السؤال
السلام عليكم.
أصيب ابني بالحمى منذ ٧ سنوات، وكان عمره ٥ شهور، سببها الطبي سحايا فيروسي، وتعالج وقتها.
أما السبب النفسي فهي عين أصابته من امرأة أحبته حبا شديدا، وكانت تأتي يوميا لحمله، وفي يوم أخذته بالغصب منها، وبخمس دقائق أصابته الحمى الشديدة، واستفرغ الحليب، وتم تشخيصه طبيا بالسحايا، وبعدها أصبح طبيعيا لعمر ٩ شهور، تغير كثيرا، وأصبح منعزلا، ولا يستطيع النظر في وجهي، يكرهني بالرغم من حبي له أكثر من أولادي، ويحب أباه فقط.
تم تشخيصها لاحقا بطيف التوحد، وزرنا أكثر من طبيب، بعدها لمدة ٦ سنوات، والكل لا يعرف ما هي شكواه، ولا السبب الطبي لذلك، إذ أن أعراض التوحد أصبحت غير موجودة.
ولكن أشعر أنه هائم على وجهه يضحك كثيرا، وينظر للحائط والسقف، ويتكلم بلغه لا نفهمها، ويشعر بنا إذا تكلمنا عنه، ولكنه يهملنا، ويفزع في الليل، ولا يستطيع النوم لوحده، ولم يتكلم إلا بسن ٤ على الرغم من عدم وجود أسباب طبية.
مؤخرا قالو لي بأنه مصاب بالمس، وأنني مصابة بذلك عندما كنت بنتا، ولا أعلم صحة ذلك.
أحاول المداومة على الصلاة، وأفشل، وأصاب بصداع مؤلم كالشقيقة، أحيانا يذهب بالعلاج، وأحيان لا، ويستمر بعض الأحيان من الليل لليوم التالي.
أكره اقتراب زوجي مني بالرغم من محبته لي، ومحبتي له كإنسان، وليس زوج، ولطفه معي، وكنت أحلم بالكوابيس المزعجة، وأتخيل وجود عقرب سوداء تمشي بجانبي، وأتخيل خيالات غير موجودة، ولكن حياتي طبيعية، وأموري ميسرة من ناحية وظيفتي والحالة المادية، والأولاد والزوج.
أصبحت أقرأ الرقية الشرعية، وهناك ألم بمنطقة الظهر والكتف واليد اليسرى، أرجو التفسير؟ وهل أنا وابني مصابين بمس؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ غدير حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية ولابنك.
بالنسبة لموضوع السحر والعين والمس وتأثيره: أنا أؤمن بوجود هذه الأشياء تماما، وأخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يكثر في زماننا هذا، لكن أختلف حقيقة مع بعض الناس في أنهم يبالغون في تفسير أعراضهم ويعتقدون أن كل ما يصيبهم هو ناتج عن العين أو السحر أو المس، وهذه إشكالية كبيرة جدا.
والإنسان حتى إن رأى أنه مصاب بعين أو بسحر أو بمس يعرف أن مبطلات ذلك موجودة، وأن الله سيبطله، والعلم بأن الله خير حافظ، ولا بأس ولا حرج في أن يرقي الإنسان نفسه بالرقية الشرعية، وأيضا التوكل على الله، والعلم والاعتقاد بأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وأنه ما أصابنا لم يكن ليخطئنا، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا، والقناعة التامة أن هذه الأشياء قد انتهت. هذا مهم جدا.
أنا تفسيري لحالة ابنك – أيتها الفاضلة الكريمة – أنه قد أصيب بالتهاب خلايا السحايا الفيروسية، وهذا قد ينتج عنه تبعات وآثار تظل ملازمة للطفل، حتى وإن تحسن بمرور الوقت، لكن قطعا هذه العلة الدماغية ليست بعلة سهلة على الكثير من الأطفال. فالتغيرات التي تحدث قد تكون تغيرات دماغية، تعيق النواحي التطورية عند الطفل، أو تأتي بظهور سلوكيات غير طبيعية، أو تقلل من مقدرات الطفل المعرفية، أو تجعل الطفل يدخل في نوع من الهلاوس التي لا تفهم. وهذا الابن قد يكون أصيب بكل هذا نتيجة لالتهاب خلايا السحايا.
