السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكركم جدا على هذا الموقع الرائع، جعله الله في ميزان حسناتكم.
أنا فتاة أبلغ من العمر 33 سنة، من المغرب، أعاني من خوف شديد، عندما تأتيني أي فرصة دراسة أو عمل لا أستطيع الذهاب، وإذا ذهبت يأتيني ذلك الخوف، وخصوصا الشعور يكون في المعدة، وعندما أترك الدراسة أو العمل أشعر بالراحة، لم أستطع أن أحقق أي نجاح في حياتي بسبب الخوف، وثقتي بنفسي منعدمة.
الآن أريد أن أجتاز الباكالوريا، فكلما اقتربت حصة الدرس أشعر بخوف شديد، والمشكلة أني لم أعد أفهم ولا أستوعب ما يقال في الدرس، أبذل مجهودا كبيرا كي أفهم.
وأعاني أيضا من أني لا أستطيع المواجهة ولا أن أخرج وحدي، وحتى إن خرجت لا أكون مرتاحة، لا أعلم ما الذي يجب علي فعله!
أنا أريد أن أغير من حالي؛ لأني تعبت جدا، أتمنى أن تساعدوني، وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هاجر حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك عزيزتي، ونشكر ثقتك بنا.
إن ما تعانين منه من (خوف شديد من مواجهة الناس، وعدم القدرة على الخروج من البيت وحدك، وعدم الشعور بالراحة أثناء التواجد مع الآخرين، وضعف ثقتك بنفسك، وضعف في التركيز أثناء المواقف الضاغطة اجتماعيا، وعدم القدرة على مواجهة الناس والمواقف الحياتية بمفردك، وأعراض جسدية مثل ألم في المعدة) كل هذا يندرج تحت ما يسمى الرهاب أو الخوف الاجتماعي.
والرهاب الاجتماعي يحدث عندما يتحدث الإنسان أمام الناس، حيث يحمر وجهه وترجف يديه، ويعرق جسمه، وينشف ريقه، ويشعر وكأن الأرض ستبتلعه، وكلما ركزت الناس عليه أكثر، كلما تلبك أكثر، وهذا الرهاب يجعل صاحبه يفسر كل شيء بطريقة سلبية تؤدي إلى هدم ذاته وثقته بنفسه تدريجيا.
كنت أتمنى منك لو أنك حاولت سابقا الاستشارة وعلاج مشكلتك، فمن الواضح لي أن لديك هذه المشكلة منذ فترة طويلة، قد تعود إلى الطفولة أو المراهقة ولم تعالجينها حينها، مما جعلها تتفاقم وتشتد مع مرور السنوات وتؤثر على جميع جوانب حياتك.
حيث أرى أن مشكلتك درجتها شديدة وخاصة أنها وصلت لمرحلة تؤثر على إنتاجيتك في الحياة، وتعرقل كافة الجوانب المهنية والدراسية والشخصية، وكما ذكرت في رسالتك "لم تتمكني من تحقيق أية نجاح".
هناك بعض العوامل التي تؤدي إلى تفاقم مشكلة الرهاب الاجتماعي لدى صاحبها، والتي أرى أنها موجودة لديك، وهي:
- ضعف الثقة بالنفس، أي أن يكون الإنسان يستمد ثقته بنفسه من الآخرين وليس من ذاته، وهذا يضعف احتكاكه مع الآخرين والمواقف الاجتماعية، مما يزيد من الطين بلة، أي تضعف ثقته بنفسه أكثر وأكثر.
- من الأمور والمشكلات النفسية المرتبطة بالرهاب الاجتماعي أيضا هي سمات الشخصية التجنبية، التي قد تكون لديك أيضا، إن كنت تشعرين دائما بالنقص والدونية أمام الناس، ولا تتكلمين حتى تشعرين نفسك مقبولة من الآخرين، فالفارق بين الرهاب الاجتماعي ونمط الشخصية التجنبية أن من لديهم رهابا اجتماعيا يتسمون خارج المواقف الحياتية المتعلقة بمواجهة الناس بالراحة وبسمات وسلوكيات سوية طبيعية، أي أن مشكلتهم بالتلعثم والخجل والخوف تظهر حين مواجهة مجموعة من الناس، وهذا يجعلهم يتجنبون أية موقف فيه احتكاك مع الآخرين، أما أصحاب الشخصية التجنبية فيعانون من أعراض (تجنب الناس، والإحساس بالنقص والدونية، وضعف الثقة بالنفس، وبأنهم غير مقبولين حتى يثبت العكس) في جميع الأوقات، سواء داخل مواقف مواجهة الناس أو خارجها.
