينتظرك، وهذه هي الحياة لكل منا دور عليه القيام به، ورسالة يؤديها ويسأل عنها أمام الله، فكثرة الضغوطات العائلية تولد الانفجار النفسي، ويكون ضررها على الصحة الجسدية والنفسية.
غاليتي ملاك: كل ما يصيب العبد في هذه الدنيا إنما هو ابتلاء في السراء والضراء والابتلاء يكون لتهذيب النفوس لا لتعذيبها، وديننا الحنيف أمرنا بصلة الرحم والعفو عن المسيء، وأن نرد الإساءة بالإحسان إليهم، وهذه المعاملة مع الغرباء، فكيف مع ألاهل ، فلهم عليك حق كبير، وطبيعة النفوس مجبولة على الرد في حال الإساءة، وتستصعب العفو عن من ظلمها، ولكن عندما نحتكم إلى الشريعة نجد أننا ملزمون بالصبر وعدم هجر المسلم لأخيه أكثر من ثلاثة أيام، إلا إذا كان الضرر في دينه ويخاف المفسدة.
يقال: أن المسامحة مهمة جدا للإنسان؛ لأنها تحد من الألم الذي يشعر به، كما أنها تخفف من ثقله عليه، وتسهم المسامحة أيضا بشكل كبير في رفع ثقة الإنسان بنفسه وخاصة حين يكون قادرا على رد الأذى وإيلام الشخص الذي أساء له، وهو ما يعود على النفسية بالخير.
قلت: أريد حلا لمشكلتي كيف أبتعد عن الخوف المستمر المهدد لحياتي العملية اليومية؟ وكيف أنسى الماضي والإساءة؟
ونحن بدورنا نقول لك:
أنت بحاجة إلى تعزيز مستوى الثقة لديك؛ وهذا يعتمد على حبك لذاتك ورضاك عن نفسك، والرضى بما أنعم الله عليك من نعم، فالحياة تحتاج إلى المرونة في التفكير، والتعامل مع المستجدات بروح الصبر، فكل ما تفعلينه وتقولينه يعبر عن مدى ثقتك بنفسك.
تخلصي من هذه الأفكار السلبية، واستبدليها بالأمور الإيجابية، فكلما خطرت على بالك فكرة سوداوية بدليها بفكرة مشرقة تسعد قلبك.
لا تحملي نفسك أكثر من طاقتها، واعلمي أن إحسانك إلى إخوتك صدقة، وتحملك ما يصدر منهم يدل على أخلاقك العالية، وداومي على الإحسان لهم وإن هم صدوا وأعرضوا؛ فهم بحاجة إلى الشفقة، وأن تدعي لهم بالهداية، واعملي بقول الله العزيز الجبار: "ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم".
اشكري الله واحمديه أنه وهبك قلبا محبا وصدرا رحبا، وأنت متعلمة؛ فكوني أكثر حكمة ووعيا في علاقتك مع أخوتك؛ فصلة الرحم من أعظم العبادات.
بنيتي ملاك: الحياة الزوجية تحتاج إلى الثقة المتبادلة بين الزوجين، والمتوجة بالاحترام والمصداقية بالتعامل لاستمرار العلاقة بينهما، والتي تنعكس إيجابيا على تربية الأبناء.
فمعاشرة الزوج تحتاج أيضا إلى كثير من الصبر والتفهم، والحرص على ما يغضب ويرضي الزوج، وعدم الاستخفاف ببعض الأمور التي تهز رجولته ومكانته في البيت وأمام الناس، ومن المؤكد أن زوجك أخبرك ماذا يحب ويكره منك، وما هو الممنوع والمسموح، وما هي الأمور التي ممكن أن يسامحك عليها إذا حصلت، والأمور التي لا يمكن أن يتغافل عنها أو يسمح بها، أليس كذلك؟!
ومن أجل أن تتخطي هذه الفترة الصعبة؛ عليك بالصبر والهدوء والحكمة في معاملة الزوج بطريقة تحافظين بها على كيانك واحترام زوجك لك، وكسب قلبه.
ولا تنسي أن ما تقومين به من مراعاة للحقوق الزوجية له ميزان كبير عند الله عز وجل، فابحثي عن مفاتيح زوجك لتكسبي ثقته ومحبته ورضاه؛ وكل هذا سوف تجنين ثماره في أوقات الصفاء مع زوجك، واجتهدي أن تكوني امرأة لها بصمة مميزة في حياة زوجها وزوجة وأما مثالية، فأنت تستحقين التميز.
اجعلي من بيتك المكان المريح نفسيا لك ولزوجك، وعطري حياتك بالاحترام والمودة، واهتمي بصحتك وبصحة زوجك، واطهي الطعام المحبب لكما، وتحدثي مع زوجك تارة، واستمعي له تارة أخرى؛ فالصمت يعبر عن الحب والراحة النفسية.
أنصحك بممارسة أنشطة الرعاية الذاتية مثل التدليك، والاهتمام بالجسم والشعر، إذ إن لمثل هذه الأنشطة تأثيرا في صحة الشخص النفسية.
اهتمي بنفسك وبصحتك، ومارسي أي نوع من أنواع الرياضة، واعتني بكل ما يختص بزينة الأنثى، ودربي نفسك على الاسترخاء والتأمل، فتوطين النفس على الهدوء من مفاتيح السعادة النفسية التي تنعكس على علاقتك بزوجك وبحياتك بشكل عام.
أخيرا أقول لك: إن السعادة الحقيقة هي الرضى عن النفس، والرضى بما أنعم الله عليك، تقربي من الله بالطاعات من صلاة وصوم، وأكثري من الدعاء، واسألي الله أن يؤلف بين قلبك وقلب زوجك.
أسأل الله العزيز أن يصلح لك حالك يا ملاك، ويهدي لك زوجك، ويقرب بينكما.