كيف أتخلص من الوسواس القهري؟

0 36

السؤال

السلام عليكم.

عمري 15 سنة، أعاني من وسواس قهري منذ سنتين ولم أجد له حلا، إنه يعيش بداخلي، وكلما أحاول فعل شيء بنية صافية أحس أني ارتكبت ذنبا، ولن يسامحني الله عليه، فأستغفر وأتذكر أن الله رحيم غفور.

صرت أعاني من وسواس الدين كثيرا، عندما أضحك أشك أني غير ملتزمة، وعندما ألعب أشعر بحدوث شر بسبب اللعب والضحك، عندما أشاهد على الإنترنت ما يتعلق بالدين أشعر أني مقصرة، لقد تعبت نفسيا، أتسائل: لماذا الله عز وجل فرض علينا كل هذه الصعوبات؟

أنا نادمة على قراءة ما يتعلق بهذه الأمور؛ لأني صرت أفكر مرارا وتكرارا، علما أني أصلي وأصوم، فلماذا أصبت بالوسواس؟ وكيف أتخلص منه؟ كيف تكون نيتي صافية؟ كيف أقتنع بالحجاب؟ أدعو لي بالهداية من فضلكم.

وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Jiji حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية.
وصفك دقيق جدا لحالتك، وبالفعل الفكر الوسواسي قد ينتاب الإنسان في مرحلتك العمرية، وأكثر الوساوس شيوعا هي الوساوس حول الدين، وأنا أؤكد لك أن هذا الوسواس -بحول الله وقوته- سوف يكون عارضا وليس دائما، يختفي -إن شاء الله بعد فترة ليست بالطويلة، التغيرات العمرية والفسيولوجية والهرمونية والنفسية التي تمرين بها تساعد في ظهور هذه الوساوس، ولكنها بالفعل هي عارضة و-إن شاء الله تعالى- وسوف تزول.

للتخلص من الوسواس: أولا منذ الوهلة الأولى للشعور ببدايات الفكرة يجب أن تغلقي عليها قائلة: (قف، قف، قف، أنت فكرة وسواسية قبيحة، أنا أتجاهلك، أنا أحتقرك...) وهكذا، إذا تكون هنالك مخاطبة مباشرة للوسواس، وتكرري كلمة (قف) عدة مرات، مع أهمية تجنب الحوار الوسواسي، لا تجيبي على الأسئلة التي يطرحها عليك الوسواس أبدا، تجاهليها، وحقريها، لأن الدخول في حوار وسواسي مع النفس يدعم الوسواس.

تمرين آخر مهم جدا، وهو (صرف الانتباه)، حين تنتابك هذه النوبة في بداياتها أيضا أدخلي فكرة مخالفة لها تماما، أي فكرة وسواسية يمكن أن تستبدل بأي فكرة في الحياة، فكرة جميلة، مثلا: بر الوالدين، تشغلين نفسك بهذا الموضوع وتفكرين حوله، وتقرئين شيئا من الآيات والأحاديث التي تحث على بر الوالدين. هنا تكونين قد صرفت انتباهك.

أو مثلا: تأخذين نفسا عميقا وبطيئا، وتتأملين في هذا التنفس، وكيف أن الأكسجين يدخل إلى الرئتين، وكيف يوزع على الجسم، وكيف يشبع الدم، وكيف ينقل لأعضاء الجسم الطاقات، هذا الإبداع الإلهي العظيم تتأملين فيه.

إذا هذه كلها طرق علاجية ممتازة إذا أخذت الموضوع حقيقة بتركيز وإصرار على التغيير، هنالك أيضا ما نسميه بالعلاجات التنفيرية، مثلا: اجلسي أمام طاولة خشبية، وكوني مسترخية، واستجلبي الفكرة الوسواسية في بداياتها، وقومي بالضرب بيدك على سطح الطاولة بقوة وشدة حتى تحسين بالألم، الهدف هو أن تربطي هذا الألم ببدايات الفكرة الوسواسية، تكررين هذا التمرين عشرة إلى عشرين مرة في اليوم، هذا التمرين مهم جدا لأنه ينفر الوسواس، لأن العلماء وجدوا أن الأشياء المتناقضة لا تلتقي، إيقاع الألم على النفس مع الوسواس لا يلتقيان. هذا أيضا تمرين مهم جدا ومفيد جدا.

