السؤال
السلام عليكم.
توفيت أمي قبل شهرين تقريبا بسبب مرض السرطان، مما يعني أنني لا زلت في صدمة، والأفكار الخبيثة تحوم حولي من كل جهة، فقبل مرضها بعامين تقريبا وقع خلاف بيني وبين أبي، وبعد أن زال الخلاف مرضت بهذا المرض، ومنذ ذلك الحين وأنا أحس كأنني السبب، وأحس كأن الله عاقبني بذلك لأنني أحب أمي كثيرا، والآن أبي اختار أن يتزوج ولم أمنعه عن ذلك، لكن أحس بالغيرة الشديدة عندما أراها، أو عندما أرى صديقاتي وأمهاتم وأنا ليس لدي أي أحد، فماذا أفعل؟
أرد اللوم على نفسي كثيرا خصوصا عندما أتذكر المناقشات والحوارات التي كنت أتناقش معها حول أعمال البيت، كما أنني من النوع الذي لا يصرح بأحاسيسه ولا مشاعره، فكنت أحب أمي لكن لم أقل لها هذا قط، فقط أعانقها في بعض الأحيان، وأنا نادمة على كل هذا ندما شديدا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ياسمين حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك – ابنتنا الكريمة – في استشارت إسلام ويب.
أولا: نسأل الله تعالى أن يعظم لك الأجر في وفاة أمك، وأن يرحمها رحمة واسعة، ويجمعك بها في جنات عدن، في سعادة وهناء.
وثانيا: نشكر لك تواصلك مع إسلام ويب، كما نشكر لك حرصك على الإحسان على أمك بعد وفاتها وندمك على التفريط في حقها، أو على ندمك في عدم المبالغة في برها والإحسان إليها حال حياتها.
ولكن نصيحتنا لك بأن تستثمري هذا الحزن وهذا الندم استثمارا نافعا، وأن تجعلي منه شيئا إيجابيا يدفعك للعمل النافع لك ولأمك، فإن بر الأم لا ينقطع بالموت، فالبر باق وله أشكال وصور بعد الوفاة، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنواعا من البر بعد الموت، منها: الاستغفار والدعاء، فأكثري من الدعاء والاستغفار لأمك، فإن ذلك ينفعها وتسعد به سعادة كبيرة في قبرها ويوم يبعث الله تعالى العباد.
ومن البر بها بعد وفاتها التصدق عنها إذا أمكنك ذلك، ولو بصدقات يسيرة.
والنوع الثالث من أنواع البر: أن تصلي أرحامها وصديقاتها، فإن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
فاحرصي على بر أمك بعد وفاتها والمبالغة في ذلك، فهذا عمل نافع وعبادة عظيمة تنفعك أنت بزيادة الأجر والثواب، وتنفع أمك بتكفير السيئات ورفعة الدرجات.
أما مجرد الحزن دون عمل فإن هذا من الشيطان، يحاول أن يدخل اليأس والقنوط إلى قلبك ويجعلك تعيشين حياة ملؤها الأحزان والأكدار، فلا تلتفتي لهذا النوع من الحزن، ولم نر في سؤالك ما يدل على أنك كنت عاقة لأمك، وإن كنت لم تبالغي في برها والإحسان إليها.
أما ما ذكرت من سبب مرض وفاتها: فإننا ننصحك بأن تعرضي عن هذه الأفكار تماما، وألا تجعلي سببا لموتها هو تصرفاتك أنت، فإن العمر مكتوب والأجل محدود، وكل نفس تستوفي ما كتب الله تعالى لها من العمر في حياتها قبل الممات، كما قال سبحانه في أكثر من آية في القرآن العظيم: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}، وهذا النوع من الأفكار يريد الشيطان من خلاله أن يوقعك في أنواع من الأحزان والأكدار، فلا تعريها اهتماما.
وقد أحسنت – أيتها البنت الكريمة – حين لم تسيء إلى أبيك في زواجه بامرأة أخرى، أو تعارضيه في ذلك، فهذا هو الواجب عليك، وينبغي أن تكوني عونا لأبيك، بارة به، فهو وسط أبواب الجنة، أي: خير أبواب الجنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الوالد أوسط أبواب الجنة))، فاحرصي على بر أبيك، وعوضي بعض ما فاتك من البر بأمك ببرك بأبيك والإحسان إليه، وحاولي أن تكوني عونا لزوجة أبيك، مؤدبة معها، والنفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، وبذلك تكسبين أما جديدة.
نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته أن يزيدك هدى وصلاحا.