السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا كثيرة الكذب على زوجي خوفا من أن يتركني أو أن يعاقبني، ولأني أخاف أن لا يتقبلني، وأن لا يتقبل أفكاري وتصرفاتي، وينفر مني، فأنا أكذب عليه بأمور ليست من حقيقة شخصيتي، أو بتصرفات أفعلها دون علمه.
وكثرة كذبي عليه تجعلني في صراع ذاتي؛ لأني لا أريد الكذب، ولكنني لا أريد أن يتركني أو يعاقبني.
ولقد اكتشف مؤخرا أنني أكذب كثيرا، وفقد ثقته بي، وازداد شكه بي، وأصبحت علاقتنا سيئة بسبب كذبي، فما الحل لأتخلص من الكذب؟
علما أنني أنوي الخضوع لمعالجة نفسية لعلاج هذه المشكلة في نفسي، وأنا أكذب تقريبا على كل من يهمني وجوده في حياتي؛ خوفا من أن تتغير نظرتهم لي أو يتخلوا عني.
الرجاء المساعدة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Zena حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الكريمة- في استشارات إسلام ويب، نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياك لأحسن الأعمال والأخلاق ويصرف عنا سيئها، فلا يهدي لأحسن الأخلاق إلا هو، ولا يصرف سيئها إلا هو.
ومن الجميل – أيتها البنت الكريمة – أنك تدركين الخطأ الذي تقعين فيه، وتدركين أيضا قبح هذه العادة وتشعرين بضرورة التخلص منها، وكل هذه إيجابيات ينبغي استغلالها لتتخلصي من هذه الآفة – آفة الكذب – فإن الكذب داء وخلق يجر إلى أخلاق رديئة وعادات قبيحة وذنوب كثيرة، فاستعيني بالله سبحانه وتعالى، وخذي بالأسباب التي تعينك على التخلص منها.
يمكن أن نقسم هذه الأسباب إلى قسمين: قسم معرفي، وقسم سلوكي، يعني: هناك معارف ينبغي أن تتذكريها دائما وتكون منك على بال.
أول هذه المعارف: أن تتذكري قبح الكذب ومنزلة الكاذب عند الله سبحانه وتعالى، فإن الكذب كما قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار))، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن كذابا؟ قال: (لا)، يعني: المؤمن لا يكون دائم الكذب، بحيث لا يكاد يصدق، فالكذب من أخلاق النفاق، وعلامة المنافق ثلاثة، ومنها ((إذا حدث كذب))، والملائكة وأهل السماء يسمون الإنسان كاذبا ولا يعرف عندهم إلا بذلك إذا كان يتحرى الكذب ويتتبع الكذب في كلامه، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((ولا يزال الرجل يكذب حتى يكتب عند الله كذابا)).
فعلم الإنسان وتذكره لهذه الحقيقة يبعثه ويساعده على التخلص من هذه الآفة، وعلى منع نفسه من المداومة عليها أو الوقوع فيها.
الجزء المعرفي الثاني: أن تدركي بأن الإنسان لا يمكن أن يصل بالكذب إلى شيء لم يقدره الله تعالى له، فإن الله تعالى شرع الأسباب المباحة للوصول إلى المقاصد المباحة، والأغراض المباحة، فلا يمكن أن يكون الكذب سببا لجلب رزق للإنسان أو منفعة لا يحصل عليها إلا بالكذب المحرم.
نعم قد يجوز للإنسان أن يكذب في بعض الأحوال التي رخص فيها الشرع بالكذب – مثل الكذب لإنقاذ النفس، والكذب لإصلاح ما بين الزوجين، أو للإصلاح بين الناس، ونحو ذلك – لأن المنفعة والمصلحة المترتبة على الكذب في هذه الحالة أعظم مما يترتب على الصدق، فيصبح الكذب في هذه الحالة مباح هو بنفسه، وليس شيئا محرما، لأنه يؤدي إلى الإصلاح والصلاح، وتترتب عليه المنافع.
والحال بين الزوجين كذلك، قد يكون في بعض الأحيان من المستحسن أن تكذب المرأة على زوجها لإصلاح حالها معه، وتجنب الفساد والقطيعة والإضرار بالعلاقة بينهما فيما لو أخبرته بالصدق، ولكن هذا في حدود ضيقة، فينبغي الوقوف عندها.
أما الجانب الآخر للعلاج وهو الجانب السلوكي؛ فهذا ينبغي أولا: أن تستعيني فعلا بالأطباء النفسانيين ليدلوك على المخارج النفسية، وقد أحسنت بأنك رجعت إلى من يساعدك على هذا من الأطباء النفسيين.
والأمر الثاني: أن تعودي نفسك على الصدق، وأن تعوديها على المعاقبة على الكذب إذا كذبت، فيمكنك أن تلزمي نفسك بعقوبة معينة لكل كذبة تكذبينها، وتنفذين هذه العقوبة، إما أن تلزمي نفسك بأن تتصدقي بمبلغ من المال، أو أن تصلي كذا ركعة، أو نحو ذلك من الأعمال الصالحة، فإذا ثقلت عليك هذه الأعمال فإنها ستدفعك إلى تجنب هذا الكذب.
ومن الوسائل العلاجية لمعالجة الكذب: مجالسة الصادقين، ومصاحبتهم، فعليك باختيار الصحبة الصالحة من النساء والفتيات اللاتي يعيننك على قول الصدق وتعود الصدق، ويذكرنك بعواقب الكذب إذا كذبت، فالصحبة الصالحة مؤثرة في الإنسان لا محالة، والناس يقولون: الصاحب ساحب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((المرء على دين خليله)).
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.