السؤال
السلام عليكم
أنا شاب أعزب وبعمر 27 سنة، والدي متوفى منذ كان عمري 3 سنوات، متعلم وعندي وظيفة، مشكلتي الأساسية تكون في المشاكل العائلية مع والدتي وأخي.
خلال الفترة الماضية دخلت في كثير من الخلافات مع والدتي خاصة، وكان يصدر الكثير من الإساءات مني تجاهها، لكن -والله العظيم- بدون أي قصد، حيث أنني رجل كثير العصبية وسريع الاستفزاز، هذا طبعي وأفقد السيطرة على طبعي.
والله تعالى هكذا خلقني ولا أعتراض على ذلك، لكن مباشرة بعد أن أهدأ دائما أقبل أقدام والدتي، والله إني لا أقصد لها الإساءة، لكن الله خلقني بطبيعة عصبية.
علما أن طبع والدتي هكذا أيضا، لكن منذ أيام وبعد أن درست عن كلام الله اتجاه الأم قررت الالتزام بكلام الله تعالى، وأحاول يوميا تجنب العصبية والإساءة، وأقوم بطلب الرضا منها.
سؤالي: هل أعتبر عاقا لوالدتي؟ وكيف أطلب الرحمة من الله تعالى؟ وماذا أفعل؟
سؤالي الآخر: لدي حلم، ورغبة كبيرة في السفر لإحدى الدول الأجنبية، لإكمال دراستي العليا، علما أنني أستطيع المحافظة على وظيفتي الحالية لحين العودة، لكن المشكلة الوالدة تعارض ذلك، وأيضا الحسرة ستبقى موجودة في قلبي، لأنني حرمت.
أصبحت كثير التفكير قليل التركيز، لا أسطيع اتخاذ القرار المناسب، وأخاف إن سافرت أن يحصل شيء لوالدتي، رغم أنه يسكن معها أخي وأختي في نفس المنزل.
ماذا أفعل؟ والله إنها رغبتي وطموحي وحلمي، لكن بنفس الوقت أخاف أن يحصل شيء للوالدة في غيابي، وأتحمل عذابها طول حياتي.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ صالح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك – ولدنا الحبيب – في استشارات إسلام ويب، ونشكر لك تواصلك معنا، وقد أصبت – أيها الحبيب – حين قررت التوبة والندم والإقلاع عما كان من معاملاتك السيئة لأمك، فحق الوالدين عظيم، والأم أعظم حقا، وقد جعل الله تعالى حق الوالدين بعد حقه في آيات عديدة من القرآن الكريم، فقال جل شأنه: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}، وهكذا في مواضع كثيرة في القرآن تجد هذه الوصية.
ليس مبررا ما تفعله من تجاوزات مع أمك وإن كان تحت تأثير الغضب، فإنك مأمور بأن تتجنب الأسباب التي تؤدي بك إلى الغضب وسوء المعاملة لأمك، وقد ثبت في صحيح البخاري أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلب منه الوصية، قال: أوصني يا رسول الله، قال: (لا تغضب) ((كررها له ثلاث مرات))، والمقصود بقوله: (لا تغضب) أمران:
الأمر الأول: أي لا تأخذ بالأسباب التي تؤدي بك إلى الغضب.
والأمر الثاني: (لا تغضب) أي لا تترك الغضب يتصرف فيك كيف يشاء، بل عليك أن تضبط نفسك وتتحكم في تصرفاتك وتستعين بالله تعالى وبالأسباب التي تدفع عنك الغضب، ومن ذلك: الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم، والوضوء، والصلاة، وتغيير هيئتك أثناء الغضب.
كل هذه أسباب تعينك على تخفيف الغضب والتخلص منه.
لذا نقول ثانية: أصبت حين علمت بأنه عليك أن تتوب إلى الله تعالى من هذه التصرفات مع أمك، وعقوق الوالدة أو الوالدين إذا حصل فإنه ذنب يغفره الله تعالى بالتوبة، فإذا تبت إلى الله تعالى بأن ندمت على ما حصل منك في الماضي، وتركت هذه العادة، وعزمت على ألا ترجع إلى عقوق أمك في المستقبل، إذا فعلت هذا وسامحتك الوالدة عما مضى من حقها فإن الله تعالى يتوب عليك، ويمحو ذنبك، وتكون كأن لم تفعل هذا الذنب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).
بادر إلى هذه التوبة، واحرص على نيل رضا أمك، ففي رضاها سعادة الدنيا والآخرة، فالجنة عند أقدام الأمهات، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فاحفظ وإن شئت فضيع).
أما عن السؤال الثاني، وهو السفر إلى الخارج للدراسة: فحاول أن تقنع أمك لترضى بذلك، هذا إذا توفرت فيك الشروط المطلوبة للسفر إلى بلاد الكفر، والفسوق والمعاصي غير خاف على أحد ما في تلك البلاد من الشرور والمساوئ، وإن كان فيها تحصيل بعض العلوم النافعة، ولكن الناس الذين يسافرون إلى تلك البلاد تختلف أحوالهم.
الإنسان المسلم الذي يعلم من نفسه القدرة على حفظ نفسه من الوقوع في الشهوات المحرمة أو الشبهات المضللة، ويستطيع أن يقيم دينه، يجوز له أن يسافر إليها، فإذا توفرت فيك هذه الشروط ورضيت أمك فسافر، وإن لم تتوفر هذه الشروط فلا يجوز لك أن تسافر.
أما إذا توفرت فيك هذه الشروط ولم ترض أمك؛ فالحكم الشرعي أنه يجوز لك أن تسافر، وليس من العقوق لها في هذه الحالة أن تسافر ما دامت تجد من يقوم بشأنها ويرعاها ويحفظها، ويقوم بخدمتها، وهذا – كما ذكرت – متوفر، لكن مع أنه يجوز لا ننصحك به، فالأفضل أن تسترضي قلب أمك، وبإمكانك أن تصل إلى ما تريد من الدراسات العليا في بلدك، ولعل في ذلك خيرا كثيرا لك.
نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.