السؤال
السلام عليكم..
عمري 16 سنة، لا أعرف من أين أبدأ؟ هل أتحدث عن أصدقائي الذين هجروني ونسوني ورموني كأننا لم نتحدث يوما، أم أتحدث عن كرهي للحياة وأني لم أولد أصلا، أم أتحدث عن كرهي لنفسي، أو عن تجاهل الناس لي واستعمالي كوسيلة لغاية معينة، أو شكلي وشكل جسدي، وطبيعتي، أنا الآن حرفيا لا أملك أي أصدقاء.
عندما أرى مجموعة أصدقاء على الفيسبوك تنزل دمعة على خدي، عندما أرى فتاة جميلة أتمنى لو كنت مثلها، عندما أرى الناس تعيش حياة رفاهية أحسدهم.
أكون جالسة أفكر كيف سأذهب للدراسة غدا؟ وكيف سأصفف شعري؟ بعدها يأتيني شعور بالضيق كأنني لا أستحق كل هذا، كأني مهما فعلت ومهما تزينت سأبقى كما أنا، حرفيا كرهت حياتي.
أحيانا تأتيني أفكار مثل أنني لو لم أولد كان ذلك سيكون مريحا أكثر، ليتني لم أكن موجودة، ليتني أختفي من كل الدنيا!
وصل بي الأمر إلى العزلة والابتعاد عن الناس، والدراسة والعودة إلى المنزل سريعا، وعدم الذهاب للتنزه مع عائلتي، والخجل من التحدث مع أناس لا أعرفهم. حرفيا أنا لا أستطيع إقامة علاقات مع ناس جدد.
أستغرب أن عمري 16 سنة فقط وكل هذا يحدث لي مع أني لم أر من الدنيا شيئا، أنا فعلا محبطة، أعرف أنك ستقول لي اذهبي إلى طبيب نفسي أو شيء من هذا القبيل، لكن ماذا سيفعل لي هذا الطبيب؟ سيقول مجرد كلام أعرفه وأسمعه كثيرا ثم سيأخذ نقودا!!
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Rania حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا ومرحبا بك أيتها الأميرة.
يشكو البعض من المراهقين من صعوبة في تكوين الصداقات، ومن ثم يشعرون بالوحدة والعزلة، وربما يتعاظم الشعور فيهم إلى أن يظنوا أنهم منبوذين ولا يرغب فيهم أحد، وهذه الشكوى مردها لعدة أسباب.
ومن أهم الأسباب عدم تقدير الذات، وهو: إحساسنا بحالة من الإحباط واليأس، وشعور يتسم بعدم الرضا عن النفس؛ مما يفقدنا الثقة بها، وهذا الشعور لا يتكون في ليلة وضحاها، فهو ينمو في فترة الطفولة بسبب طريقة معاملة الأهل أو الإخوة أو المقربين، أو ربما المدرسين، وهذا المناخ الذي يعتبر بيئة سهلة للشعور بالنقص وعدم الرضا، وشعورك بأنك مهمشة من قبل الصديقات، أو أن شعرك غير جميل، ظنا منك أنك غير جميلة..إلخ، كل هذه الأمور مجتمعة تركت في داخلك أثرا غير إيجابي، وظهرت ملامحه الآن، فعدم الثقة بالنفس أدت بك إلى الاعتقاد أن الآخر أفضل منك أو أجمل منك.. إلخ.
وقد ينشأ اختلال بالشخصية والصورة الذهنية عن النفس في مرحلة ما بعد الطفولة أيضا، وتكون نتيجة صدمة مع الآخرين، وخاصة إذا كان الشخص غير قادر على الدفاع عن نفسه، ولم يجد الدعم من أحد؛ فيتولد لديه الشعور بالنقص، وعدم الرضى عن النفس نتيجة الخوف من الآخر، وعدم القدرة على المواجهة.
وما تعانين منه -أيتها الابنة الحبيبة- يمكنك التخلص منه، وكل ما عليك اتباع بعض الخطوات والعمل بشغف بها:
يجب أن تكوني فخورة أن الله خلقك مسلمة وبصحة جيدة، وأنعم عليك بعائلة كريمة، فعليك منذ هذه اللحظة أن تكتبي على ورقة كل المواقف التي سببت لك المضايقة من الآخرين، وارميها في البحر.
