السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني منذ شهر ونصف تقريبا إلى شهرين من وسواس صعب، والعياذ بالله.
أنا شاب متدين -ولله الحمد- أصبحت الآن في أقرب حال ممكن من المنان سبحانه وتعالى، حيث أصلي جميع الفروض -ولله الحمد- وأصلي ما أستطيع من فروض فائتة، لأني كنت منقطعا عن الصلاة لفترة طويلة، وبدأت أقرأ القرآن الكريم ولله الحمد.
بدأ هذه الوسواس بالأسئلة الوجودية مثل من هو الله سبحانه وتعالى؟ ومن الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم؟ وهكذا من أسئلة ووسواس أخرى بأن الشيطان حبيبي، والعياذ بالله وهكذا من الوساوس، تغلبت عليه بكثرة القراءة وإجابة الأسئلة التي كان يوسوس لي الشيطان الرجيم بها.
المشكلة أنه أحيانا كثيرة جدا لا أستطيع التركيز في الإجابة، وأخاف الوقوع في الشرك.
ارتحت قليلا بعد الانظباط في الصلاة، ولكن عاودتني هذه الوسواس من جديد، وللعلم أنا لا زلت أصلى، ولله الحمد.
استمعت إلى جزء من الرقية الشرعية للقارئ محمد جبريل -حفظه الله- كما أشرتم مسبقا في فتاوى عدة، ولاحظت بعض الأشياء، مثل: زيادة الحرارة في الجسم والتعرق وخفقان في القلب ومن بعد إيقاف التسجيل أشعر بعدم التركيز وصداع خفيف.
ما هو تفسيركم؟ لأني خائف من الكفر، والعياذ بالله؟
أيضا خائف من إكمال الرقية أن يحصل لي أشياء مثل أن يتكلم الجني، والعياذ بالله.
قبل الإصابة بهذه الوسواس، أصابني وسواس آخر منذ فترة أطول، حيث يربط لي الشيطان الرجيم أي شيء سيء من كلام مسموع على سبيل المثال بالمنان سبحانه وتعالى!
شكرا جزيلا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هشام حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك أخي الكريم، وردا على استشارتك أقول:
الحمد لله الذي من عليك بالاستقامة على دينه ووفقكم لأداء الصلاة وتلاوة القرآن الكريم، فالاستقامة على الدين مفتاح كل خير في حياة المسلم.
اعلم أن الشيطان حريص جدا على إفساد حياة المؤمن خاصة إن كان في ضلال ثم استقام على أمر الله تعالى فإن ذلك يزيد عداوة الشيطان لذلك التائب كونه خسر شخصا من حزبه.
الشيطان لا يترك أحدا من وساوسه، حتى إنه لم يترك أصحاب رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، وهم خير هذه الأمة بعد نبيها، فقد جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان).
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم لما ذكر هذه الأحاديث ما نصه: (أما معاني الأحاديث وفقهها: فقوله: ذلك صريح الإيمان ومحض الإيمان معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان، فإن استعظام هذا وشدة الخوف منه ومن النطق به فضلا عن اعتقاده إنما يكون لمن استكمل الإيمان استكمالا محققا، وانتفت عنه الريبة والشكوك.
كذلك (أتى عثمان بن أبي العاص النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثا، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني).
على المؤمن ألا يبين ضعفه للشيطان الرجيم لأن الشيطان إن أحس بضعف المؤمن افترسه بوساوسه، وعلامة الضعف أن يصغي المؤمن للوساوس وأن يحاورها ويسترسل معها، ويجيب عليها أيا كانت هذه الإجابات، والعلاج الصحيح هو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فور ورود الوساوس، ولهذا وردت التوجيهات النبوية لهذه الأمة في اتقاء الوساوس، فقال عليه الصلاة والسلام: (يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا؟ حتى يقول له من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته) وفي رواية: (فمن وجد ذلك فليقل آمنت بالله) فانظر ماذا كان التوجيه (فليستعذ بالله) أي يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قال: (ولينته) أي يقطع الوسواس ولا يتحاور معه وهذا يدل على ضرورة الإعراض عن هذا الخاطر الباطل والالتجاء إلى الله تعالى في إذهابه.