إذا هذه هي التمارين التي أريدك أن تقومي بها، وأمر آخر: حاولي أن تتجنبي الفراغ، اجتهدي في دراستك، أحسني إدارة وقتك، وهنالك أشياء طيبة وجميلة يمك أن تقومي بها في الحياة.

طبعا يوجد علاج دوائي، لكنك صغيرة في السن نسبيا، وسلامة الأدوية في مثل سنك قد لا تكون مضمونة مائة بالمائة إلا إذا كانت تحت إشراف طبي مباشر.

سوف يفيدك الشيخ الدكتور أحمد الفرجابي -حفظه الله- بكيفية صفاء النية وأهمية الحجاب.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
---------------------------------------------------------
انتهت إجابة: د. محمد عبدالعليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-،
وتليها إجابة: د. أحمد الفرجابي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
---------------------------------------------------------

مرحبا بك – ابنتنا الفاضلة – في موقعك، ونشكر لك الاهتمام، وقد أسعدنا حسن عرضك للسؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح الأحوال، وأن يحقق لك الطمأنينة والسعادة والآمال.

بداية نشكر لك هذا الحرص على الخير، ونهنئك على ما أنت عليه من صلاح وصلاة وصوم وطاعة لله تبارك وتعالى، ونبشرك بأن الوساوس أصلا لا تأتي إلا للمتميزين، والشيطان يريد أن يشوش عليك، ولكن نحمد الله الذي رد كيده إلى الوسوسة، فرفضك لهذه الوساوس؛ هذا الرفض الذي دفعك للكتابة إلينا هو مبشر بخير كثير، جعلت رسولنا يقول: ((الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة))، فكون الشيطان لا يملك إلا أن يوسوسك فتلك نعمة من نعم الله تبارك وتعالى الكبرى عليك.

قبل أن أجيب على الأسئلة أريد أن أهنئك أيضا بأنك ستستمعين إلى إجابة الدكتور محمد، وأيضا أريد أن أصحح لك المفاهيم، واعلمي أن شريعتنا لا تمنع الضحك، قال الصحابة: "ما رأينا أحدا أكثر تبسما من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال جرير بن عبد الله البجلي: "ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إلا تبسم في وجهي"، فلا تظني أن ديننا يدعو للعبوس، بل هذا الدين يجعل التبسم إذا كان في وجه صديقتك؛ فإن تبسمك في وجهها صدقة وقربة لله تبارك وتعالى، هذا الدين الجميل ينبغي أن يفهم بهذه الطريقة الرائعة كما فهمه سلف الأمة الكرام.

وإذا كنت قد رأيت من هو أفضل منك فاسعي أن تتأسي بهم، وتحرصي على الخير، واعلمي أن الله تبارك وتعالى يقبل الطاعات من عباده، ويقبل التوبة من عباده، فانظري في أمر دينك إلى من هم أحسن منك، وليكن التأسي بهم هو الهدف، وانظري في أمور دنياك إلى من هم أقل منك.

أما كيف تتخلصين من الوسواس فهذا ما ستسمعين فيه الإجابة من دكتورنا المختص، ونسأل الله أن يوفقه ويوفقك، ولكن من الناحية الشرعية أهم علاج لهذه الوساوس هي:
1- إهمالها.
2- : التأكد أن الله لا يسألنا عليها ولا يحاسبنا عليها، فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها، وإذا علم الإنسان أنها لا تضره من الناحية الشرعية فإن ذلك يدعوه إلى مزيد من الطمأنينة والراحة.
3- : عليك تقطعي تواتر هذه الوساوس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولينته).
4- : عليك أن تقولي (آمنت بالله)، ثم تتعوذي بالله من الشيطان، ثم كما قلنا تنتهي، يعني: تقطعي التواتر، تشتغلي بأمر آخر، تقطعي عزلتك لتذهبي إلى الأسرة، المهم: تغيري مكانك الذي تجلسين فيه، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد.

