السؤال
السلام عليكم.
أعاني من الأمراض والعقد النفسية المستمرة والتي يصعب مقاومتها منذ الصغر، والتعايش معها جحيم وإهانة لا تطاق، فهي تفقدني المهارات الأساسية في الحياة، كالتواصل مع الآخرين، فعلاقتي مع من حولي سطحية جدا، حيث لا توجد اهتمامات مشتركة، وربما خجلي الزائد الذي يفقدني احترامهم.
لكثرة العقد نسيت كيف أمشي في الشارع، حيث تأتيني وساوس بأن هناك خلل في ثيابي، أو لست جيدا، وهذا لا يمكن تجاهله مهما حاولت، فتنخفض ثقتي إلى الصفر، ويتملكني اليأس والتوتر الشديد، وأتصرف بطريقة خاطئة تجلب لي المنغصات يوميا، وهي متجددة، ما أن تختفي عقدة حتى تظهر أخرى في نفس اليوم، والتخلص منها مستحيل مهما حاولت.
إن 80% مما أعانيه يرتبط بشكلي الخارجي، لست قبيحا، لكني نحيف قليلا والطول يبرزها أكثر، فعندما أرسم صورة لنفسي في داخلي، أحس بالألم، ويتملكني الشعور بالاكتئاب والدونية، ويستمر لمدة، وأتمكن بعدها من الرجوع إلى حالتي العادية وهكذا، علما أني لا أصلي، رغم إيماني بوجوبها وإدراكي لعقوبة تاركها، وأن بعض العلماء ذهبوا إلى كفر تاركها، لكني لا أستطيع الالتزام بها بسبب أمراض القلوب المعكرة لصفو الحياة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ جواد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والشفاء.
أولا: الذي تعاني منه ليس بأمراض، هذه ظواهر وسمات نفسية، وهذه تعتبر النقطة الأولى في العلاج، العلاج هو في تصحيح المفاهيم، أنت لست مريضا، لكنك تعاني من بعض الظواهر النفسية التي نشاهدها كثيرا في مثل عمرك، الأشياء التي تعاني منها أو تحدثت عنها في هذا الوقت لأنك أصبحت أكثر إدراكا لها، هي أصلا موجودة، وبما أنك أصبحت أكثر إدراكا لها فيمكن أن تغير مسارك لما هو أفضل.
ثانيا: تعابير مثل (التي يصعب مقاومتها والتعايش معها جحيم وإهانة لا تطاق) هذه جملة فظة جدا، وحقيقة: مخيفة جدا بالنسبة لي كمختص في علوم النفس والسلوك، لماذا هي فظة ولماذا هي مخيفة؟ أنت ألبست نفسك ثوبا قبيحا جدا، استسلمت لهذا الفكر الفظيع، الفكر السيء، لا، أنت أفضل من هذا ومما وصفت به نفسك، ومهما كانت الصعوبات التربوية في مرحلة الطفولة فلا يمكن أن تصل لهذه المرحلة التي عبرت عنها بهذا التعبير، وهناك من تربوا وعاشوا في الملاجئ واكتووا بنار اليتم والتشريد؛ ولكنهم بحمد الله تعالى استفاقوا ونجحوا ووقفوا على أرجلهم، وقدموا الكثير من الخير لأنفسهم ولغيرهم فيما يأتي من أيام.
فيا أيها الفاضل الكريم: يجب أن تصحح مفاهيمك، هذه مشكلتك الأساسية.
والأمر الآخر: أن هذه الظواهر التي تشتكي منها تعالج من خلال بناء مفهوم القدرة على التغيير، والتغيير يأتي منك أنت، والله تعالى استودع فينا الطاقات التي من خلالها نتغير، وأكد على أن التغيير يأتي منا، وبين أنه إن وجد منا إرادة تغيير فإنه يكون عونا لنا على أن نغير من أنفسنا، قال تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، وقال: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها}، ومعنى ذلك أن المسؤولية علينا نحن، وبإرادتنا نحن بعد إرادة الله ومشيئته سبحانه، حيث قال: {وما تشآءن إلا أن يشاء الله رب العالمين}.
مثلا أنت ذكرت أنك لا تصلي، ولكنك مؤمن بوجوبها، ما هذا التناقض أيها الفاضل الكريم؟! تعلم ولا تعمل؟ {ياأيها آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون}، لن يصلي أحد نيابة عنك، لن يقوم أحد بما هو واجب عليك، أنت تعرف عظمة وأهمية الصلاة، وتعلم أنها فرض وواجب، {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}، وتعلم {إنها لكبيرة إلا على الخاشعين}، وتعلم أن الله تعالى قال في الذين يعلمون ولا يعملون: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب}، إذا كيف لك ألا تصلي؟ الصلاة من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
أمر الصلاة أمر عظيم، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمل الإنسان، وإن فسدت فسد سائر عمل الإنسان، فسدت يعني بطلت، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.