وحقيقة قضية أنه يعاني من طيف التوحد: هذا يجب أن يؤخذ في الاعتبار، والحمد لله يوجد لديكم خبراء متميزين في تشخيص علة التوحد، أو على الأقل في حالة هذا الابن؛ لأن هنالك سبب عضوي أو ما يشبه التوحد، ومن الواضح أن المقدرات المعرفية لهذا الابن – حفظه الله – متأخرة.
فأرى أن هذا الطفل يجب أن يكون تحت الرعاية الطبية من جانب طبيب الأطفال المختص في أمراض الأعصاب، زائد الطبيب النفسي المختص في أمراض الأطفال. أختي الكريمة: يجب أن يعطى الطفل هذه الفرصة العلاجية بواسطة المختصين.
وبالنسبة لموضوع السحر الذي قد تكون أوقعته تلك المرأة عليه: أنا أعتقد أنه قد بطل وانتهى، لأن الله رؤوف بعباده، وقد قال: {وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله}، فكل شيء لا يكون إلا بإذن الله، والسحرة والمشعوذين لن يستطيعوا عمل شيء إلا بإذن الله، فلا تعيشي تحت هذا التأثير الإيحائي لموضوع العين والسحر، توجد مبالغات كثيرة جدا حول هذا الموضوع.
هذه نصيحتي لك.
أما بالنسبة لك: فأنا أرى أنه لديك بوادر قلق، وربما شيء من عسر المزاج البسيط، وأعراضك أعراض نفسوجسدية، خاصة الصداع.
وموضوع كره اقترابك من زوجك: أعتقد أنه من المزاج الاكتئابي، ولا أريدك أبدا أن تذهبي مرة أخرى للتفسيرات الروحية التي أعترف بوجودها لكن أختلف مع الناس في الطريقة التي يعتقدونها، نعم نعتقد بوجودها، ولكنا لا نقر بها كأمر مسلم به، لأنها من الغيبيات، والغيب لا يعلمه إلا الله، ولا يجوز لأحد أن يعلم عنها عن طريق السحرة والمشعوذين، ولا عن طريق المنجمين، ولا الاستعانة بالجن والشياطين، وفي نفس الوقت نأخذ بالأسباب والتداوي، ومن التداوي في مثل هذه الأمور: الرقية الشرعية وغير ذلك من الأسباب الشرعية.
فاذهبي إلى الطبيب النفسي -أختي الفاضلة الكريمة-، أنت محتاجة أن تتناولي أحد الأدوية البسيطة المضادة لقلق المخاوف، والمحسنة للمزاج، عقار (سيرترالين) سيكون ممتازا جدا. وانظري لحياتك بإيجابية، بتفاؤل، نظمي وقتك، مارسي رياضة مثل رياضة المشي مثلا، كوني إنسان فعال في تواصلك الاجتماعي، احرصي على صلواتك في وقتها، وأذكار الصباح والمساء، وتلاوة القرآن، خاصة الورد اليومي.
أيتها الفاضلة الكريمة: الله تعالى حباك بأشياء طيبة وجميلة، وهذه يجب أن تكون دافعا لك للمزيد من التحسن، والمزيد من الارتقاء النفسي والجسدي والمعنوي والاجتماعي.
كما ذكرت لك عقار سيرترالين سيكون دواء رائعا جدا بالنسبة لك، وذهابك إلى الطبيب النفسي أيضا سيكون داعما لك، وإن لم تتمكني من الذهاب إلى الطبيب فهذا الدواء دواء بسيط، ويصرف دون وصفة طبية في كثير من الدول. الجرعة في حالتك هي أن تبدئي بنصف حبة - أي خمسة وعشرين مليجراما، لأن الحبة تحتوي على خمسين مليجراما - تتناولي هذه الجرعة الأولية يوميا لمدة عشرة أيام، ثم اجعلي الجرعة حبة واحدة يوميا لمدة شهر، ثم اجعليها حبتين يوميا - أي مائة مليجرام - وهذه جرعة علاجية وسطية ممتازة جدا، استمري عليها لمدة شهرين، ثم خفضي الجرعة إلى حبة واحدة يوميا لمدة شهرين، ثم نصف حبة يوميا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم تتوقفي عن تناول الدواء.
أنا أعتقد أن الدواء بالنسبة لك مهم جدا، لأن فائدته كبيرة، وسهل الاستعمال قطعا، وإن شاء الله تعالى يكون لك داعما في تحمل حالة ابنك، ويعطيك إن الله القوة والقدرة على أن تقدمي له كل ما يمكن.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.