وكون النية صافية والاجتهاد على النية: هذا السؤال مهم جدا، ومجرد السؤال يدل على تميزك، لأن الإنسان ينبغي أن يجتهد في أن تكون النية صالحة وصادقة، وهذا باب نجاهد فيه، نجاهد من أجل أن نخلص في نياتنا، فإذا جاء الوسواس وقال: "أنت لست مخلصة" قولي: "أنا مخلصة"، والله تبارك وتعالى يقبل الطاعات سبحانه وتعالى رغم أنف عدونا الشيطان، الذي يريد أن يشوش علينا حتى في نيات أعمالنا.

وما يحدث لك لنيتك بعد العمل لا يضرك، فإن العمل إذا انتهى فصفحات قد طويت، والإنسان مطلوب منه أن يجاهد نيته قبل العمل، ليتأكد أن المنطلق لله، ثم يتابع نيته أثناء العمل ليتأكد أن النية الطيبة مستمرة، ثم يتابع نيته إذا انتهى من أثناء العمل هذا، وبعد العمل ليتأكد ألا يخرج عمل السر للعلانية، لكن في حالة الوساوس فإن ذلك يعفى، والإنسان عليه أن يجتهد جهده، وربنا يقبل منا القليل ويبارك فيه.

لكن أهنئك على السؤال، فكون الإنسان يقول: "أنا أريد أن تكون نيتي صافية" هذا يدل على أنه مستبصر، وعلى أنه واع وعلى أنه يعرف، لأن العبرة في الأعمال ليست بكثرتها، ولكن بصدق النية والإخلاص فيها، ثم بالمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم فيها.

مسألة الحجاب في هذا العمر من الأهمية بمكان، لأن الحجاب أصلا إنما فرض على الفتيات في ريعان الشباب، أما الكبيرة في السن، أما التي تساقطت أسنانها وأبيض شعرها، واحتودب ظهرها؛ فالله يقول: {والقواعد من النساء ليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن} .

نحن نريد أن نقول: مفهوم الشرع عكس ما عند الناس، (الآن أنت صغيرة، لماذا أستعجل؟) لا، الحجاب فرض للصغيرة الشابة الفتية الجميلة، هي التي ينبغي أن تستر نعمة الله تبارك وتعالى التي هي الجمال، بطاعتها لله الذي هو الحجاب، ودائما نبشر بناتنا المحجبات والمنقبات والمتسترات بأن هذا خير لهن في الدنيا وخير لهن في الآخرة. فحتى الشاب – أي شاب – مهما كان تقصيره عندما يتزوج سيبحث عن أمثالك، والدراسات تشير إلى أن الزواج بين المحجبات هو الأكثر وهو الأسرع، نحن نقول: وهو أيضا الأكثر استقرارا، لأن الذين يتزوج من متبرجة يظل يشك فيها، ويظل الشيطان الذي دفعها للتبرج ودفعه للغفلات يشوش عليهم في حياتهم.

فالحجاب إذا شريعة الله، {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم}، فعندما نفهم أن هذا من شريعة الله تبارك وتعالى، وأن هذا الحجاب جمال، لأن الستر جمال، والمرأة تظل عزيزة ومطلوبة ما دامت متسترة، وإذا تخلت عن حجابها وتخلت عن حيائها زهد فيها الناس، حتى الذي يضحك معها يريد أن يضيع الوقت، لكن لا يرضاها أما لعياله أو أمينة على داره. فكم هو عظيم هذا الدين الذي يأمرنا إلى هذه الفضائل، ودعاؤنا لك لن ينقطع، فأنت في مقام بناتنا وأخواتنا.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات