هل أقبل بالطلاق بسبب ما أعانيه من مشاكل؟

0 34

السؤال

السلام عليكم.

متزوجة منذ ٢٥ سنة، وأسكن في بلد أوربي، لدي ابنتان، بالرغم من أن زوجي إنسان طيب القلب إلا أنه منذ بداية زواجي، وأنا أعاني معه مشاكل بسبب إهماله واستهتاره بمسؤولية الزوج، وكان دائما يبعدني عنه بأن يرسلني إلى موطني وأبقى هناك لأشهر أو سنوات، وكنت كلما ابتعدت عنه أزداد قلقا وأبكي كثيرا، وأطلب منه العودة فيتحجج بعمله، وأنه علي أن أبقى في بلدي وقتا أطول.

وبعد ذلك اكتشفت أنه على علاقات كثيرة مع النساء، وعندما التزمت البقاء في منزلي بسبب مدارس بناتي زادت مشاكلنا، وزاد استهتاره بي، وكثر سفره، وبقي يتحجج بأي شيء للبقاء خارج المنزل، مما زاد في عصيبتي، وفقدان تحكمي بكلماتي عندما نصرخ على بعض، ثم يخاصمني ويهجرني أسابيع أو أشهر.

مرت السنين، وأنا بعد كل مشكلة أحاول أن أراضيه، وأحمل عبئ المشكلة كله على عاتقي، حتى يكلمني ولا يهجرني، وكان دائما يطلب الانفصال وأنا أتمسك به وأترجاه بأن لا يفعل خوفا أن يتركني، وأنا أحبه ومتعلقة به، حاولت مرارا أن أستعين بأحد من الأصدقاء أو أمه لحل مشكلتي لكن دون جدوى.

طلبت منه أن يعتمد أي شخص ليحكم بيننا، كما يوصينا ديننا الحنيف، يرفض ويقول لي بأنه غير مستعد أن يكلم أحدا.

توجهت إلى الله، وقبلت أن أصبر وأغير من طريقة تفكيري، لكنه زاد كبرا، وأصبح في كل مشكلة يقول لي "سترين"، أو يهددني، وفي آخر مرة حصل سوء تفاهم بيننا، لكنه كبر الأمر وهددني، عندها لم أقبل بتهديده، ووجهنا كلاما غير لائق لبعضنا، والآن هو ترك البيت منذ شهرين ويريد الطلاق، يقول أنه مرتاح، فهل أقبل الطلاق؟

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ منى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

قرأت رسالتك، وأحزنني وآلمني هذا الوضع الذي تعشين مع زوجك، ووسط هذا الغموض في العلاقة الزوجية بعد مرور خمس وعشرين سنة من الزواج، وأقدر تماما حجم المعاناة والأزمة النفسية التي تمرين بها، فالله جعل المودة والرحمة بين الزوجين لتسير دفة الحياة الزوجية بينهما والعيش بهناء وسكينة في ظل الاحترام والتفاهم المتبادل.

وأنا هنا من موقعي كمستشارة أسرية ومؤتمنة على إجابتي هذه، وهي التي مبنية على ما أخبرتنا به خلال رسالتك، وبناء عليه أقول لك ب ما يلي:

فنصيحتي أختي الفاضلة:
أن تعيدي حساباتك، وأن تكتبي على ورقة كل ما يزعجك ويسعدك في حياتك، وأن تكوني واقعية، وأن لا تعيشي عكس التيار، واعلمي أن من ترك شيئا لله عوضه خيرا؛ وهذا القلق والتوتر التي تعيشينه يؤثر سلبا على نفسية بناتك، ولا يجوز أن تفكري فقط في ما يناسبك، بل عليك أن تدرسي الأمر من كل النواحي، وأن تسألي نفسك ما هي الأضرار التي سوف تلحق بنفسية أبنائي؟ وهل سيكون وضعك أفضل مما أنت عليه الآن؟ وهل المجتمع التي ولدت فيه سيرحمك؟ لا أظن أن الحل هو الطلاق، بل أن تحاولي أن تصلحي أمورك مع زوجك، ولا تقولي لي إنك حاولت، أو أنه لا جدوى من المحاولة؛ فالمحن عندما تصيب المؤمن هي تمحيص له وعلو درجاته عند الباري، وتكفير لذنب اقترفه في حياته؛ وأحيلك أيضا إلى التمعن في كلام سيد قطب رحمه الله "في ظلال القرآن" عن اليأس، وما جاء في قول الرحمن لنا في هذه الآية الكريمة: "ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"، يقول: فأما المؤمنون الموصولة قلوبهم بالله، الندية أرواحهم بروحه، الشاعرون بنفحاته المحيية الرخية، فإنهم لا ييأسون من روح الله ولو أحاط بهم الكرب، واشتد لهم الضيق. وإن المؤمن لفي روح ظلال إيمانه، وفي صلته بربه، وفي طمأنينة من ثقته بمولاه، وهو في مضايق الشدة ومخانق الكروب.

