السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
استشارتي للدكتور محمد عبد العليم، جزاه الله خيرا.
اصبت بأول نوبة هلع سنة 2006، كنت أمر بفترات تشتد فيها النوبات والقلق وفترات ارتياح.
بدأت في زيارة الأطباء بجميع تخصصاتهم، فعملت جميع التحاليل الدموية، ومناظير للمعدة والأنف، وتخطيط وإيكو للقلب، والتي دائما تكون سليمة.
ذهبت لطبيب نفسي فقال لي: أنت تعاني من اضطرابات القلق-اضطراب الهلع- فكتب لي على سيبرالكس 10مغ، لمدة سنة ونصف، ثم 5مغ مدة سنة ونصف، ثم تدرجت في تناوله حتى قمت بتوقيفه تحت إشراف الطبيب.
خلال مدة العلاج اختفت جميع الأعراض، لكن بعد ثلاثة أشهر من التوقف من الدواء عادت الأعراض، والتي ممكن أن ألخصها في التالي: أستيقظ متحمسا ومفعما بالحياة، لكن عند حلول المساء تبدأ طاقاتي النفسية بالانخفاض وتقل الدافعية، ويبدأ الإحساس بالقلق والخوف والتوجس وتقل الطمأنينة.
أحس بنوع من الغرابة أو التغرب مع شيء من الكدر على هذه الحالة، وتفكير في مآلاتها في المستقبل، وكل هذا مصحوب بأعراض جسدية متنوعة من تسارع ضربات القلب وشد في الرأس ودربكة في البطن.
صراحة أنا أحب الحياة، وأطمح أن أحسن وضعيتي المهنية، وأتمم دراستي العليا.
أسئلتي:
1. هل ما بي مرض نفسي مطبق ومزمن؟ هل يرتقي لدرجة اكتئاب؟ علما أنه بعض المرات تأتيني أفكار مفاجئة ومسيطرة، مفادها أنني سأموت أو سأفقد عقلي، مما يجعلني أحس بنوع من الهلع الشديد.
2. قرأت في مجلة علمية تهم الطب النفسي كون مضادات الاكتئاب بجميع أنواعها تسبب أضرارا جسيمة لجسم الإنسان، وخاصة الدماغ.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عاشق حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
انتابتك نوبات عام 2006 وواجهتها بخطة علاجية ممتازة تمثلت في تناول الدواء بصورة منتظمة، ولابد أيضا أن تكون قد عدلت من نمط حياتك، وجعلته أكثر إيجابية، وبعد ثلاثة أشهر من التوقف عن الدواء بدأت تأتيك هذه الأعراض، تمثلت في ظهور القلق والتوترات، خاصة في فترة المساء، مع بعض الأعراض النفسوجسدية.
الذي انتابك هذا هو نوع من الهفوة، وليس انتكاسة، لأن معظم الذين يعانون من نوبات الهلع والقلق، ربما تعاودهم بعض الأعراض في فترات لاحقة، لكن غالبا تكون بسيطة، وليست مزعجة مثل النوبات الأولى، والأشخاص الذين يجعلون نمط حياتهم نمطا نشطا ويعيشون حياة صحية سليمة قطعا يستطيعون أن يوجهوا قلقهم ويجعلونه من قلق سلبي إلى قلق إيجابي منتج، وهذا قطعا يؤدي إلى اختفاء ظاهرة الهلع والهرع.
أخي الكريم: أنا أريدك أن تحرص حقيقة في تغيير نمط الحياة، أو أن تجعل حياتك حياة صحية وسليمة، تمارس الرياضة بانتظام، تتجنب السهر، تثبت وقت النوم ليلا، ودائما النوم المبكر هو الأفضل، لأنه يؤدي إلى ترميم في خلايا الدماغ واستقرارها، الغذاء الصحي، التواصل الاجتماعي، الحرص على العبادة وأدائها في وقتها، أن يهتم الإنسان بعمله ويطور نفسه مهنيا، وأن يكون للإنسان مشاريع حياة، هدف حياتي بل أهداف، انتهاء من هدف ودخول في غيره، إنجازات وتطلعات مستقبلية إيجابية.
