أعاني من الوسواس القهري في الإخلاص، فما علاج ذلك؟

0 34

السؤال

السلام عليكم

الحمد لله هداني الله إلى الحق بفضله، وصار قلبي متعلقا بالله، وبتدبيره لأموري، صرت أفوض أمري إلى الله في كل شيء، لكني أعاني من وسواس قهري في مسألة إخلاص العمل.

أنا حاليا أتابع حالتي مع طبيب نفسي، والحمد لله تحسنت كثيرا، وتغلبت على كثير من الوساوس، لكن الشيطان عدو الله يحاول دائما إفساد إخلاصي في العمل، فتجدني أبالغ في الحذر والخوف من الوقوع في الرياء، حيث يلقي في نفسي أفكارا بكوني أفعل هذا أو ذاك العمل من أجل الناس، أو من أجل سماع كلمات الإطراء، وغير ذلك، فأتعوذ بالله، وأكثر من قول: لا إله إلا الله، وأقرأ سورة الإخلاص والكافرون.

سؤالي: هل أنا مخلص لله؟ وكيف أتغلب على هذا الأمر؟ وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا.

تمسكك بحبل الله المتين لا شك أنه أفضل السبل للتخلص من الوسواس، وتأخذ – يا أخي – بالأسباب كاملة، وأنت قد فعلت ذلك، جزاك الله خيرا، حيث إنك تراجع الطبيب النفسي، ولا بد أن تلتزم بالعلاج الدوائي الذي وصفه لك الطبيب، لأن هذا النوع من الوساوس – وهي الوساوس الفكرية – تستجيب للأدوية بصورة ممتازة جدا، وذلك بجانب العلاجات السلوكية.

أخي الكريم: الوسواس يجب أن تحقره من بداياته، لا تدع الفكرة تتجسد وتكتمل وتتحول إلى صورة ذهنية، في بداياتها وهي خاطرة خاطبها قائلا: (أنت فكرة وسواسية حقيرة، أنا لن أهتم بك) وهكذا، وتردد هذا ويكون لك يقين تام به.

أيضا العلاجات المنفرة، دائما نحن ندعو الناس إليها، علاجات النفير مفيدة جدا. مثلا: تستجلب الخاطرة الوسواسية دون أن تخوض فيها، وفي نفس الوقت تقوم بإدخال تفاعل نفسي مرفوض بالنسبة لك، مثلا: أن تضرب يدك بقوة وشدة على سطح طاولة حتى تحس بالألم، علماء السلوك وجدوا أن الاقتران ما بين الألم والفكرة أو الخاطرة الوسواسية يضعف الوسواس.

كذلك تقوم مثلا بشم رائحة كريهة، وتستجلب الخاطرة الوسواسية، وهكذا، أو تقوم بوضع الرباط المطاطي للأوراق المالية، تقوم بوضعه حول رسغك، وتقوم بجذبه بشدة ثم إطلاقه ليقع عليك الألم، وفي ذات الوقت تأتي بالخاطرة الوسواسية.

هذه التمارين تكرر عدة مرات، ونجاحها مضمون جدا إذا طبقها الإنسان بطريقة صحيحة.

من المهم جدا أيضا ألا تترك مجالا للفراغ، تصرف انتباهك عن الوسواس من خلال أن تشغل نفسك بما هو مهم، الفكر الإنساني دائما موجود في طبقات، ومن المفترض أن نجعل الأشياء المهمة في الطبقات العليا، لكن بكل أسف بعض الذين يهيمن عليهم الوسواس أو يندمجون مع الوسواس ويحاورون الوسواس ويكون الوسواس مثيرا لفضولهم؛ هؤلاء تجدهم وضعوا الوسوسة في الطبقة العليا من الأفكار، لا، دعه يكون في الطبقة الدنيا جدا، واجعل لنفسك خارطة يومية زمنية تدير بها وقتك، والأشياء المهمة كلها تعطيها الأهمية والسبق على فكرة الوسوسة.

أخي الكريم: ممارسة الرياضة وجد أنها مفيدة جدا، رياضة المشي في مثل عمرك ممتازة، تطبيق تمارين استرخائية، أنا متأكد أن الطبيب النفسي قد دربك على هذه التمارين، يجب أن تطبقها.

بالنسبة لسؤالك: هل أنا مخلص لله؟ أنا أراك مخلصا جدا يا أخي، وبارك الله فيك يا أخي، أنت لست في حاجة لأن تكون منافقا أبدا، حاشا لله يا أخي الكريم، لكن تأثير الوسواس هو الذي يجعلك تفكر في هذا، وأنا سأحيل سؤالك هذا على أحد المشايخ جزاهم الله خيرا ليفيدك أكثر في هذا السياق.

