مشكلتي عدم قدرتي على التأقلم مع طبيعة الحياة.

0 30

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بارك الله في جهودكم وأوقاتكم وعلمكم.

مشكلتي بكل بساطة هي عدم قدرتي على التأقلم مع طبيعة الحياة، ورغبتي الدائمة في أن يكون كل شيء مثالي، بالرغم من أن حياتي بعيدة كل البعد عن هذا المعنى؛ فكل ما بها يضج بالنقص، والحمد لله على ذلك.

أختلف عن أخوتي منذ الطفولة، هم يضعون رؤوسهم ويغطون في نوم عميق، أنا لا أستطيع ذلك، أشعر وكأني المسؤولة الوحيدة عن كل ما يدور حولي، بالرغم من مسؤوليتهم هم كذلك معي، لكن لا أعلم لما ينتهي الأمر بتصدري المشهد، تعبت.

أعاني من قلق شديد وتفكير متواصل، وبكاء كل الليل، لا أستطيع أن أنام بسلام، ومؤخرا أصبحت لا أنام سوى أربع ساعات فقط، مر أسبوعان على هذا الأمر ولم أعد أطيق أكثر، النوم كان الأمر الوحيد الذي يشعرني بالراحة، والآن فقدته، أشعر بحزن عميق، وبذات الوقت أكتم كل هذا، لا أشارك أحدا بشيء.

تعبت من عقليتي، أود أن أهرب مثل الجميع، لكني دائما ما أجدني أواجه، أريد حمل كل شيء على عاتقي، وأشعر بتأنيب الضمير على كل ما هو ناقص، أود أن أكمله، ظروف حياتي مستحيلة الحل، لكني أدعي أني أستطيع حلها.

واقعة بدائرة اليأس، وبذات الوقت أتصرف بأمل أمام الناس، لا أعلم من أنا؟ بدأت أكره نفسي من الداخل، وبالسابق كنت ذكية ولماحة، الآن أشعر وكأني أصبحت بطيئة الاستيعاب ونسيان مستمر وتسويف بشكل لا يصدق، مع نومي القليل الذي زاد الأمر وأصبحت بحالة صداع دائم، ماذا أفعل؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ملاذ حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية.

من الواضح أنك تركزين كثيرا على الجوانب السلبية في الحياة، وهنالك بون شاسع جدا ما بين أمنياتك وما بين الواقع.

أيتها الفاضلة الكريمة: البناء النفسي السليم يتم من خلال أن يسلح الإنسان نفسه بسلاح العلم وسلاح الدين، هذه تنمي الشخصية تنمية إيجابية جدا، علمك ودينك لا أحد يستطيع أن ينزعهما منك، بقية الأشياء قد تنزع وقد تضيع كلها، المال وغيره، فأنا أنصحك حقيقة أن تصرفي انتباهك نحو هذين الأمرين: اكتساب العلم، واكتساب الدين، هذه أسلحة قوية للبناء النفسي الإيجابي.

من الواضح أنه لديك هشاشة نفسية، من الواضح أنك لست مقتنعة بما أنت فيه، من الواضح أنك تعيشين فراغا داخليا كبيرا، وهذا كله يمكن ملأه من خلال التحصيل العلمي الرصين، وأن تكوني متميزة، وأن يكون سقف طموحاتك عال جدا: التخرج، الماجستير، الدكتوراه، الأستاذية الجامعية، كل هذا، والدين: يكون لك مشروع لحفظ أجزاء من القرآن وتعلم أركان الإسلام وأركان الإيمان، بجانب طبعا الصلاة في وقتها، والدعاء والذكر.

هذه – أيتها الفاضلة الكريمة – اجعليها أهدافا أساسية، وهي أهداف سامية جدا، تكمل البناء النفسي بصورة ممتازة جدا.

بعد ذلك تأتي أشياء بسيطة جدا في الحياة: حسن إدارة الوقت، وجد أن من يحسنون إدارة وقتهم يحسنون إدارة حياتهم، ولا يحسون أبدا بالمشاعر النفسية السلبية وتأنيب الضمير وعدم الشعور بالقناعة الإيجابية، الذي يدير وقته يدير حياته، الذي يجعل الفراغ يقوده – الفراغ الذهني والفراغ الزمني – قطعا يجد نفسه في حيرة من أمره، ويجد نفسه دون أي قيمة حقيقية، فإذا حسن إدارة الوقت مطلوب.

أمر آخر مهم جدا وهي القيمة الاجتماعية الحقيقية: أن تحسني التواصل الاجتماعي، أن تكوني بارة بوالديك، أن يكون لديك علاقات اجتماعية إيجابية، ألا تتخلفي عن أي واجب اجتماعي.

والنقطة المهمة الأخيرة هي الرياضة، الرياضة الآن لها أهمية كبيرة جدا، مهمة جدا لمن هم في عمرك، ولمن هم أكبر منك، الرياضة تقوي النفوس قبل أن تقوي الأجسام، الرياضة تحرك الدوافع الإيجابية الداخلية، ترفع من الهمة، فاختاري أي رياضة تناسب الفتاة المسلمة وقومي بممارستها يوميا ولمدة نصف ساعة أو ساعة إلا ربع.

هذه هي نصائحي لك، وأعتقد أيضا أنك محتاجة أن تدخلي في كورس عن الذكاء الوجداني أو الذكاء العاطفي، أو يمكنك أن تقرئي حول هذا العلم، الذكاء الوجداني علم مستحدث نسبيا، حيث إن أول مؤلف في هذا العلم ظهر عن 1995، وحقيقة إذا دققنا كثيرا فيه نجد أن السنة تحوي هذا العلم من زمن بعيد جدا، وكتاب دانييل جولمان (الذكاء العاطفي) هو أول كتاب لهذا العلم، وهو باللغة الإنجليزية وترجم إلى اللغة العربية.

من خلال الذكاء العاطفي – أو الذكاء الوجداني – نعرف كيف نفهم أنفسنا ونتعامل مع ذواتنا إيجابيا، وكذلك كيف نتفاهم مع الآخرين ونتعامل معهم إيجابيا، فأرجو أن تزودي نفسك بكل ضروريات هذا العلم وتطبقيها في حياتك.

قلة النوم مرتبطة بالقلق حقيقة، أو سوء إدارة الصحة النومية، من خلال السهر، ومن خلال تناول المثيرات والميقظات – كالشاي والقهوة – في الأمسيات، من خلال النوم النهاري، فهذا كله يجب أن يوقف أو يضبط ويرتب حقيقة.

لا تنامي في النهار، مارسي الرياضة، ثبتي وقت النوم ليلا، لا تتناولي الشاي والقهوة بعد الساعة السادسة مساء، وعليك بأذكار النوم والنوم على وضوء.

هذا هو الذي أنصحك به، وأسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات