السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا متزوجة منذ 15عاما، بداية زواجي عشت مع والدي بسبب عمل زوجي البعيد عنا، وبعد ذلك سافر زوجي للخارج بسبب مشاكل في العمل، وبعد وفاة والدي طلبت منه العودة ولكنه رفض رغم علمه بوحدتي، فليس لدي إخوة، وتعرضت لمشاكل مع أهلي بسبب الميراث، وكثير من المواقف الصعبة في بعده، كل هذا وأنا أعمل وأتحمل عنه مسؤولياته حتى يستقر في عمله.
بعد أن استقر في وظيفة براتب جيد، طلبت منه المجيء ولو في الإجازات، لكنه وضع نفسه في دائرة الاكتئاب، ورفض العودة، ويدعي أنه خسر كل شيء في بلدنا، فذهبت إليه أنا وأبنائي، ولكننا لم نستطع الاستمرار بسبب الظروف الاقتصادية المكلفة في الخارج، فعدنا لبلدنا بدونه.
زوجي يرفض العودة، ولا يشاركني المسؤولية المادية، ولا يهتم، أصبح صامتا، تعبت من ضغوط الحياة، وعندما أطلب منه المجيء ولو لإجازة قصيرة، يدعي أنه غير مستعد لذلك، ونحن في مجتمع فضولي، الكل يستنكر عدم وجود زوجي بجانبي، سئمت من تساؤلات الناس، علما أنه ترك البلاد منذ 6 سنوات، وأنا لم أره منذ سنة ونصف، كأنه في منفى، وأنا غير قادرة على تحمل الوضع، خصوصا أن أهله وأهلي ليسوا بالجوار.
فما الحل لمشكلة البعد وعدم المشاركة المادية والعاطفية ومسؤولية الأبناء؟ أصبحت دائمة الحزن.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Menna حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بداية: أنت سيدة متعلمة ومثقفة، وصاحبة مركز مرموق في عملك، ونحن فخورون بك.
أختي الكريمة: خلق الله الزوجة من نفس الزوج لتكون الملاذ الآمن له والصدر الحنون الذي يلجأ إليه في لحظات الضعف، وسبحان من جعل بين الزوجين هذا التجاذب والتآلف، ولكن مع هذا كله؛ فإن هذه العلاقة تبدأ بالفتور نتيجة تعرضها لضغوطات الحياة والمسؤولية الواقعة على كلا الزوجين، وهذه هي سنة وطبيعة الحياة، ولكن طريقة التعاطي مع هذه المشاكل قد تكون هي المشكلة، وهذا ما حصل معك.
بصراحة:أنت أخطأت سيدتي، ومن البداية كان عليك أن تضعي النقاط على الحروف، وكل يتحمل مسؤولياته في حدود طاقته، وأما بعد مرور 15 عاما من الزواج وهذا الوضع الأليم والصبر والمعاناة، ما من شك بأنك تتحملين نسبة من اللوم لأنك من حملت نفسك فوق طاقتها، فهو اعتاد عليك أنك قادرة على تحمل المسؤولية بمفردك، وكل أعباء البيت ملقاة على عاتقك.
وهنا أود أن أقول لك: إن المسؤولية الأكبر تقع على عاتق الرجل، وإن الإسلام أنصف المرأة وأعطاها حقوقا، وأوجب عليها واجبات، والله -عز وجل- قال لنا في كتابه الحكيم: "الرجال قوامون على النساء"، وهذا من أجل استقرار الحياة الزوجية، وأعطى الزوج المسؤولية والتوجيه والأمر والنهي، وأوجب عليه النفقة لتأمين سبل العيش له ولزوجته من مسكن ولباس وطعام وشراب.
أنا لم أقصد أن أقسو عليك بكلامي، وأعلم أنك تمرين بفترة صعبة مع زوجك، وربما السبب الرئيسي لهذه المعاناة هو افتقادك للعلاقة الحميمية، وهنا أود أن أسالك: هل هذا التقصير في العلاقة والنفقة قائم منذ بداية الزواج، أم هو أمر ناتج عن ظروف مستحدثة؟ فإن كان من البداية؛ فلا بد أن تتفهمي أن تلك طبيعة نفسية فيه تحتاج إلى فهم وتخطيط للتغيير، وهذا بالطبع يأخذ وقتا، لكن العاقبة خير، وإن كان طارئا؛ فلا بد أن تبحثي في الأسباب المستجدة، وأن تجتهدي في إزالتها.
عزيزتي: عليك أن تسألي نفسك: هل سافر زوجك بدون موافقتك؟ هل هو مكره على الغربة؟ عن ماذا يبحث؟ أين يقع الخلل في علاقتكما؟ هل هو حقا يعاني من اكتئاب؟ هل فقد عمله بسبب مرضه؟ وكما ذكرت أنك طلبت منه أن يأتي لزيارتكم وكان جوابه كما أخبرتينا: (يدعي أنه غير مستعد لذلك)، لماذا لا تسافرين عند زوجك؟ فالمصلحة لكما جميعا، والضرر عليكما معا! فلا تتوقفي عند ما ذكرت: (فذهبت إليه أنا وأبنائي، ولكننا لم نستطع الاستمرار بسبب الظروف الاقتصادية المكلفة في الخارج)، إذن عليك مراجعة كل هذه الأمور، وأن تفكري في الأسباب التي دفعته إلى عدم المجيء لزيارتكم.
وبناء على ما تقدم أرجو منك أن تجتهدي وتتبعي هذه النصائح، وتعملي بها من أجل الحفاظ على مملكتك وأسرتك الجميلة، ومن أجل إنقاذ الحياة الزوجية، وسوف تجنين ثمارها في القريب -إن شاء الله-:-
1- التواصل واحد من الحلول الأساسية لأي مشكلة، تكلمي معه عن أنك تحتاجين إليه، وأنك لا تستطيعين الاستمرار في حمل مسئولية البيت بمفردك، عبري عن مشاعرك وعن رأيك في المشكلة وما تتوقعينه منه، واستمعي إليه جيدا حتى تفهميه وحتى يصغي إليك هو أيضا، لا يمكن تغيير أي سلوك بين يوم وليلة، لذا عليك بالمثابرة وتجربة مختلف الوسائل، اللين تارة والحزم تارة.
2- عند الحديث مع زوجك لا تتركي وساوس الشيطان تحول بينك وبينه، وركزي على كسب ثقة زوجك، وطمئنيه بأنك ما زلت بحاجة إليه، وأشعريه بمكانته في قلبك.
3- اقرئي لزوجك هذه الآية الكريمة؛ لعل الله يحدث بعد ذلك خيرا، يقول الباري في كتابه الحكيم: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)، فهذه الآية تدل على أن النفقة من واجب الزوج الذي أخصه الله تعالى بالقوامة، وتقصيره بها تجاه زوجته وأبنائه يؤدي إلى الإثم.
4- وأخبريه أنك تحتاجين إليه في تربية الأبناء، وأنهم في فترة من العمر بحاجة إلى دعمه ومساندته لهم، أرسلي له صور من حياتك اليومية مع الأولاد.
- والحل يكون في دفن المشاعر السلبية، وإحياء المشاعر الإيجابية من أجل إنقاذ حياتك الزوجية من التشتت، ولديك أطفال لا ذنب لهم فيما يحصل.
5- اجعلي زوجك مشروعك في هدايته وإصلاحه، وتذكري قول حبيبنا المصطفى -صلى الله عليه وسلم-:" لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم"( رواه البخاري ومسلم)، فكيف إذا كان هذا الرجل هو زوجك ووالد أطفالك؟ وليكن شعارك إصلاح علاقتك بزوجك، واصبري فالصبر عاقبته خير، قال الرحمن:"إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين".
6- راجعي نفسك، واكتبي التصرفات والمواقف التي أدت إلى ما آلت إليه الأمور بينك وبين زوجك، واذكري الأسباب الإيجابية التي من أجلها اخترت زوجك ليكون شريكا وحبيبا لك.
7- استرجعي الذكريات العزيزة والجميلة بينكما، وما حصل في فترة الخطوبة، وفي بدايات الزواج؛ ربما بعد هذا الحديث تذوب الخلافات تدريجيا إلى أن تنتهي -بإذن الله تعالى-.
8- اطلبي منه ما أحل الله لك، وليعلم أن للعواطف والغريزة الجنسية عندك بأهمية، أنت بحاجة إلى الإشباع الجنسي والعاطفي والروحي، ومن حقك كزوجة وأنثى أن تشبعي احتياجاتك الجنسية.
9- احرصي على تربية أطفالك تربية إسلامية صحيحة قائمة على الأخلاق، وادعي لزوجك في صلاتك، وأكثري من الاستغفار، وحافظي على أذكار الصباح والمساء.
10- لا تسمحي لليأس والقهر أن يسيطرا عليك، وانظري إلى نعم الله عليك من أبناء، هم زينة الحياة الدنيا، وأكثري من الدعاء والاستغفار، واطلبي من الرحمن أن يؤلف بين قلبك وقلب زوجك: "إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء".
المهم أن تتحلى بالصبر والذكاء في التعامل، أما إذا فشلت هذه الحلول وقتها تكون المشكلة كبيرة، وتحتاج لمتخصص لحلها، أنصحك أن تستعيني برجل دين عبر أحد محارمك، وأخبريه بمعاناتك مع زوجك، وهو بدوره وبطريقة غير مباشرة يخبره عن واجب الزوج تجاه زوجته وبيته، وما له وما عليه من حقوق.
أسأل الله أن يصلح لك زوجك، وأن يحببه إليك، ويحببك إليه ويجعل لكما من أمركما رشدا.