السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ صغري يلاحقني شعور بالغباء، ولا أدري إن كان هذا بحق أم لا، لكن طالما أناس كثيرون يرون ذلك فأعتقد أنه حقيقة.
كانت أمي في طفولتي هي وأبي وإخوتي دون قصد يسخرون من كلامي وفهمي وتصرفاتي، ويتهمونني بالغباء، ومدرسي بالمدرسة الابتدائية كان كثير التلميح بذلك "أنني مجتهدة لكن لست ذكية"، وأنا أقول: إن ذلك لأنني كنت أصغر من زملائي بالمدرسة بعام كامل، لذلك كان عقلهم أنضج.
هذا الشعور يسبب لي الخوف من سؤال الآخرين والاستفسار منهم عن أي شيء، وعندما يطلب مني طلب أنفذه بخوف من أن أتصرف تصرفا غبيا أمام الحاضرين.
أنا أعترف بكوني قليلة التركيز لكثرة سرحاني وطول بالي، ولا أركز وأدقق في كثير من الكلمات الهامة، فيفوتني الكثير، لكن هل لذلك علاقة؟
هل فعلا هناك شخص غبي؟ ولو كانت الإجابة بنعم فكيف أحسن من قدراتي العقلية وأصير أذكى؟ كيف ولو كنت فعلا غبية أن أتخلص من الشعور بالخوف من السؤال، وأصير أكثر ثقة بنفسي؟ وكيف أتعامل لو أن أحدهم أشعرني بالغباء أو اتهمني به؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شهد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكر لك ثقتك بنا وتواصلك معنا.
ابنتي العزيزة، خلق الله الناس بفروقات كثيرة، سواء في الشكل والمظهر الخارجي أو داخليا، من حيث نمط الشخصية وطريقة التفكير والقدرة على التعامل مع الظروف التي تطرأ على حياته، بجانب هذه الفروق هناك ظروف محيطة قد تؤثر على طريقة تفكيرنا، فالبيئة والأسرة والمجتمع لهم أثر بالغ في صقل شخصية الإنسان.
عزيزتي، أعجبني جدا قولك: إنك مجتهدة، وهذا يدل على أنك لست من النوع المستسلم بل أنك من النوع الذي يسعى لتحسين نفسه وقدراته، حتى وإن كان هناك إحباطات ممن هم حولك، وهذا بحد ذاته يدل على ذكاء انفعالي، أي أنك تتفاعلين بايجابية مع المتغيرات المحيطة بك.
بالتأكيد أيضا أن صغر سنك عند بدء الدراسة ساهم بشكل كبير في وجود عثرات في طريق الدراسة، فمن وضع المناهج الدراسية وضعها بحيث تتوافق مع المرحلة العمرية، حيث أنها مرتبطة بمستوى تفكير الطفل في هذا العمر، فعند دخول الطفل للدراسة في عمر مبكرة جدا، وتطبيق تلك المناهج المصممة لمن هم في عمر أكبر حتما سيحدث خللا ما في الاستيعاب والتفكير، وسيلاحظ المعلم تفاوتا في قدرات الطلاب، وبالتالي بعض المعلمين يجهلون طرق التعامل مع هؤلاء الطلاب، فيترك ذلك أثرا بالغا في نفسية الطالب، كما حدث معك تماما.
فيما يخص مستوى الذكاء فلا يوجد ما يسمى غباء، ولكن قد تكون قدرات ذهنية محدودة (ضعيفة) حسب مقاييس الذكاء العالمية، حيث يتم خضوع الشخص لعدة اختبارات متعددة المهارات، لاكتشاف نقاط القوة والضعف، وبالتالي يتم عمل خطة مع المختص لتطوير المهارات التي يوجد فيها قصور، لربما كان القصور في جانب العمليات الحسابية والأرقام، ولربما كان في التركيز، ولربما في الجانب اللغوي الاستقبالي أو التعبيري، ويتم متابعة الخطة وملاحظة النتائج فيما بعد.
للأسرة دور كبير في تخطي الأزمات، فيجب أن يتفهموا حالتك، فاشرحي لهم أنك تحاولين التطوير من نفسك وقدراتك، وأنهم يجب أن يتوقفوا عن أي كلمات سلبية، قد تجرحك وتحبط من عزيمتك.
اسعي لتطوير قدراتك الذهنية، وذلك بحل الألغاز أو ألعاب تحفيز الذاكرة، وحل المسائل الرياضية التي تستدعي التفكير العميق نوعا ما.
اهتمي بغذائك الصحي، واستشيري الطبيب فيما يخص عمل التحاليل الطبية اللازمة لقياس مستوى الفيتامينات في الدم، حيث أن نقص بعض الفيتامينات يؤدي إلى الضعف العام، وبالتالي ضعف التركيز.
المبادرة الفعالة مهمة جدا، فكوني مبادرة في الحديث عن درايتك التامة بموضوع قد طرح أمامك، ويستدعي منك المداخلة، ولا تخجلي ولا تتردي.
واظبي على تمارين رياضية خفيفة، حتى وإن كان المشي، فالرياضة تساهم في تحسين الحالة المزاجية للإنسان، وهذا قد يسهم في تحسين مستوى التفكير والقدرة على حل الأمور في حياتنا.
العدو الأول للذكاء هو الروتين، فالروتين يهدم ويحبط الهمة والعزيمة، ويجعل الحياة بلا رونق، فاجعلي لنفسك جدولا يوميا منوعا، يجلب لك المتعة، والتغيير المتنوع من حيث الاهتمام بالذات أولا، الأسرة ثانيا، المجتمع ثالثا، وأقصد بالمجتمع المساهمة مثلا في أعمال الخير، ومساعدة المحتاجين، وهذا الأمر قد يجلب لك راحة لا مثيل لها، لأنها مرضاة لله سبحانه وتعالى.
تقبلي نفسك وأحبيها، وطوري من ذاتك -يا عزيزتي- فنفسك تستحق الأفضل دائما وأبدا.
بارك الله فيك ووفقك لما يحبه ويرضاه.