السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب أعاني من وساوس وهواجس تقلقني صباحا وتؤرقني ليلا، وخاصة تلك المتعلقة بالدين، أعلم من خلال نص حديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن الإنسان غير مؤاخذ على ما يقع في نفسه، وأن بعضا من أصحابه صلى الله عليه وسلم كانوا يعانون من تسلط بعض الأفكار، وأنهم كانو يجدون في أنفسهم ما يتعاظم أحدهم أن يتكلم به، ولكن هل ما كان في أنفسهم آنذاك هو ما في أنفسنا في هذا الزمان مع اشتداد الفتن والأمراض القلبية والنفسية؟
هذا يتركني في حالة من القلق والفزع الدائم، علما أني أصلا شخصية وسواسية، منذ صغري شديد الملاحظة، كثير التفكير، ودقيق التحليل، مما يجعل نوعية الوساوس والأفكار هواجسا قوية ملتصقة بي دائما، لدرجة الآن وعند كتابتي للسؤال أشك في صدق نيتي، وهذا يتعبني كثيرا، ويذهب عني حلاوة ولذة الطاعة، ويثبطني ويكبحني عن المضي قدما في كل شيء في حياتي، وأتسائل: هل أنا صادق؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أيوب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، ورسالتك رسالة طيبة ورسالة واضحة جدا، وأوضحت بصورة جلية ولا يدع مجالا للشك أنك بالفعل تعاني من وساوس قهرية فكرية، والوساوس الفكرية منتشرة جدا، ومعظمها تكون حول الدين أو حول الجنس أو حول العنف، ولا شك أن الوساوس بالفعل تسبب آلاما وأزمات نفسية شديدة، خاصة بالنسبة للنفوس الطيبة، النفوس الصادقة، ونحسب -إن شاء الله تعالى- أنها من صميم الإيمان هذه الظواهر التي تحدث للمسلمين في بعض الأحيان.
أنت أعطيت خلفية ممتازة عن شخصيتك، حيث إن نمطك أصلا هو النمط الدقيقي والانضباطي والوسواسي، ومثل هذه الشخصيات حساسة، وغالبا ما تكون عرضة للوساوس.
كما تفضلت – أخي الكريم – فإن أفضل القرون قد اشتكوا من هذه الوساوس، وعليه يجب علينا أن نستغرب وجودها الآن، خاصة مع التغيرات الكثيرة التي حدثت، ونحن قطعا بعيدين تماما من أفضل القرون، ونتأمل ونتشبث، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا نسير على طريقهم، طريق الهداية والإيمان.
أخي: أنا أنقل لك بشرى عظيمة جدا، وهي أن هذه الوساوس الآن اتضح – أيا كان سببها، سببا خناسيا، وسوسة الشيطان، أشياء مكتسبة، متعلمة، سلوكيا، أيا كان سببها – اتضح وبما لا يدع مجالا للشك أن هنالك تغيرات كيميائية تحدث في الموصلات العصبية الدماغية، وهذه المتغيرات لا يمكن قياسها في أثناء الحياة، لا توجد أي وسيلة مختبرية لفحصها، لكن بعد الموت حللت أدمغة الذين كانوا يعانون من الوساوس القهرية ووجد بالفعل أن هنالك ضعف في بعض الإفرازات الكيميائية الخاصة بمادة تسمى السيروتونين، وعلى ضوء هذا الاكتشاف العلمي الكبير قيض الله تعالى للعلماء وسائل اكتشاف أدوية، تؤدي إلى تنظيم وإعادة صياغة هذه المواد الكيميائية ووضعها في مساراتها الصحيحة.
فإذا -أخي الكريم- العلاج الدوائي متوفر، والعلاج الدوائي ممتاز جدا، وأنا لا أقول لك أن العلاج الدوائي هو العلاج الوحيد، لا، أبدا، الدواء يساعد، الدواء يفتت الوساوس، ويزيل القلق، لكن لا بد للإنسان أن ينهج المناهج السلوكية التي تقوم على ما علمنا له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن الإنسان في حالة هذه الوساوس يقول: ((آمنت بالله)) ثم ينتهي، ألا يحاورها، ألا يناقشها، ألا يدخل في تفاصيلها، ولا بد أن يحقر الإنسان الوسواس في بداية الخاطرة، لأن الوسواس يمكن أن نقول أنه مرض ذكي جدا، يمكن أن يستدرك الإنسان ويدخله في هذه الحوارات الوسواسية التي لا نهاية لها.
فيا أخي الكريم: حقر وقاوم ولا تناقش الوسواس أبدا، وتناول الدواء، إن كان بالإمكان أن تذهب إلى طبيب نفسي فهذا أمر جيد، وإن لم يكن ذلك ممكنا أنا سأصف لك دواء واحدا مفيدا جدا، ويمكن أن ندعمه بدواء آخر.