قال الإمام المازري رحمه الله ظاهر الحديث أنه أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها، والرد لها من غير استدلال، ولا نظر في إبطالها، قال: والذي يقال في هذا المعنى أن الخواطر على قسمين، فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهي التي تدفع بالإعراض عنها، وعلى هذا يحمل الحديث وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمرا طارئا بغير أصل دفع بغير نظر في دليل إذ لا أصل له ينظر فيه، وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال والنظر في إبطالها، والله أعلم.
أما قوله: فليستعذ بالله ولينته فمعناه إذا عرض له هذا الوسواس فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره عنه وليعرض عن الفكر في ذلك، وليعلم أن هذا الخاطر من وسوسة الشيطان وهو إنما يسعى بالفساد والإغواء فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها بالاشتغال بغيرها، والله أعلم.
قال الحافظ في الفتح، في الكلام على حديث أبي هريرة المذكور في أول هذا الجواب ما نصه: قوله: من خلق ربك فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته أي عن الاسترسال معه في ذلك، بل يلجأ إلى الله في دفعه، ويعلم أنه يريد إفساد دينه وعقله بهذه الوسوسة، فينبغي أن يجتهد في دفعها بالاشتغال بغيرها.
قال الخطابي: وجه هذا الحديث أن الشيطان إذا وسوس بذلك فاستعاذ الشخص بالله منه، وكف عن مطاولته في ذلك اندفع، قال: وهذا بخلاف ما لو تعرض أحد من البشر بذلك فإنه يمكن قطعه بالحجة والبرهان، قال: والفرق بينهما أن الآدمي يقع منه الكلام بالسؤال والجواب والحال معه محصور، فإذا راعى الطريقة وأصاب الحجة انقطع، وأما الشيطان فليس لوسوسته انتهاء، بل كلما ألزم حجة زاغ إلى غيرها إلى أن يفضي بالمرء إلى الحيرة، نعوذ بالله من ذلك.
(يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته).
لا تحتاج أن تصلي الصلوات الفائتة إذ لم يرد دليل في ذلك، ولكن يمكن أن تعوض ذلك بكثرة النوافل فتصلي ما تقدر من النوافل لأنها تكمل ما نقص من الصلوات يوم القيامة، ففي الحديث: (إن أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله) وإن نقص من ذلك يقول الله: (انظروا هل لعبدي من نوافل فكملوا بها صلاته).
اجعل لنفسك وردا يوميا من القرآن، كأن تقرأ جزءا وتقسمه إن شئت فتقرأ بعد كل صلاة ورقتين، فإن فعلت ذلك والتزمت فستختم الجزء بعد صرة العشاء إن شاء الله تعالى.
علاج الوساوس التي تكون حول وجود الله أن تقطع تلك الوساوس فور ورودها، وتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم تقول ما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم: (آمنت بالله الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد)، وإن وسوس لك فقال: (من هو رسول الله)؟ فالجواب يكون، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهكذا إن قال لك إن الشيطان حبيبك، فالدواء يكون بالاستعاذة.
أما إن أصغيت له فلن يتركك، وإن تحاورت معه أو رددت عليه فلن يتركك، لأنه كلما أجبته أتاك بسؤال ووسواس أخرى، وهكذا إلى ما لا نهاية له، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ولينته).
واظب على أداء الصلاة في أول وقتها وفي جماعة، وواظب على أذكار اليوم والليلة فإن في ذلك إعانة لك على دفع الشيطان الرجيم، فالشيطان ينفر من الذاكر لله تعالى، يقول سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس).
أفضل الرقية أن ترقي نفسك بما تيسر من الآيات القرآنية والأدعية المأثورة صباحا ومساء، ثم تنفث في كفيك وتمسح ما تيسر من جسمك، وأما استماع الرقية المسجلة وما تجد من خفقات القلب والحرارة والتعرق والصداع فقد يكون ناتجا عن الحالة النفسية المسبقة من الخوف أن يكون فيك مس، وربما سمعت ما يحدث للبعض أثناء الرقية، فهذا لا يمكن تفسيره بأنك تعاني من المس، لكن الأمر الذي لا شك فيه أنك تعاني من الوسواس، وعلاجه يسير إن اتبعت التوجيهات التي ذكرت لك.
تضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد لله، وسل ربك أن يصرف عنك الشيطان ووساوسه، وأكثر من دعاء ذي النون (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
الزم الاستغفار وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
نسعد بتواصلك ونسأل الله لنا ولك التوفيق.
23