أن نفكر في الطلاق يفرح إبليس على عرشه، فاستعيذي من الشيطان الرجيم، وليكن شعارك إصلاح زوجك، وتذكري قول الحبيب المصطفى: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم"، فكيف إذا كان هذا الرجل هو حبيبك وزوجك ووالد أبنائك؟!
وما أود قوله لك عزيزتي: إن ما أنت فيه من محن وابتلاء إنما هو اختبار لك على مدى صبرك وتحملك الأذى، وسعيك إلى إيجاد حل دون إلحاق الضرر بنفسك وأبنائك وزوجك.

وكل ما عليك أن تعامليه باحترام، وأن تشعريه بمكانته في البيت وفي نفسك، وصدق الرحمن في كتابه الحكيم حين أخبرنا فقال: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة..)، فالبيوت الزوجية العامرة هي المبينة على الرحمة والمودة والاحترام، والزوجة الصالحة هي خير متاع الدنيا كما أوصانا صلوات ربي وسلامه عليه.

أنت أنجبت منه أبناء هم زينة الحياة الدنيا، وهذه نعمة تستحق أن تشكري الله عليها، وكم من الأزواج محرومون من هذه النعمة.

وكل ما أراه أن حياتك بحاجة إلى إعادة ترتيب وتنظيم، ومعرفة ما لك وما عليك من الناحية الشرعية، وأن تعاملي زوجك بما يرضي الله، وهو كذلك، فحياتك مشوشة، والأمور غير واضحة، وأنت تشكين من كل النواحي، ولم تذكري أي أمر في حياتك الزوجية أنت راضية عنه، فهل من المعقول أن حياتك خلت من الإيجابيات مع زوجك؟! وما هي الأمور التي أعجبتك بزوجك حين تقدم إليك؟

ألم يكن زواجك مبنيا على الأسس الشرعية؟ هل زوجك صاحب خلق ودين؟ وعلى ماذا اتفقتم خلال فترة الخطوبة والنظرة الشرعية؟ وهل هو خالف الاتفاق؟! ولكنك لم تخبرينا عن حسنات زوجك، وهل يقوم بالإنفاق عليك وعلى الأبناء بما يرضي الله وبقدر استطاعته؟
ما هي الأمور التي لا تعجب زوجك في شخصيتك؟ فمن المؤكد أن لديك تصرفات وسلوكيات لا تعجبه، وهو أيضا صابر عليك، ويتمنى أن تتغيري.

انوي أنك تريدين إصلاح العلاقة مع زوجك، واعتبريها محاولة وفرصة أخيرة، وفوضي أمرك إلى الله، وتقربي من زوجك، وتحدثي معه بطريقة مختلفة عما اعتاد عليها سابقا.

لا تستخدمي الكلمات القاسية والجارحة خلال الحديث معه، ولا تعامليه معاملة الند للند، فعليك الانتباه أن الزوج العصبي والعنيد لا ينجح الحوار معه خلال عصبيته، وكل ما عليك هو فقط أن تتعلمي فن الإصغاء؛ فربما زوجك يعاني من ديون وضغوطات في العمل، ومشاكل مع بعض الأشخاص، وعند عودته إلى البيت لا يحتمل أن تجادله زوجته.

كوني صديقة لزوجك، واسأليه عن المشاكل التي تواجهه خلال عمله، وارفعي من قدره في بيته وأمام الناس؛ فكل هذه الأمور تشعره برجولته التي فطر عليها، ولا تنسي أنه صاحب القوامة في المنزل، وأن الله أعطاه القوامة لغاية لا يعلمها إلا هو جل وعلا، وأعطى الزوجة القلب الحاني والعطوف لتسعد زوجها وأطفالها، وأن تكون الشمعة التي تنير بيتها.

اهتمي بنفسك ولا تهمليها مهما حصل بينك وبين زوجك، ولا تمنعي نفسك عنه، وأحسني تبعله؛ فهو له حق عليك، وهو واجب عليه أن يحافظ عليك ولا يقصر معك، واهتمي بكل ما يخصه من طعام وتجهيز لباسه؛ فهذه الأمور تقوي العلاقة بين الزوجين، والبيت هو مكان الراحة بالنسبة للرجل ليشعر بالسكينة والهدوء، وكل هذا سوف ينعكس على معاملته معك.

احرصي على أن تحترمي زوجك أمام أبنائك، فالأب هو القدوة والمثال للأبناء، والتي تبنى عليها شخصيتهم في المستقبل، فكثرة المشاكل بين الزوجين تؤثر سلبا على نفسيتهم؛ مما يفقدهم الشعور بالأمان الأسري، وينعكس سلبا على تحصيلهم العلمي، وربما يعانون من مشاكل نفسية في المستقبل..

عليك أن تلتفتي إلى إيجابيات زوجك، وأن تبتعدي عن الأمور التي تزيد من عصبيته، وزوجك عندما لا يرى منك أي رد فعل سلبي خلال غضبه؛ تأكدي أنه سوف يتغير من تلقاء نفسه، وتذكري كيف كانت تقابل آسيا زوجة فرعون عصبيته، فكانت تخاطبه وتقول: "قرة عين لي ولك"، بجملة ذكية وطيبة، إنها ترضي الله وتتقيه بمعاملتها لزوجها، رغم أنه كان طاغوت الأرض.

أتمنى أن تعملي بهذه النصائح.


أسعدك الله أنت وزوجك في الدارين، ورضي عنكما.

مواد ذات صلة

الاستشارات