السؤال
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
مشكلتي تكمن في إعجابي الكبير بصوتي في تجويد القرآن، في السابق كنت أقرأ القرآن في المسجد فكان كل من يسمع صوتي يعجب به وينبهر، وبانبهار الآخرين بي يزيد انبهاري أنا أيضا، فتغيرت نيتي وأصبحت أحب أن يسمع الآخرون صوتي، وأصبحت أذهب للمسجد حبا في ذلك، ولكن في داخلي كنت حزينة؛ لأني لم أعد أذهب للمسجد حبا في الله، بل أذهب لأبهر الآخرين، ولأجل هذا توقفت عن الذهاب.
وبعد سنوات رغبت في حفظ سورة البقرة لله ليس لشيء آخر، فبدأت أحفظها وحدي، ثم وجدت إعلانا عن تحفيظها في مقرأة إلكترونية، فانضممت إليها، ونفس الأمر حدث لي، أعجب الآخرون بصوتي وتغيرت نيتي في قراءة القرآن، فبدأت مزهوة بصوتي ولم يكن ذلك لله، ونفس الأمر في قلبي حزن بسبب ذلك، فانسحبت من المقرأة، ومهما حاولوا لم أعد، وواصلت حفظها وحدي، أردت أن يكون حفظها خالصا لله.
المشكلة الآن كلما راجعتها أنبهر بصوتي خاصة وأنه يزداد جمالا كل مرة، وهذه كلها نعمة من الله لا أنسبها لنفسي، ولكني نادمة لأني انسحبت من المقرأة، وأريد أن أعود، المشكلة أني أريد أن أعود لأبهرهم مرة أخرى وليس لله في ذلك شيء، فأصبحت كلما أقرأ القرآن أفكر في انبهارهم وأرغب في العودة.
كيف أتخلص من هذا الأمر، فأنا أبتعد عن كل فعل أحس أنه ليس لله، ولكن بيني وبين نفسي لست سعيدة، أريدهم أن يسمعوني وحتى وإن سمعوني وشكروني لست سعيدة، لأنه ليس في الأمر شيء لله، فما الحل من فضلكم؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زهرة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب. نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يرزقنا وإياك الإخلاص، وأن يجعل أعمالنا لوجهه ولا شيء فيها لغيره.
الإخلاص – أيتها الأخت الكريمة – ثقيل على النفس وتحقيقه يحتاج إلى مجاهدة وصبر، فليس شيء أثقل على النفس من الإخلاص، كما قال السلف، لأن المخلص ينازع نفسه حظوظها وشهواتها، وشهوات النفس وآفاتها كثيرة الالتواءات، والشيطان يزخرفها ويزينها بكل ما يستطيعه من حيل، ولكن إذا علم الإنسان أنه لا يضر ولا ينفع إلا الله ولا يرفع ولا يخفض إلا الله، وأيقن بهذه الحقيقة؛ فإنه بذلك يسهل عليه أن يخلص عمله لله تبارك وتعالى، فالناس لا يملكون للإنسان نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، لا يملكون إسعاده ولا شقاوته، كل ذلك بيد الله تعالى.
وقد جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال له: مدحي لزين وذمي لشين. فقال: ((ذاك هو الله))، فالله تعالى هو الذي إذا رضي عن العبد سعد هذا العبد سعادة لا شقاوة بعدها، وإذا غضب الله على العبد شقي هذا العبد وتعس.
هذه الحقائق – أيتها الأخت الكريمة – إذا كانت على بالك ووضعتها دوما بين عينيك فإنها ستبعثك على الإخلاص لله تعالى وحده.
تذكري عواقب الرياء، وأن العمل وإن كان كثيرا إذا دخله الرياء فإنه يصير سببا لعذاب الإنسان ووبالا عليه، وقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة هم الذين كانوا يقصدون بأعمالهم غير الله، أحدهم أنفق أموالا كثيرة بأنواع الخيرات، ولكن ليقال أنه غني، والآخر قرأ القرآن وتعلم العلم لكن ليقال عالم، والثالث قاتل الكفار حتى قتل، ولكن ليقال شجاع، فهؤلاء أول من تسعر بهم النار يوم القيامة.
وفي المقابل تذكري جزاء المخلصين لله تعالى، فإن أعمالا يسيرة رفعتهم أعلى الدرجات في الجنة، فرجل يسير في الطريق أزاح شوكة من الطريق قال: (لا تؤذي المسلمين)، فشكر الله له وأدخله الجنة، وامرأة سقت الكلب خفا من ماء فشكر الله لها وأدخلها الجنة.
وهكذا يتبين لك الفارق الكبير بين النهايتين والعاقبتين، هذه الحقائق إذا تذكرتها سهلت عليك إخلاص عملك لله تعالى.
فإذا أردت تحقيق الإخلاص فحاولي أن يكون عملك سرا بينك وبين الله، وأكثري من الدعاء صباحا ومساء: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)، واعلمي بأن هذه النعم من الله تعالى، ليس لك فيها مدخل ولا كسب، فأكثري من شكر الله تعالى على هذه النعمة، باستعمالها على الوجه الذي يرضيه سبحانه وتعالى، وأزيلي عن نفسك الغرور بالتذكير بهذا، بأنه ليس لك فيها كسب وعمل، وأنها من الله تعالى وحده.
نسأل الله أن يقيك شرور نفسك.