ركزي على الجوانب الإيجابية لديك، واكتبيها على ورقة، وعلقيها في مكان خاص بك، واقرئيها باستمرار.
وأقول لك: ابدئي التغيير من نفسك أولا، ثم حسني علاقتك بمن حولك، فنحن لا نستطيع تغيير من حولنا، لكننا نستطيع أن نغير أنفسنا، وعندها سنرى العالم والآخرين كما يجب، والتغيير يبدأ من الداخل، وستجدين أنك تزدادين ثقة ورضا وجمالا.
ابدئي يومك بقراءة القرآن؛ فله أثر على تهدئة النفس، والشعور بالطمأنينة، ولا تنسي أذكار الصباح والمساء، وادعي لك ولأهلك بعد كل صلاة، وأكثري من الاستغفار.
العلم ثم العلم غاليتي فأنت في عمر الزهور، فلا تحرمي نفسك من هذه النعمة التي أصبحت حاجة ضرورية تنير لنا دربنا وتحمينا في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية في هذا العصر العصيب.. ركزي في دراستك ولك الثواب..
يجب أن يكون لك أثر إيجابي بين عائلتك؛ من خلال الكلمة الطيبة؛ وهذا سوف ينعكس ايجابا على تقديرك لذاتك، ومساعدتك لهم تعزز ثقتك بنفسك.
لا تقارني نفسك بالآخرين، وكوني "أنت"، وحددي وقتا خاصا لك تمارسين هواية تحبينها، أو أي نوع من أنواع الرياضة؛ فهذا سوف يشعرك بالرضى والراحة النفسية.
اعلمي أن طريقة التفكير التي تؤدي إلى الحزن الزائد ينتج عنها الكثير من الأمراض النفسية، والطب يقول: "إن الحزن الشديد، والأفكار السلبية يؤثران بشكل خطير على القلب، لأنهما يزيدان من إفراز هرمون الأدرينالين، ويصبح الإنسان عرضة للإصابة بالاكتئاب، والذي بدوره يقلل من قدرة الجسم على مواجهة الكثير من الأمراض التي تصيب القلب".
توقفي –بنيتي- عن التفكير السلبي، لأنه يؤدي بك إلى خسارة الثقة بالنفس، والتقليل من قدراتك أمام نفسك، ونحن بدورنا نريدك أن تكوني فتاة مسلمة قوية تعتز بدينها، ويكون لها دور فعال يستفيد منه المجتمع الإسلامي، ورسولنا الأكرم عليه صلوات وسلام من رب البرية قال لنا: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف في بدنه وعمله".رواه مسلم.
ابتعدي عن الأشخاص السلبيين، والبعد عن كل ما من شأنه الهبوط بالهمة، وابحثي عن صديقات إيجابيات يدعمونك ويدفعونك إلى الأمام.
كما يمكنك قراءة كتاب: كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس. فكل شيء في الحياة ينمو بالعلم غاليتي.
ابحثي عن الأشخاص الذين يشاركونك نفس الاهتمام، وابحثي عن القواسم المشتركة التي تكون وسيلة لعقد صداقات لك مع من هم حولك.
أظهري التقدير والاحترام للكبار، واحرصي على الحديث معهم، واستفيدي من خبراتهم في الحياة .
كوني واثقة من نفسك، ولا تقللي من شأنها، ودافعي عن نفسك، لكن دون تجريح أو إساءة، فأظهري الحزم ولا تكوني ضعيفة أمام أحد، العناية بالكلمات وطريقة التعبير عن الأفكار ستحفظ وسيقدر الآخرون لك ذلك..
اهتمي بمظهرك، وتزيني في المنزل، وأحبي نفسك، وحافظي على لياقتك البدنية، واستمتعي بحياتك دون الخروج عن ما حدده الدين والأخلاق.
واعلمي أنك في النهاية سوف تنجحين بإذن الله تعالى إذا عملت بهذه النصائح يا رانية.
فيما يخص قولك: " لو لم أولد كان ذلك سيكون مريحا أكثر، ليتني لم أكن موجودة ليتني أختفي من كل الدنيا". ستجدين الجواب في الموقع من أهل الاختصاص.
