أشعر بحزن وتعب من الحياة وصديقاتي لا يفهمنني!

0 22

السؤال

السلام عليكم.

أنا فتاة بعد الثانوية اكتشفت أن الصديقات اللاتي كن معي لا يفهمنني، ولم أجد أمورا مشتركة لنصبح صديقات فابتعدت عنهن، وفي الفترة التي تلت ذلك وجدت أن من صغري أعاني من هذه المشكلة، ففي المتوسط تقريبا بعدما افترقنا أنا وصديقتي الوحيدة انتقلت لبلدة أخرى.

مشكلتي أن لا أحد يفهمني ولا أستطيع التعبير عما في نفسي من حزن أو فرح، ولا أثق بأي شخص مهما كان، ولا أجلس مع أحد وأحادثه، وإن جلست مع أحد عائلتي -أسرتي الصغيرة، لأنني في غربة وليس لدي بنت عم أو خال تكون صديقتي- يكون الكلام شكوى أو نكدا أو غيبة الآخرين وسبهم لدرجة أني تعبت جدا، وأبكي وأنا أكتب الرسالة، وأبكي بما يزيد عن الساعة في غرفتي وحدي؛ لأني لا أحب أن يتعاطف معي أحد، أو أن يعرف أحد ما يدور في خاطري، وأبقى حزينة وغير مستمتعة بالحياة بعدها يومين أو ثلاثة، وتتكرر هذه الحالة في الشهر 3 مرات.

دائما أشعر بالخوف وليس بالدفء، فإن رتبت وطبخت مع أمي تمدحني، وإن تكاسلت يوما تنسى أني تعبت يوما ما، وأشعر بهذا الشعور دوما أن كل الناس كذابون ولا يحبون غير أنفسهم، أرجو الحل.

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ميم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك عزيزتي.

مشكلتك هي أنك لست منفتحة على الآخرين بالإفصاح عما بداخلك من مشاعر، إضافة إلى ضعف ثقتك بالآخرين، مع شعورك المتكرر بالحزن وعدم القدرة على الاستمتاع بالحياة.

بداية: دعيني أخبرك أن بحثنا عن سبب أية مشكلة نفسية نعاني منها هو نصف الحل تماما، فمن دون إدراكنا للسبب نصبح وكأننا نتخبط عبثا، أو كأننا نهدر طاقتنا ونمشي في مكاننا بحثا عن حل؛ لذا إدراكنا للسبب يجعلنا نضع خطة جيدة وخطوات علاجية مناسبة لمشكلتنا وتعالج السبب الذي أدى بنا إلى الحالة التي نحن عليها الآن.

وإن خبرات الطفولة ونمط التربية التي يتلقاها الإنسان يلعبان دورا هاما في تكوين شخصية الإنسان عند الكبر، وما تمتاز به من سمات؛ لذا برأيي أن كل ما تشعرين به يعود أسبابه إلى هذين العاملين، إضافة إلى أسلوب التعامل الوالدي وطبيعة الروابط بين أفراد أسرتك مع بعضها.

لا أستطيع الجزم حول ما هي الأسباب تحديدا التي تنطبق على حالتك، وما هي الأحداث التي جرت معك سابقا وأثرت عليك إلى الآن لهذه الدرجة، فأنت لم تشاركينا أية معلومات حول طفولتك، ولكن أستطيع التخمين حول سبب كان واضحا لي في كلماتك، وهو: الحب المشروط الذي لمسته في نمط معاملة والدتك معك، من خلال جملتك (فإن رتبت وطبخت مع أمي تمدحني وإن تكاسلت يوما تنسى أني تعبت يوما ما)، ولا أخفيك أن بعض الأهالي قد يقعون في هذا الخطأ دون قصد منهم، ولكن تبعات الأمر على نفسية الطفل بلا شك سلبية، من فقدان الأمان والشعور بالخوف وضعف الثقة بالنفس.

ولكن ما يهمنا الآن هو أنك كبرت وأصبح لديك وعيك الخاص بك واستبصارك بنفسك، فهذا سيكون لك خير عون في تقوية نفسك وترميم نقاط الضعف لديك، لذا أتمنى منك أن تختلي مع نفسك بالتفكير، وتحاولي البحث عن سبب معاناتك الحالية؛ فهذا سيساعدنا بإيجاد حلول أكثر عملية ومجدية.

حاولي أن تراقبي أفكارك السلبية التي تأتي إلى ذهنك المترافقة لنوبات الحزن وفقدان المتعة التي تنتابك ثلاث مرات في الشهر، فهذه الأفكار هي ما يهمنا في العلاج، فالأفكار الداخلية السلبية التي لدينا تكون بمثابة المحرك الأساسي لحالتنا المزاجية ولتصرفاتنا وردود أفعالنا، لذا حين إدراكنا لها نأتي إلى الخطوة التي تليها، وهي معالجتها من خلال مناقشتها وإضعاف صحتها، وإبدال محلها أفكار أخرى تكون أكثر صحة وإيجابية، وهذه العملية يقوم بها الأخصائي النفسي المتمرس من خلال تطبيقه للعلاج المعرفي السلوكي، والذي يعتبر من أكثر العلاجات فاعلية في حالات الحزن.

لذا بإمكانك -عزيزتي- إن وجدت صعوبة في تطبيق ذلك بنفسك أن تذهبي لأقرب أخصائي نفسي ثقة ومتمكن؛ ليساعدك في عملية الغوص بداخلك لمعالجة أفكارك المسيطرة ومسببات الحزن لديك.

من جهة أخرى أريدك أن تعرفي أنك بغض النظر عن السبب، إلا أنه أصبح بإمكانك الآن مساعدة نفسك لتتجاوزي مشكلتك وتخرجي نفسك من معاناتك، من خلال:

- اعترفي مع نفسك أن المشكلة لديك هي بإصدارك للأحكام المسبقة، مثل:
(لن أثق بأحد، أيا كان)
و(لا أجلس مع أحد وأحادثه)
و(لا أحد يفهمني ولا أستطيع التعبير عما في نفسي)
أي في الجمل السابقة أنت حكمت مسبقا على
(نمط تعاملاتك وعلاقاتك البشرية)
و(إلغاء مبادراتك مع الآخرين)
و(نتيجة تعاملك مع الآخرين) دون أن تبدئي من الأساس!

لذا الحل هو(عدم التعميم + المبادرة).

لا تنتظري أحدا، بل بادري أنت بنفسك بالتواصل مع الآخرين، وذكري نفسك دائما أنك غير راضية عن وضعك الحالي وأنك تستحقين تماما فتح صفحة جديدة تعبر عن رغبتك الحالية بالتغيير.

وأيضا ذكري نفسك بأن خطأ التعميم هو خطأ فكري غير منطقي، منتشر جدا بين الناس، ولا يدفع ثمنه سوى صاحبه، فهو من يخسر الخوض بمزيد من التجارب الحياتية والاستفادة منها، فقط لأنه اكتفى بتجربة واحدة ونتيجة واحدة وقالب واحد وعممه على كل الناس! كما حدث معك (كل الناس كذابون ولا يحبون غير أنفسهم)، وأعيد القول: ذهابك لأخصائي نفسي أو مرشدة نفسية سيفيدك كثيرآ في موضوع معالجة الأفكار الخاطئة لديك، فلا تترددي في هذه الخطوة مع نفسك.

ختاما: أتمنى أن أكون قد أفدتك، وأدعو لك بكل التوفيق، لا تترددي في مراسلتنا مجددا عندما تشائين، في أمان الله.

مواد ذات صلة

الاستشارات