السؤال
السلام عليكم.
أصيب والدي بأزمة قلبية منذ 5 أشهر، ومات أمام عيني ووقع بين يدي، وهذا المشهد لا أنساه، وكأني أعيشه كل يوم بنفس الشعور الموجع، بكيت أول أسبوع، وبعدها أصبت بنوبات هلع شديدة جدا، ولم أستطع السيطرة عليها، وانفصلت عن الواقع وأصبت باختلال الأنية بقوة ووساوس الموت، وأصبح وسواس الموت لا يفارقني، وعندما أصلي أشعر أني سأموت، كل تحركاتي أصبحت مربوطة بالموت، وكنت أعرف أن كل هذا غير حقيقي، ولكني لم أستطع المقاومة، وكنت متيقنا أني أمر بحالة نفسية، وكنت أذهب لأطباء القلب، وأجري التحاليل وأحس أن قلبي سيتوقف في أي لحظة، وأن مصيري سيكون مثل مصير والدي، الموت بنفس الطريقة.
أصبت بالاكتئاب وتبلد المشاعر، وأصبحت أخاف الخروج من المنزل ومقابلة البشر، وأصبح كل شيء لا طعم له ولا لون، وأحس بضغط عصبي وكره للإضاءة والأصوات العالية، وأصبحت أجلس في الظلام، ورأسي كأنه يوجد به ما لا يقل عن 100 صوت يتحدث في وقت واحد، ووساوس دينية وخوف شديد من ما بعد الموت، وخوف لا يطاق من عذاب القبر، لأني قرأت أن المؤمن أيضا يعذب في قبره، فأنا لا تفارقني تخيلات وأنا في قبري وأعذب من الملائكة، وكيف سيكون العذاب، أنا لا أخاف الموت ولكن أخاف ما سيحدث لي بعد الموت، أنا أصلي -ولله الحمد-، ومحافظا على صلواتي، وأخاف ألا أجاوب على الملكين في القبر، فأرجو إرشادي سلوكيا ودوائيا، ولي بعض الأسئلة، هل سيرحمنا الله في القبور؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد، ونسأل الله تعالى الرحمة والمغفرة لوالدك.
أيها الفاضل الكريم: طبعا لحظات وفاة الوالد التي حدثت أمام ناظريك وكنت أنت شاهدا عليها؛ هي لحظات بالفعل صعبة، لكن أيضا -بفضل الله تعالى- أنك كنت موجودا، هذا أيضا فيه خير كثير لك، و-إن شاء الله تعالى- خير لوالدك.
والنوبات التي تأتيك الآن هي نوبات قلق المخاوف ذي الطابع الوسواسي، لأن الأمر متعلق بالموت، وقضية الموت قضية واضحة جدا، لكن حقيقة الناس لا تفرق بين الخوف المرضي والخوف الشرعي من الموت، الإنسان يجب ألا يخاف خوفا مرضيا، إنما يخاف خوفا شرعيا، والخوف الشرعي دائما يجعلك مقبلا على عمل الصالحات وتحرص على الحلال وتتجنب الحرام، وعلى عمل الأشياء الجيدة، وأيضا تعيش الحياة بقوة والمستقبل بأمل ورجاء، ولا بد أن القناعات قاطعة أن الموت لا مفر منه، وأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، وهذه فيه تنبيه كبير لنا، الذين يخافون من الموت خوفا مرضيا تجدهم منغمسون في المحرمات، وتجد أن أعمالهم ليست أعمالا طيبة – أخي الكريم – مع احترامي للجميع.
فأنا أريدك أن تحول هذا الخوف إلى خوف شرعي، وهذا أمر طيب، واعلم – يا أخي – أن الخوف من الموت لن يزيد في عمرك لحظة، ولن ينقصه لحظة، أعمارنا مكتوبة، ونهايتها مكتوبة ونحن في بطون أمهاتنا.
لذا لو تأملت تجد أن الأذكار عظيمة جدا، كثيرا من الأذكار في معالجة أمر الخوف من الموت، مثلا في نهاية التشهد نقرأ: (اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القبر، وأعوذ بك من عذاب القبر، اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار ومن عذاب النار، اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من فتنة المسيح الدجال)، وهكذا. هذه – أخي الكريم – أدعية عظيمة، تشعرك بكثير من الأمان، وتشعرك أن الإنسان يجب أن يكون مستعدا للقاء ربه، لأن الإنسان إذا استعد للقاء ربه أحب الله لقائه.
هذا ليس كلاما تشاؤميا، إنما هو كلام تذكير {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين}، كلام طيب، وتكون فعالا لآخر لحظة في حياتك، وتسأل الله حسن الخاتمة، لماذا ندعو ونقول: (اللهم اجعل خير أعمارنا آخرها، وخير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك فيه)؟! هذا من أجمل الدعاء.
فيا أخي الكريم: عليك أن تحول تماما طريقة تفكيرك هذه وتعيش الحياة بكل قوة، وبكل سعادة، تشتغل، ترفه عن نفسك، تراعي أسرتك، تخرج مع أصدقائك، وبجانب ذلك لا بد أن تحرص على العبادة، الصلاة في وقتها مع الجماعة، وردك القرآني، والأذكار، وصلة الرحم، وأن تعامل الناس بخلق حسن.
وبالنسبة لوالدك: الآن عليك واجب كبير، يجب أن تبر من كان يبرهم وتصل من كان يصلهم، وإذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، منهم الابن الصالح الذي يدعو له، ادع لوالدك، تصدق له شيئا ولو قليلا أو حسب ما تستطيع.
أخي: عليك بممارسة الرياضة، سوف تفيدك كثيرا. عليك بأن تنطلق في الحياة، عليك أن ترتب نومك وتنظم وقتك.
وبالنسبة للدواء: أنا لا أراه ضروريا حقيقة، لكن لا بأس أن تتناول عقار (سبرالكس) بجرعة خمسة مليجرامات – أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرامات – لمدة عشرة أيام، ثم اجعلها عشرة مليجرامات يوميا لمدة شهرين، ثم اجعلها خمسة مليجرامات يوميا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجرامات يوما بعد يوم لمدة أسبوعين، ثم توقف عن تناول الدواء.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.