الذي أعرفه – يا أخي – أن هذه الوساوس هنالك جوانب خناسية فيها، لكن هنالك أيضا جوانب طبية فيها، لذا الدواء مهم ومفيد في ذلك تماما.

الوساوس أصابت أفضل القرون، أصابت بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واشتكى أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حول هذه الوساوس، وقد بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمور التي تأتي الإنسان هي من صميم الإيمان، وقال: (ذاك صريح الإيمان)، وأمر من يأتيه مثل هذه الوساوس أن يقول: (آمنت بالله)، وأمره بالاستعاذة منها وأمره بالانتهاء، فقال: (فليستعذ بالله ولينته)، بمعنى ألا يعطيها أي اهتمام بل ينتهي عنها.

أنا أريدك أن تقول: (آمنت بالله، آمنت بالله) بيقين قاطع، وكرر ذلك كثيرا، وأكثر من الاستغفار، وأكثر من الاستعاذة بالله من الشيطان، وأكثر من ذكر الله، وستنتهي عنك هذه الوساوس.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وأسأل الله لك التوفيق والسداد.

+++++++++
انتهت إجابة د. محمد عبد العليم، استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
+++++++++


مرحبا بك – أخي الكريم – في استشارات إسلام ويب. نسأل الله تعالى أن يعجل لك بالعافية، وأن يصرف عنك هذه الوساوس.

قد أفادك الأخ الفاضل الدكتور محمد بما فيه نفع كبير لك من الناحية الطبية ومن الناحية الإيمانية أيضا، ونزيدك – أيها الحبيب – أمورا تدعو الحاجة إليها.

أولا: اعلم جيدا أن فرح الإنسان إذا عمل العمل الصالح لا يعني أنه غير مؤمن، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سرته حسنته وساءته سيئته فذلك هو المؤمن)، والحديث رواه الترمذي.

فرح النفس بما تفعله من الطاعات إنما اقتضى ذلك الفرح الإيمان، فلا ينبغي أن يدخل الشيطان من هذا الباب ليكدر عليك حياتك.

ثانيا: إذا عمل الإنسان العمل من الخير وأثنى عليه الناس ومدحوه فهذا لا يضر إخلاصه أيضا، وفرحه أيضا بهذا لا يضر إخلاصه، ما دام إعمال العمل من أجل الله وابتغاء الثواب من الله تعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث عن أبي ذر، قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير، ويحمده الناس عليه؟ قال: (تلك عاجل بشرى المؤمن) والحديث رواه مسلم وأحمد وغيرهما.

الناس قد يمدحونك على الفعل والعمل وقد تفرح أنت بهذا المدح وهذا لا يضرك في إخلاصك، ولا يعني أنك غير مخلص، المطلوب أن تعمل العمل ابتداء تريد به ثواب الله تعالى.

الأمر الثالث: اعلم جيدا أن السلف قد قالوا: (العمل من أجل الناس شرك، وترك العمل من أجل الناس رياء)، فلا يدخل الشيطان عليك من هذا الباب ويحاول أن يثبطك عن العمل الصالح حتى لا تقع في الرياء، المجاهدة المطلوبة منك هي أن تعمل وأن تجاهد نفسك على أن تعمل من أجل الله تعالى.

نحن لم نر في استشارتك إلا ما يدل على أنك على الخير إن شاء الله، وأنك تخاف من الرياء وتخاف من السمعة، وهذا الخوف من الرياء والسمعة دليل على وجود الإخلاص، ونسأل الله أن يرزقنا وإياك الإخلاص.

مما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء في الصباح والمساء، أن يقول الإنسان: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم)، وهذا دعاء عظيم يطرد به ما قد يقع في النفس من حب الرياء وحب السمعة.

هذه بعض الإرشادات التي تنفعك في هذا المقام، مؤكدين على ما قاله لك الأخ الفاضل الدكتور محمد من مدافعة هذه الوساوس بالاستعاذة بالله تعالى عندما تهاجمك، والإكثار من ذكر الله تعالى، وتحقير هذه الوساوس، وعدم الالتفات إليها، والمبالاة بها، مع الأخذ بالأسباب المحسوسة من الأدوية، وفي ذلك إن شاء الله شفاؤك ودواؤك.

نسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل سوء.

مواد ذات صلة

الاستشارات