الدواء الأول يعرف باسم (بروزاك) واسمه العلمي (فلوكستين)، تبدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة يوميا لمدة أسبوع، ثم تجعلها كبسولتين يوميا لمدة أسبوعين، ثم تجعلها ثلاث كبسولات يوميا – أي ستين مليجراما – تتناولها لمدة ثلاثة أشهر، وهذه هي الجرعة العلاجية المتوسطة، وأحسب أنها جرعة جيدة جدا، حيث إن الجرعة القصوى هي ثمانين مليجراما في اليوم، لكن لا أعتقد أنك في حاجة إليها.
بعد مضي ثلاثة أشهر وأنت على ستين مليجراما تخفض الجرعة إلى كبسولتين يوميا - أي أربعين مليجراما - لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم تجعلها كبسولة واحدة يوميا لمدة ثلاثة أشهر، ثم كبسولة يوما بعد يوم لمدة شهر، ثم تتوقف عن تناول الدواء.
البروزاك دواء رائع جدا وسليم وفاعل، وغالبا فعاليته تبدأ بعد أربعة إلى ستة أسابيع من بداية العلاج.
أريدك أن تدعم البروزاك بدواء آخر يسمى (رزبريادون)، تبدأ بجرعة واحد مليجرام يوميا ليلا لمدة شهر، ثم تجعلها اثنين مليجرام ليلا لمدة شهر واحد، ثم تجعلها واحد مليجرام ليلا لمدة شهرين، ثم تتوقف عن تناوله، الدواء أيضا دواء سليم، وفي هذه الحالة هو دواء داعم.
توجد أدوية أخرى أيضا مفيدة، لكن أعتقد أن الفلوكستين سوف يكون هو الدواء الأمثل لحالتك، وأسأل الله تعالى أن ينفعك به، وكما ذكرت لك سلفا قطعا المتابعة مع طبيب نفسي سوف تعود عليك بفائدة كبيرة، واتباعك أيضا لإرشاداتنا هذه وتناول الدواء، واتباع ما ذكره لك الشيخ أحمد الفودعي - حفظه الله - سيكون أيضا معينا لك -إن شاء الله تعالى- للتخلص من هذا الوسواس، وتعيش حياة طيبة وهانئة وفي راحة بال.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.
------------------------------------------
انتهت إجابة: د. محمد عبدالعليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-،
وتليها إجابة: الشيخ أحمد الفودعي -مستشار الشؤون الأسرية-.
----------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أيوب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ولدنا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يمن عليك بالعافية والشفاء من هذه الوساوس ويصرفها عنك، وأنت مطالب -أيها الحبيب- بأن تأخذ بالأسباب التي تزيل عنك هذه الوساوس، فإن الوساوس داء إذا تسلط على الإنسان أفسد عليه حياته، وأوقعه في أنواع وألوان من المشقة والضيق والحرج، والله تعالى جعل لهذا الداء دواء، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((تداووا عباد الله)).
ودواء هذه الوساوس أن تفعل ما أمرك به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهذه الأوامر وجهت للصحابة، وهي لنا كذلك، ونوع الوساوس هذه التي تعاني منها هو نوع الوساوس التي عان منها بعض الصحابة، فالشك في الله وفي الدين وفي غير ذلك هو نوع واحد، لا فرق فيه بين شك المتقدمين وشك المتأخرين، والكفر ملة واحدة.
فما خاطب به النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض من جاءته هذه الوساوس والشكوك هو خطاب لك ولأمثالك أيضا، فاحذر من أن يزرع الشيطان في قلبك اليأس والقنوط من رحمة الله تعالى، وأن يوهمك بأنك فعلت ذنبا لم يفعله أحد قبلك، وهو يريد بذلك أن يقطعك عن الله تعالى ويصرفك عن دينك، فكن على حذر من أن تقع في شراكه وتكون فريسة سهلة له، ولا يعينك على التخلص من ذلك إلا باتباع التعليمات النبوية، وهي ملخصة في أمور ثلاثة:
الأول: الإكثار من الاستعاذة بالله تعالى كلما داهمتك هذه الوساوس، وهذا علاج أكيد يصرفه عنك، فإن الله على كل شيء قدير. فاستعن به واطلب منه الحماية من عدوك، فإنه سيحميك، فأكثر من الاستعاذة ومن قراءة المعوذتين.
والعلاج الثاني: الإكثار من ذكر الله، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((فليقل آمنت بالله))، فأكثر من ذكر الله تعالى، ولازم هذا الذكر على الدوام، فإن الذكر حصن حصين، يتحصن به الإنسان من الشيطان، وأكثر من قراءة القرآن.
والأمر الثالث: الانصراف عن هذه الوساوس وعدم الاشتغال بها وتحقيرها، والالتفات عنها إلى غيرها من الأعمال النافعة في أمر الدين أو أمر الدنيا.
إذا فعلت هذه الأمور فإننا على ثقة تامة من أن الله سبحانه وتعالى سيشفيك وسيصرف عنك هذه الوساوس.
نسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يمن عليك بالعافية.