السؤال
السلام عليكم ورحمة الل وبركاته.
عندي إشكالية مستمرة معي لمدة تجاوزت السنة، وهي عدم استطاعتي النوم أثناء الليل أو نوم متقطع يرافقه كوابيس وهواجس، غالبا ما يخالجني شعور بالوحدة والتوتر والقلق بدون أسباب، وشرود لساعات متواصلة بدون إدراك، وقلما أفكر بالماضي أو المستقبل، كأني لم أعش من قبل أو لا أعيش، وإن فكرت أستحضر ذكريات ناقصة لا أذكر منها إلا الشعور بدون تفاصيل، يغلب على طبعي كوني كتومة، وإن بحت أحس بالندم بنفس الدقيقة بشكل مبالغ فيه.
عند شعوري بالضيق يصعب علي التنفس بشكل منتظم، حتى مع عدم إصابتي بأي مرض تنفسي، سبق وأن تعرضت للتحرش، وأثر هذا علي فترة من الزمن لكني تخطيتها، ولا أعلم إن كانت هذه أحد أعراضها المزمنة.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ R.. حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية.
وصفك لحالتك هو وصف واضح وجيد جدا، ومن خلال الذي ذكرته هو أنك تعانين من قلق نفسي عام، كل الذي ذكرته تنطبق عليه المعايير التشخيصية للقلق النفسي العام، هنالك شعور بالتوتر، هنالك شعور بالقلق، هنالك شعور بشرود ذهني، وكذلك لديك هذا الشعور بالتغرب عن الذات، قولك (كأني لم أعش من قبل، أو لا أرى أن أعيش)، هو شعور بالتغرب عن الذات، أو ما يسمى باضطراب الأنية من الدرجة البسيطة، وهو أمر مصاحب للقلق، وقطعا الكوابيس والهواجس هذه من سمات القلق النفسي، حيث إن الأفكار تتشتت وتتداخل، فكرة تأتي وفكرة تذهب دون تأصيل أي من هذه الأفكار.
صعوبة التنفس ناتجة من الانقباض العضلي الذي يصيب القفص الصدري، لأن التوتر النفسي يتحول إلى توتر عضلي، وأكثر عضلات الإنسان تأثرا هي عضلات القفص الصدري.
أيتها الفاضلة الكريمة: إن شاء الله هذه مشكلة بسيطة، وكما نقول دائما للإخوة والأخوات أن القلق طاقة نفسية مطلوبة، لأنه هو الذي يقودنا نحو النجاح، وهو الذي يقودنا نحو ارتفاع الهمة، هو الذي يساعدنا على حسن الأداء والإنجاز، لكن حين يزيد مما هو مطلوب، أو أن يصبح قلقا محتقنا، أو أن يسير في مسارات خاطئة؛ يؤدي إلى إشكالات مثل النوع الذي تعانين منه.
لا أريدك أن تعتبري نفسك مريضة، فأنت لست مريضة، هذه مجرد ظاهرة تتعلق بصحتك النفسية. طبعا موضوع التحرش أمر مسيء جدا، لكن الحمد لله تعالى أنك قد تجاوزت هذا الأمر، وأنت الآن في كامل الإدراك وفي كامل التقييم الصحيح للأمور، ولديك الاستبصار التام، وتعرفين كيف تحمين نفسك من هذه الأمور لا قدر الله.
إذا لا تنظري أبدا لما مضى، عيشي الحاضر بقوة، وهو المهم جدا.
أنا أريدك أن تعالجي نفسك من خلال أمور طبيعية ضرورية، أهمها هو: أن تحسني إدارة وقتك، من يحسن إدارة وقته يحسن إدارة حياته، ومن يحسن إدارة وقته يستفيد من قلقه ويجعله قلقا إيجابيا لا سلبيا ولا محتقنا.
من أهم الأشياء هي: النوم الليلي المبكر، أنت ذكرت أنك لا تستطيعين النوم، لكن إذا ثبت وقت النوم وكان نومك نوما مبكرا، وتجنبت السهر، وتجنبت النوم في النهار، وتجنبت تناول المشروبات التي تحتوي على الكافيين – كالشاي والقهوة والبيبسي والكولا والشكولاتة – بعد الساعة الخامسة مساء، وكنت حريصة جدا على أن تكوني في وضع استرخائي قبل النوم، تأملات إيجابية، قراءة شيء من القرآن، أذكار النوم، تفكير إيجابي حول المستقبل، هذه هي الأشياء التي يجب أن يزود الإنسان نفسه بها ليتحسن نومه، ونعرف أن النوم حاجة بيولوجية وفسيولوجية ونفسية للإنسان، وبما أن النوم أمر غريزي يجب أن ندعه يبحث عنا ولا نبحث عنه، لأن الإنسان إذا بحث نحو النوم لن يجده.
إذا هذه هي المبادئ الأساسية: إدارة الوقت، تنظيم الساعة البيولوجية ليتحسن النوم، ولا بد أن تتفائلي حول المستقبل، وحين نقول (إدارة الوقت) نعني حقيقة أن يستفيد الإنسان من وقته بصورة إيجابية، والإنسان إذا نام ليلا مبكرا واستيقظ مبكرا، وبعد صلاة الفجر يبدأ يومه؛ هنا تكون الإنجازات كبيرة وعظيمة جدا، لأن البكور فيه بركة كثيرة، وتكون النفس في حالة استرخاء وفي حالة انبساط وفي حالة تواؤم تامة مع الذات.
والإنسان حين ينجز في الصباح يجد أن الأمور قد أصبحت سهلة جدا في بقية اليوم، يؤدي ما يريد أن يقوم بأدائه بإقبال إيجابي جدا وانبساط، وتكون هنالك جودة في الأداء. فأرجو أن تتبعي هذا المنهج لأنه بالفعل مفيد، ويوجه القلق السلبي ليجعله قلق إيجابي.
أؤكد أن الرياضة دائما ممارستها مهمة ومهمة جدا، وتوجه القلق وتجعله من قلق سلبي إلى قلق إيجابي، فأرجو أن تأخذي هذا الأمر مأخذ الجد، وتستفيدي من الرياضة، كممارسة نفسية وجسدية طبيعية جدا ومفيدة للإنسان.
أيضا تمارين الاسترخاء حقيقة إذا تدرب عليها الإنسان بصورة صحيحة ودقيقة وطبقها بالتزام لا شك أنها مفيدة في حالات القلق والتوتر من النوع الذي ذكرته.
من الضروري جدا أيضا أن تتجنبي الأطعمة الدسمة ليلا، ووجبة العشاء تكون خفيفة، وتكون مبكرة. هذا أيضا يساعد على النوم الطيب والجيد والخالي من الكوابيس والأحلام المزعجة.
حتى تكتمل الوصفة العلاجية بصورة كاملة ربما يكون من الأجود أيضا أن تتناولي علاج دوائي بسيط جدا، هنالك عقار يسمى (سبرالكس) واسمه العلمي (استالوبرام) يساعد كثيرا في إزالة هذ الخوف والتوتر، والجرعة المطلوبة في حالتك هي جرعة صغيرة جدا، خمسة مليجرامات فقط يوميا لمدة شهرين.
الدواء يوجد في عبوة عشرة مليجرامات، ويوجد في عبوة عشرين مليجراما. إذا يمكن أن تحصلي على الحبة التي قوتها عشرة مليجرامات وتتناولي نصف حبة فقط، خمسة مليجرامات، يوميا لمدة شهرين، ثم تجعلينها خمسة مليجرامات يوما بعد يوم لمدة عشرة أيام، ثم تتوقفي عن تناول الدواء.
أسأل الله لك الصحة والعافية، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.