السؤال
السلام عليكم.
قد قدمت لاستشارة سابقة لهذه أشكو فيها عن شعوري بالاكتئاب، وعلى كره نفسي وتمت الإجابة عن استشارتي من طرفكم، والحمد لله بفضل الله، وبفضل نصائحكم استطعت أن أتخطى الشعور.
لقد كان سبب اكتئابي مشاكل بيني وبين صديق عزيز لي، ومع تفاقم المشاكل انتهت علاقتنا، ولمت نفسي على كل شيء، وأصبحت أكره نفسي شيئا فشيئا، ولكن بعد فترة تقبلت الأمر، وتخلصت من هذا شعور -بفضل الله ثم بفضلكم- لكن نفس صديقي توفيت والدته رحمها لله، توفاها الله فجأة ولم تكن مريضة من قبل، ونزل علي الخبر كالصاعقة، ولم أستطع أن أصدق واحترت ماذا أفعل؟
راسلته وحاولت لقاءه لتعزيته لكن لم يتسن لي فرصة لرؤيته، وهو على الأغلب يكرهني، ولعلي آخر شخص يريد سماع صوته.
بسبب هذا عاد لي كرهي لنفسي مجددا، وأصبحت ألوم نفسي، على الرغم من أنه قضاء الله تعالى وقدره.
أنا لا أعرف كيف أسانده، وأخجل حتى من أن يراني، لأنني أعرف أنه يكرهني، وآخر شخص يريد رؤيته، وأنا نادم على ما حصل من قبل، لولا حمقاتي سابقا لكنت الآن معه بقربه أواسيه.
أرجو منكم أن تنصحوني ماذا أفعل؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ شرف حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأشكرك على مشاعرك الطيبة حيال صديقك السابق هذا، ونسأل الله الرحمة والمغفرة لوالدته.
الشعور بالذنب للدرجة التي أظهرتها يدل على لطف ورحمة كبيرة في كيانك الوجداني، وتدل على الخيرية التي تتمتع بها.
إذا قارنا مشاعرك هذه بمشاعر القسوة وعدم الاكتراث للناس وعدم الشعور بمشاعرهم؛ قطعا شعورك هذا أفضل، أفضل كثيرا، وفيه خير كثير لك، لكن في ذات الوقت يجب أن تنظر للأمور بعقلانية، وترجح فكرة النظرة المنطقية لما حدث، كما تفضلت: الموت هو أمر لا يخضع لأي نقاش، {إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر}، هذه السيدة انتهى نصيبها من الدنيا، ونحسب أن ما عند الله خير لها، وبالنسبة لذويها – كابنها الذي تحس بالذنب حياله - الله تعالى أعطى الإنسان القدرة على التكيف وعلى التواؤم، وحتى إن وجد مساندة أم لم يجدها، فأنا متأكد إن شاء الله تعالى أنه بخير.
بالنسبة لك: لا تأسى على ماض، إن كنت مخطئا أو غير مخطئ، وأنا لا أراك مخطئا، أنت اتخذت موقفا قد يكون فيه شيء من السلبية، لكن كان هو الموقف الذي يتطلبه الأمر، ويمكن أن تقدم على صديقك هذا، وتواسيه، وتكون بجانبه، وإن كان قد لا يحتاج لهذا كله، وأعتقد أن الأمر قد تضخم في كيانك الوجداني، لأنك حساس، ولأن فيك كثير من اللطف الوجداني.
أيها الفاضل الكريم: ليس هناك ما يجعلك حقيقة بالندم، انطلق في الحياة، أنت صغير في السن، ركز على دراستك، ويجب أن تكون لك أمنيات مشروعة، المؤهل العلمي الراقي، الحصول على الماجستير ثم الدكتوراه، الزواج بإحدى النساء الصالحات، وهكذا.
هذا تفكير مشروع، بل هو تفكير محفز، وليس تفكيرا خاليا. كن بارا بوالديك، ابدأ أيضا في مشروع لحفظ شيء من القرآن الكريم، فجر طاقاتك هذه من خلال ممارسة الرياضة، أحسن إدارة الوقت، لا تترك مجالا للفراغ أبدا. أنا أعتقد أن هذا هو الذي تحتاجه.
أنت تتكلم أنك قد أصبت باكتئاب: هذا شعور لا أراه اكتئابا بيولوجيا، شعور فيه شيء من التبرير أدى إلى شيء من العسر في خاطرك، وهذه المشاعر غالبا تكون مشاعر عابرة. ليس لديك الحمد لله تعالى اكتئابا وجدانيا بيولوجيا مطبقا، يجب أن تفكر في الأمور على هذه الكيفية، واحرص على الصلاة في وقتها، وعليك بالدعاء.
هنالك أدعية مأثورة عظيمة تفرج هذه الكرب، منها مثلا: (اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء همي وغمي، اللهم علمني منه ما جهلت، وذكرني منه ما نسيت، اللهم اجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا يا أرحم الرحمين ويا أكرم الأكرمين، اللهم اجعلنا نحل حلاله ونحرم حرامه، ومن العاملين بمحكمه والمؤمنين بمتشابهه يا كريم، اللهم اجعله لنا نورا وهدى ورحمة، واجعله لنا أنيسا في قبورنا يا رب العالمين، ونورا على الصراط وشفيعا لنا يا رب العالمين)، وقل: (اللهم يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني لنفسي طرفة عين)... وهكذا.
أنت إن شاء الله بخير، ولا أريدك أن تتناول أي دواء، لأني أرى أنك لا تعاني من شيء، فقط اتبع ما ذكرته لك من إرشاد، وسيصلح الله من شأنك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.