هذه – يا أخي – تمثل ركائز أساسية للحياة النفسية الصحيحة، وبهذه الكيفية نكون قد جعلنا القلق يسير في مسارات إيجابية ونستفيد منه، يكون قلقا إنتاجيا، يكون قلقا محفزا، لأن الذي لا يقلق لا ينجح أبدا.
أيضا ممارسة تمارين الاسترخاء وجدناها مفيدة جدا، والتدبر والتأمل أو ما نسميه بالاستغراق الذهني – أيضا ممتاز جدا، فأرجو أن تضع نفسك في هذه الأطر العلاجية، وأعتقد أنها ستكون مفيدة لك.
طبعا استجابتك الواضحة للسبرالكس وظهور هذه الهفوة بعد التوقف منه دليل أيضا على العامل البيولوجي في نوبات القلق والهرع التي كانت تأتيك، يعني أن كيمياء الدماغ قد تكون تأثرت تأثيرا بسيطا، وحين تناولت السبرالكس وضع الموصلات العصبية في مسارها الصحيح، خاصة مادة السيروتونين.
أخي: الآن ليس هنالك ما يمنع أبدا أن تتناول جرعة صغيرة من السبرالكس، خمسة إلى عشرة مليجرام مثلا لمدة ستة أشهر، تبدأ بنصف حبة (خمسة مليجرام) لمدة عشرة أيام، ثم عشرة مليجرام يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم خمسة مليجرام يوميا لمدة شهر، ثم خمسة مليجرام يوما بعد يوم لمدة شهر آخر، أعتقد أن هذا سيكون كافيا جدا.
أخي: حالتك هذه لا تمثل مرضا مطبقا، ولا يرقى لدرجة المرض، إنما هي ظاهرة نفسية، وهكذا يجب أن تفهم. أنت ليس لديك اكتئاب نفسي حقيقي تنطبق عليه المعايير التشخيصية، الذي بك هو نوع من القلق وشيء من الوسوسة والمخاوف.
بالنسبة لمضادات الاكتئاب: هي أدوية ممتازة، غيرت حياة الناس، ولا تضر بالدماغ، هذا الكلام غير صحيح، إنما تصلح الدماغ ومساراته العصبية، لكن قطعا إذا تم استعمال الدواء بصورة غير صحيحة - من حيث الجرعة ومن حيث مدة العلاج - ربما تنشأ أضرارا على صحة الإنسان عامة.
هذا القول الذي أثير أن مضادات الاكتئاب تؤدي إلى أضرار في الدماغ: مع فائق الاحترام والتقدير مصدره بعض الأخصائيين النفسيين وليس الأطباء النفسيين، الأخصائيين النفسيين يعتمدون في العلاج على التحليل النفسي والعلاجات السلوكية المختلفة، وما يمكن أن نسميه بالعلاج الكلامي، بعضهم لديه موقف معادي جدا للأدوية عامة. هذه نقطة أخي الكريم.
الأمر الآخر: أثير في فترة من الفترات أن مضادات الاكتئاب قد تدفع بعض صغار السن نحو الانتحار، أو على الأقل تنشأ لديهم أفكار انتحارية. هذا الكلام فيه شيء من الصحة، حيث اتضح أن نسبة عشرة إلى عشرين بالمائة من الذين هم دون سن الـ 18 وكانوا يعانون من حالة نفسية شديدة كاكتئاب نفسي؛ إذا أعطوا مضادات الاكتئاب دون متابعة قد تتولد لديهم أفكار انتحارية، لكن لم يصلوا لدرجة القيام بالفعل الانتحاري نفسه، وهؤلاء في نهاية الأمر اتضح أنهم في الأصل يعانون من الاضطراب الوجداني ثنائي القطبية وليس اكتئاب نفسي آحاد القطبية، بمعنى أن الأدوية التي تناسبهم هي مثبتات ومحسنات المزاج وليس مضادات الاكتئاب.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.