السؤال
السلام عليكم.
أنا طالب طب، أتمنى أن تقبلوا رسالتي، لقد ترددت كثيرا في طرح مشكلتي، ولكن لا أستطيع التحمل أكثر.
دخلت كلية الطب برغبة مني، أكملت نصف الفصل الأول باجتهاد وحماس، وكنت من الطلبة المتفوقين، أتميز بذكاء حاد، رياضي، ورغم كرهي للحفظ إلا أنني كنت أحفظ الأعضاء بتفاصيلها 3d، كنت جدا فخورا بنفسي وبدراستي.
في منتصف الفصل الأول بدأت أحس بثقل وآلام في الرأس، وأصبحت كسولا، والدراسة أصبحت مملة، صرت أحتقر ذاتي، وذكائي صفر، وعقلي صفحة خالية لا أكاد أحفظ أي شيء، ودائما أفضل الأمور الجاهزة، لا أحب أن أتعب عقلي، وإذا قمت بشيء يحتاج الذكاء فإن قلبي ينقبض وأحس بضيق وتثاؤب شديد، لا أعرف ما علاقة التثاؤب في عمل العقل! لكن هذا ما يحدث، فأنسحب فورا وأعود لحالة الراحة.
كانت لدي رغبة شديدة في النوم طوال النهار، كنت أحب النوم ودائم النعاس، لكن حالتي خفت قليلا، وصار نومي مضطربا، أنام نهارا وأسهر ليلا.
صرت أتعامل مع الأمور بشكل غبي جدا، طريقة كلامي تغيرت، أصبحت كثير التوقف والتأتاة في الكلام، حتى أحيانا أفكر في ما سأقوله وأحفظه خوفا من الإحراج، وازدادت حدة عزلتي الاجتماعية، صرت أخاف من الكلام مع أي شخص خوفا من أن ينعتني بالغبي، أواجه مشاكل كبيرة في التركيز واستغرق وقتا طويلا في فهم موضوع بسيط، هل أصبحت بهذا السوء؟ هل توجد مشكلة في رأسي مثل السرطان؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Hicham حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أسأل الله لك العافية والسداد.
أنت كما ذكرت كنت متميزا من ناحية الأداء الأكاديمي، وبعد ذلك حدث لك هذا التدهور المفاجئ والذي هو ناتج من الشعور الشديد بالإجهاد النفسي والجسدي، وافتقاد الرغبة والدافعية نحو التحصيل الجيد.
هذه الحالات المفاجئة لا بد أن يكون لها سبب، مثلا: الإصابات الفيروسية البسيطة قد تؤدي إلى ظواهر مثل التي أصابتك، مثلا نعرف تماما أن كثيرا من الناس بعد نوبات البرد والإنفلونزا يصابون بحالات اكتئابية وإجهاد جسدي شديد، هذا من ناحية.
من ناحية أخرى ربما يكون حدث لك اكتئاب نفسي من النوع البسيط، وبما أن حماسك وتحصيلك الأكاديمي سقفه عال جدا؛ فمجرد أقل اضطراب في مزاجك وانخفاضه يؤدي إلى المزيد من الشعور باللافعالية والضعف النفسي والضعف الجسدي، وكذلك قلة التركيز.
ليس هنالك أي مؤشر أنه لديك سرطان أو شيء من هذا القبيل، وليس هنالك غباء، فمقدراتك محفوظة معروفة موجودة؛ لكنها اختبأت قليلا، ويمكنك حقيقة أن تخرجها وأن تستفيد منها، والتغيير يأتي منك أنت، {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
أنا أعتقد أنك من الأفضل أن تذهب إلى الطبيب، تجري فحوصات عامة، تتأكد من مستوى الدم لديك – أي مستوى الهيموجلوبين – ومستوى الدم الأبيض، ومستوى السكر، ووظائف الكلى، والكبد، ووظائف الغدة الدرقية، مستوى فيتامين (ب12)، وفيتامين (د)، هذه فحوصات أساسية جدا، لأن أي خلل مثلا: كفقر الدم/الأنيميا، نقص فيتامين (د)، ربما تكون له بعض التبعات النفسية والجسدية السلبية.
فإذا التأكد من وضعك الطبي مهم، أنا لا أتخيل أو أتصور أن هنالك سبب عضوي أساسي أبدا، لكن التعاليم الطبية الراشدة والقائمة على الكفاءة العالية والدليل تحتم الفحص الطبي الجسدي أولا.
وبعد أن يتضح أن كل شيء على ما يرام، أو إذا كان هنالك أي نقص في أي شيء سوف يقوم الطبيب بإعطائك العلاجات التعويضية. بعد ذلك يجب أن تقتنع، وأنك يجب أن تشد أزرك، وأن ترفع من سقف طموحاتك مرة أخرى.
وأول الخطوات التي تقوم بها هي: حسن إدارة الوقت، يجب أن تتجنب النوم النهاري تماما، تعتمد على النوم الليلي، تمارس رياضة، ممارسة الرياضة مفيدة جدا، ترتب غذاءك وطعامك، وحاول أن تقرأ قراءة جماعية مع بعض الأصدقاء، طبعا تحتاج للقراءة الفردية، لكن الدعم النفسي والأكاديمي يمكن أن يأتيك من خلال الأصدقاء.
ودائما ضع أمام ناظريك أن مقدراتك وفعالياتك موجودة، لم تذهب عنك أبدا، إنما أصبحت كامنة وخاملة.
أيها الفاضل الكريم: الصلاة يجب أن تكون في وقتها، الدعاء، تلاوة القرآن، بر الوالدين، وأن ترفه عن نفسك بشيء طيب وجميل، هذه كلها معينات علاجية، وأنا أعتقد أن هذا النمط من الحياة سوف يجعلك -إن شاء الله تعالى- تتحسن قريبا وقريبا جدا -إن شاء الله تعالى-، ولا قدر الله إن لم يحصل تحسن ففي هذه الحالة يجب أن تقابل طبيبا نفسيا، لأنك قد تحتاج لوصف أحد محسنات المزاج.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.