دعيني هنا أخبرك أن نمط التربية وأسلوب التعامل الوالدي في الطفولة "وخاصة النقد المتكرر" يلعب دورا هاما في نشوء هذه المشكلة لديك، أي إن مشكلة الخوف الاجتماعي هي متعلقة بطريقة التربية وهذا ما يجعلها مكتسبة، وبالتالي إن التغلب عليها أمرا ممكنا، إن عزم الشخص على مواجهتها وعلاجها بخطوات جدية.
وهذه بعض الاقتراحات العلاجية:
* الفهم العميق للمشكلة: أي أن تقرئي جيدا الكتب التي تتكلم عن الموضوع، فمن أهم عوامل نجاحنا في التغلب على أية مشكلة نفسية لدينا هي أن نفهم معاناتنا وطبيعة مشكلتنا.
* الذهاب لأخصائي نفسي ممارس: للبدء بالعلاج النفسي، ومن أهم وأنجح علاجات الرهاب والخوف والأكثر فاعلية هو العلاج المعرفي السلوكي، وهو ينقسم إلى شقين:
- الجانب المعرفي: يعالج التشوهات الإدراكية والمعرفية لدى الإنسان والتي تجعل تصوره لنفسه ناقصا ومتدنيا، من خلال تسليط الضوء والتعرف على الأفكار السلبية التي تستحوذ على تفكيره، والتي تؤثر على تصرفاته ومشاعره، واستبدالها بأفكار أكثر إيجابية مما يمكنه من إعادة تصوره لنفسه بطريقة توكيدية وإيجابية.
- الجانب السلوكي: وذلك من خلال:
* تعريض الشخص لتجارب جديدة تعزز من ثقته بنفسه، إضافة إلى تعريضه تدريجيا (من حيث عدد الناس ومدة التعرض، وأن يتعرض لمجموعة من الأفراد لا يعرفونه ولا يعرفهم لكي لا يكون لديهم حكما مسبقا عليه) للمواقف التي يخافها، مع مراقبة أفكاره وتصرفاته، وهذا التعرض التدريجي بإشراف الأخصائي النفسي سيخفف من أثر الرهاب لديه، بل سيعزز من ثقته بنفسه مع الوقت.
* تدريب الشخص على مهارات الثقة بالنفس، من خلال تدريبه على مهارات الإلقاء ومهارات توكيد الذات، وأيضا تدريبه على المظاهر الجسدية للثقة بالنفس (نبرة الصوت، سرعة الكلام، طريقة الجلوس، طريقة النظر إلى عيون الآخر، التركيز على مضمون الكلام وليس نظرة الآخرين لكلامه)، وأيضا العمل على تعديل بعض السمات الشخصية إن كانت لديه شخصية تجنبية أو قلقية.
- أحيانا بعض الحالات الشديدة تتطلب تدخل دوائي من قبل الطبيب النفسي إن رأى ذلك ضروريا ومفيدا بعد تقييمه الكامل لحالتك، فهي تحسن من ظروف العلاج وتزيد من فاعلية العلاج المعرفي السلوكي، وتجعل الإنسان أكثر تحكما بالأعراض الجسدية التي تنتابه.
أخيرا: أنا متأكدة أن لديك من الطموحات والأهداف الخاصة بك وبحياتك التي تتمنين أن تحققيها وتعيشيها، وإن معاناتك تعيقك وتحرمك من أن تعيشي حياتك كما ترغبين وكما تستحقين، لذا أتمنى منك عزيزتي أن لا تسمحي للموضوع أن يأخذ من حياتك أكثر مما أخذ، وأن تباشري بأقرب وقت بالذهاب إلى أخصائي نفسي متمكن ليقوم بالتشخيص الدقيق، ومن ثم تبدئين معه الخطوات الجدية للعلاج، ولا تنسي أن المشكلة مكتسبة وبالتالي علاجها ممكن جدا ويتوقف على رغبة الإنسان وإرادته.
ختاما: أتمنى أن أكون قد أفدتك بإجابتي، ولا تترددي في مراسلتنا مجددا في أي وقت تشائين.
دمت بحفظ الله.