______________________________________________________
انتهت إجابة الأستاذة/ إنتصارمعروف - المستشارة الاجتماعية
وتليها إجابة الشيخ الدكتور/ أحمد الفرجابي - مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
______________________________________________________
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- في موقعك، ونشكر لك التواصل، ونشكر لك حسن العرض لهذا الإشكال الذي يدل على أن عندك قدرات منحك بها الله تستوجب الشكر، فاشكري الله على ما أولاك من نعم، واعلمي أنك بشكرك لله ستنالين المزيد، نسأل الله أن يوفقك، وأن يعيد لك الطمأنينة والاستقرار، وأن يلهمك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
احمدي الله تبارك وتعالى على نعمة الهداية لهذا الدين، وانظري دائما في كل أمور الدنيا إلى من هم أقل وإلى من هم أسفل، كما وجهنا النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تنظروا إلى من هو فوقكم، وانظروا إلى من هو دونكم)) في كل أمور الدنيا، ((كي لا تزدروا نعمة الله عليكم))، أما في أمور الدين فالإنسان ينظر إلى من هم أعلى منه يتأسى بهم، وأنت ولله الحمد هناك نعم كثيرة أرجو أن ترصديها وتجمعيها وتحمدي الله تبارك وتعالى عليها، وأول النعم التي نذكرك بها هي هذه القدرة الرائعة على الكتابة وعرض ما في النفس بهذا الترتيب الرائع الذي يدل على أن صاحبة هذه الأسطر تستطيع أن تخرج من هذا المكان الذي هي فيه إلى درجات أعلى، وهذا يدل أيضا على أنك نلت قسطا من التعليم، وهذه نعمة من الله، فالذي أعانك على الوصول لهذا المستوى سيعينك على إكمال هذا المشوار.
وأرجو أن تعلمي – بنتنا الفاضلة – أن كل أنثى جميلة، بحيائها وبإيمانها وبأخلاقها، بل من حكمة ربنا الحكيم أن تختلف وجهات النظر، ولولا اختلاف وجهات النظر لبارت السلع، فما من فتاة إلا وقد وضع الله لها القبول عند شاب يراها جميلة يكمل معها مشوار الحياة. بل ينبغي أن تعلمي أن التلاقي بالأرواح، وهي ((جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف)).
اسألي الله تبارك وتعالى دائما أن يحببك إلى خلقه، وأن يحبب إليك الصالحات منهن، وكوني عونا لأهلك، وامنحي الآخرين عاطفة ليمنحوك العاطفة، وامنحيهم الاحترام ليحترموك، وأعطيهم الاهتمام ليبادلوك بالاهتمام والحفاوة.
فالإنسان هو الذي يصنع الاهتمام لنفسه، ولا تلتفتي لمن يريد أن يبتعد، يعني: المؤمنة تستغني بالله تبارك وتعالى، وتجالس كتاب الله وهو أعظم جليس، وهو جليس لا يمل، كما قال علي رضي الله عنه، وصاحب لا يغش، وما جالس الإنسان هذا الكتاب إلا قام عنه بزيادة ونقصان، زيادة في هدى ونقصان من عمى وضلالة.
واعلمي أنك على خير كثير، فلو لم تخلقي إلا لتسبحي الله وإلا لتذكري الله وتشكريه لكانت هذه نعمة تستوجب الشكر إلى الله تبارك وتعالى، فكيف وقد نشأت في بيت مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وسجدت لله تبارك وتعالى، هذا أغلى من الدنيا كلها، فاحمدي الله تبارك وتعالى على ما أنت فيه من الخير والنعم.
واستمعي إلى التوجيهات الرائعة من المستشارة المختصة، ونفذي التوجيهات التي وصلت إليك، واستمري في تواصلك مع الموقع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يعينك على الخير، ونؤكد لك أن هذه المشاعر السالبة التي عندك سوف تتلاشى عندما تتذكري نعم الله، وعندما تقبلي على الله تبارك وتعالى، واعلمي أن الإنسان إذا أطاع الله رضي عنه الله، فإذا رضي الله عن الإنسان ألقى له القبول في الأرض، وأمر جبريل أن ينادي في السماء أن الله يحب فلانا – أو فلانة – فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يلقى له القبول في الأرض، قال تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا}.
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.