ما حدود العلاقة مع أمي إذا صار الاقتراب مؤذيا؟

0 36

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

علاقتي مع أمي متوترة منذ طفولتي، لم أنعم بحنانها وعطفها، بل وزيادة على ذلك تعرضت من قبلها لأشكال من العنف الجسدي واللفظي بشكل خاص، حتى صار أذى كلماتها ينعكس على حياتي كلية، ومع الأسف كنت دائمة التطلع لأن ترضى عني يوما وتغير معاملتها لي، وكنت أحاول جاهدة بكل أسلوب لكي أصلح علاقتي بها لكن لم ينفع شيء, هي تهزأ من شكلي ومن أفكاري، بل حتى من سيري في طريق الالتزام!

تهينني، وتذكر عيوبي في الجلسات العائلية، وحتى مع الجيران بشكل دائم، ثم تهددني عند كل خلاف بأنها إن لم ترض عني هي فلن أرى الخير لكي أذعن، وأصمت دائما، لكن صمتي المتواصل وكبتي لحجم الأذى الذي تعرضت له من قبلها صار ينعكس سلبا على صحتي النفسية، وربما حتى العقلية، لم أعد أستطع إنجاز أي شيء حتى حفظي للقرآن توقفت عنه بسبب أزمات نفسية متكررة صارت تنتابني، ثم مؤخرا أصابتني حالة من الانهيار، فدخلت في صراخ وبكاء لم أستطع مقاومته؛ لأن الأمر تجاوز حدود صبري.

أرجو منكم أن ترشدوني شرعيا ونفسيا، ما العمل لكي لا أكون عاقة من ناحية ولكي أحافظ على صحتي النفسية والعقلية من جهة أخرى؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نرحب بك أجمل ترحيب.

بنيتي مريم: إن الله خلق الأم منبعا للرحمة، والحنان على أولادها، فبر الأم يعد من شكر الله تعالى، وقد نجد فروقا في أساليب معاملة الأمهات الإيجابية منها والسلبية من حيث الاهتمام بالأبناء من أم لأخرى، وهناك عوامل كثيرة قد تؤثر على ذلك؛ منها طريقة المعاملة الأسرية للأم من أهلها، أو طبيعة شخصيتها .. أو الظروف التي عاشتها مع الزوج.

واعلمي أن انتقاد والدتك لمظهرك وأفكارك ليس مقصودا، وإنما جاء نتيجة الخلافات، ويمكنك أن تعتبري كلامها "فشة خلق" ولا تأخذيه على محمل الجد، وأنا أعلم جيدا أن الفتاة كتلة من الأحاسيس والمشاعر، وتنجرح مشاعرها من نسمة هواء، فما بالك بكلمة؟ ولكن عليك أن تقنعي نفسك أن والدتك عند توجيه بعض الكلمات التي تزعجك هي لا تقصد الأذية لك مطلقا..

صحيح أننا لا نجد العلاقة بين الأم وابنتها دائما على ما يرام، وكثيرا ما نجد المنغصات والخلافات التي لا تخلو منها البيوت، وبالمقابل يجب علينا أن لا ننسى أن هذه الأم هي التي حملت وربت، وأرضعت وسهرت من أجلنا؛ لذلك علينا أن نتذكر أن الحياة قصيرة، وأصحابها راحلون، فلا تستسلمي لفكرة أنها تكرهك؛ فهي أكثر البشر خوفا عليك وحبا لك.

فالتمسي العذر لأمك، فالشرع أمرنا أن نلتمس العذر لمن حولنا، فما بالك بأقرب الأقارب وهي أمك؟! فلا تجعلي من سوء تعاملها وقسوتها مانعا لك عن البر، فقد جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل: "أي العمل أحب إلى الله قال: الصلاة على وقتها، قال ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله". رواه البخاري.

الابتلاء بهذه المعاملة من قبل والدتك ليس هينا، لكن الأجر عظيم، وبالنسبة إلى شعورك بأن أمك لا تحبك منذ طفولتك، ولم تكن تعتني بك كما يجب، ولم تلبي احتياجاتك الصحية والنفسية؛ اعلمي بنيتي أن الأم لا تكره أبناءها قط؛ هذا أمر مستحيل، وغدا ستصبحين أما وتدركين معنى هذا الحديث، لكنها ربما من الأمهات اللواتي لا يعبرن بشكل سليم عما يختلج صدورهن، أو عاشت في بيئة ترى هذا الأمر طبيعيا..

وسألت: " ما العمل لكي لا أكون عاقة ؟" أقول لك: إن كل ما عليك هو أن تتبعي هذه الخطوات، واجعلي قلبك يفيض حبا وحنانا واحتراما للأم التي ارتبط رضاها برضى الرحمن:-

* اجعلي البر مع أمك هدفك، واصبري على الخلاف مهما كان ومهما فعلت بك، وحاولي أن تجدي المبررات لها، أنت مثقفة ومدركة وواعية، وكل ما عليك هو أن تميزي أمك عند حديثك معها بالمزيد من الاحترام، ومهما اختلفتما في وجهات النظر؛ فلا ترفعي صوتك عليها، وتذكري قول الله جل وعلا: "وقل لهما قولا كريما".

* اجلسي معها جلسة مصارحة، وابدئي بالكلمة الطيبة وبالعبارات التي ترضيها عنك، وأخبريها أنك بحاجة إلى وجودها، واطلبي منها أن تسامحك على ما صدر منك.

* قومي بتقبيل يدها ورأسها كل يوم، وساعديها في شؤون المنزل، واصبري وصابري عليها مهما تلفظت من قول، أو فعلت أي شيء لم يعجبك، وتجنبي كل ما يسيء لأمك من رفع الصوت أو الجدال.

واصلي فيما أنت فيه من البر، واجتهدي في الإحسان إلى أمك وبعد ذلك لا يضر ما يحدث..

فأما بالنسبة لسؤالك: كيف تحافظين على صحتك النفسية، فأقول لك يا أميرتي ما يلي:-

* لا تغرقي نفسك في الأفكار السلبية والوهمية، ولا تدعي الحزن يسيطر عليك، بل استبدلي كل فكرة سلبية بفكرة إيجابية، فلو طرأت على خيالك فكرة الخوف والقلق، فتخيلي على الفور نفسك عروسا متوجة بالورود، والكل حولك يشعرون بالسعادة، وهكذا بنيتي لا تدعي منفذا للشيطان يسيطر على أفكارك بأحلام مظلمة.

* ثقفي نفسك واقرئي عن أهمية الثقة بالنفس، وشاركي في دورة لتأهل المقبلين على الزواج، وتعلمي ما لك وما عليك من واجبات وحقوق من كونك ابنة تجاه أهلها أو زوجة تجاه زوجها، فعندما نتعلم ونعلم ونرى الواقع كما هو، يصبح بمقدورنا رؤية الأمور بنظرة وردية جميلة، ونعيش الأحاسيس والمشاعر الجميلة التي تسعدنا لنتذوق طعم الحياة الحلوة والممتعة، ونحصل على ذلك فقط حين نفقه أنفسنا، ونفقه الحياة بالمكان والزمان، ونعيش الأمن، ونستشعر الأمان، فالحياة حلوة، ومرحلة الشباب أحلى وأجمل يا مريم.

* عبري عن رأيك وقولي: لا أريد عندما لا يناسبك الأمر، وقولي: نعم، وبجرأة عندما يكون الحق معك، فالإسلام بحاجة إلى فتيات قويات شامخات، ومعتزات بدينهن، وصاحبات قلب قوي عند حسم الأمور، فلا تكوني تلك الفتاة المترددة الحائرة التي تختبئ خلف خيالها وهي لم تخطئ، وكل ما يسيطر عليها هو الشعور بالخوف والقلق، والذي يزول عند ذكر الله عز وجل، فمن كان الله معه لا يخاف من شيء، فكوني أكثر ثقة في الله تبارك وتعالى أولا، ثم في نفسك، وهذا كل ما تحتاجينه.

* أنصحك بممارسة الرياضة بما تسمح لك الظروف، فهي تحسن المزاج، وتفرز بعض الهرمونات التي تزيل القلق والحزن، وتعلمي الاسترخاء والتأمل، وفكري في الطبيعة وما خلق الله لنا من بحار وجبال، واسترسلي بالأفكار الإيجابية المشرقة.

* الزمي الطاعات، وابتعدي عن مشتتات الحياة: من خوف وقلق، وأفكار من هنا أو هناك، وحافظي على تأدية الصلوات الخمس في أوقاتها، وشاركي في حلقة لحفظ القرآن، فإن من يحفظ القرآن ويتعلمه خير له من متاع الدنيا، وأكثري من الدعاء، واطلبي العون والسداد، واعلمي بنيتي أن الله أرحم بك من نفسك.

يقال: المشاركة في الأعمال التطوعية جميعها تجعل الإنسان يشعر بقيمة كبرى للحياة، وتجعله يشعر بأعلى درجات الرضا عن الذات، وجميعها تنعكس إيجابا على صحتنا الذهنية وقدراتنا العقلية، تماما مثلما تفعل الفاكهة والخضروات على تعزيز الصحة الجسدية.

أسعدك الله في الدارين، وفرج همك، وأزال خوفك، وبدلك خيرا وسعادة وفرحة تدوم، وزوجا صالحا يأخذ بيدك إلى حياة هادئة بعيدة عن القلق والخوف يا مريم.

مواد ذات صلة

الاستشارات