والأمر في غاية البساطة، مثلا الإنسان حين يحتاج أن يقضي حاجته لا بد أن يذهب إلى دورة المياه، وإذا أحس بالنعاس لا بد أن يذهب للفراش لينام، وإذا أحس بالجوع لا بد أن يذهب ليأكل، هكذا الحياة، وكما أن أجسادنا تحتاج للطعام وللنوم – وغير ذلك - فكذلك النفس تحتاج لأن تتغذى بالصلاة وبالذكر وبالدعاء وتلاوة القرآن، وكل شيء إذا أعطيناه أهمية واهتممنا به استطعنا أن نقوم به.
فأنا أرجوك أن تستفيد من طاقاتك الطيبة والجميلة والتي حباك الله تعالى بها، وأنت الحمد لله الآن تعديت إلى مرحلة اليفاعة، وداخل على مرحلة الشباب، وأنا متأكد جدا أنه سوف يأتيك المزيد من الإدراك الإيجابي، فقط أنت مطالب بأن تعلم ما عليك من واجبات، وأننا لم نخلق هملا، وأن الله ما خلقنا إلا لأمر عظيم، وهو: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، وتعلم أنك مطالب بأن تنظم وقتك، وأن تحرص في عباداتك، وأن تحرص في تنظيم علاقاتك الاجتماعية، تكون علاقات راشدة مع الصالحين من الشباب، أن تكون بارا بوالديك، وأن تجتهد في دراستك، وأن تكون لك أهداف: أهداف آنية – أي وقتية – وأهداف متوسطة المدى، تحققها في خلال ستة أشهر، وأهداف بعيدة المدى.
هذه هي الحياة، بغض النظر عما تشعر به، إذا قمت بترتيب حياتك على النسق الذي ذكرته لك سوف تحس بصحة إيجابية ممتازة جدا.
أراك قد ركزت كثيرا على موضوع الشكل الخارجي وانشغالك بذلك، وأنا أقول لك أنك يجب أن تغير قناعاتك السلبية هذ، أولا، الإنسان لا يحكم عليه بشكله الخارجي، ولا يحكم عليه بلونه ولا بطوله، ولا بحجمه، الحكم الأساسي هو حسب السلوك، الإنسان الذي يتحلى بالأخلاق الحميدة والخصال الجميلة ويكون ملتزما بدينه لا شك أنه سوف يكون ذا شأن في نظر الآخرين، وحتى في نظر نفسه سوف تأتيه الثقة بنفسه، أما الإنسان الذي يقوده فكره في التركيز على موضوع الشكل والطول وغيره؛ هذا أمر حقيقة فيه نقص كثير.
فأرجو أن تحرر نفسك من هذا الفكر السلبي، لأنه لا يفيدك أبدا، واعلم أن الله تعالى قد خلقك في أحسن تقويم، ما خلقك الله تعالى عليه هو الذي يناسبك، نحافة، سمنة، أي شيء، يجب أن تعرف أن الدينامائيات الداخلية لجسدك، هذه الخلايا كيف تعمل، وكيف تتشابك، وكيف تلتقي، هذا الإبداع الإلهي العظيم، كل إنسان خلق بما يناسبه، فلا تستنكر شكلك أبدا، وارتق بفكرك كما ذكرت لك، وتمسك بالأخلاق الحميدة والطباع الجميلة، واكتساب العلم والمعارف. هذه هي التي تجملك في نظرك وفي نظر الآخرين.
الشعور بالدونية أيضا شعور سخيف، الإنسان لا يضخم نفسه ولا يعطيها أكثر من حقها، ولا يقلل من شأنها أبدا، فلا تحكم على نفسك بمشاعرك وأفكارك السلبية، احكم على نفسك بأفعالك وبإنجازاتك، وهذا هو الذي يجعلك تنظر إلى نفسك نظرة سليمة.
تكلمنا في موضوع الصلاة، الصلاة هي عماد الدين، وهي أول ما يحاسب عليه الإنسان يوم القيامة، ومن لا يصلي أنا أرى أنه لا فائدة فيه حقيقة، لا أريد أن أكون قاسيا على الناس، لكن هذا هو مفهومي. فيا أيها الفاضل الكريم: أقدم على الصلاة، أقدم على الطمأنينة، أقدم على الراحة، كن خاشعا في صلاتك، وتذكر قوله صلى الله عليه وسلم لبلال: ((أرحنا بها يا بلال))، لا تنس هذه أبدا، وأنا أرى فيك خيرا كثيرا، لذا وددت أن أركز على هذه النقاط الهامة، وافتح نفسك وصدرك ووجدانك للحياة، تحس بالسعادة، و-إن شاء الله- أراك موفقا وشخصا ناجحا في حياتك، ولا تنس أن أعظم أسلحة يتزود بها الإنسان في حياته هما الدين والعلم، لأنه لا أحد يستطيع أن ينزعهما منك أبدا.
وللفائدة راجع هذه الروابط: (55265 - 2133618 - 24251 - 15161 - 226203).
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.