السؤال
السلام عليكم.
عمري 21 سنة، أعاني فقدان الاهتمام في كل شيء تقريبا، وتقلبات حادة واضحة في المزاج، وحالتي النفسية سيئة جدا، إضافة إلى بعض الخوف والضغط في التجمعات والتوتر الدائم، ودائما ساكت وهادئ وسرحان، فاقد للتركيز بشكل مبالغ فيه، بدأت معي هذه الحالة قبل أربع سنوات عندما توقفت عن العمل والدراسة، وأمضيت ما يقارب السنتين لا أخرج من غرفتي إلا للحاجة فقط، وأصبحت مدمنا على المخدرات والكحوليات.
مع العلم حياتي قبل هذا لم تكن جيدة، يعني تهديد الأب بترك البيت، ومشاكل عائلية لا تنتهي إلى الآن، وأعيش أشبه باليتيم!
قبل سنة من الآن قررت السفر للخارج بهدف الدراسة -الحمد لله- توقفت عن التعاطي، والتزمت دينيا ولو بشكل قليل، ولكن المشكلة أني خسرت جميع من حولي من أصدقاء وحتى العائلة، لا أتعامل معهم كثيرا ولا أحدثهم بشيء.
أنا وأبي لا نتكلم مع بعضنا إطلاقا منذ حوالي خمسة أشهر، فقط يبعث لي فلوسا من غير أي كلام ولا حرف.
مشكلتي الآن أني قد أبقى لأيام من غير طعام، أو نوم، ولا أنسجم مع أحد، وحتى الناس تتجنبني ولا أحد يتصل بي، أو يقابلني إلا إذا كان يريد شيئا مني، ولم يبق لي أحد، حاولت الانتحار عدة مرات من بينهم مرة كنت على وشك قتل نفسي لولا أني خفت وتألمت، لا يراني أحد إلا ويسألني ما لك مكتئب؟! ولماذا أنت متضايق دائما؟! مع أني لا أرى نفسي، ولكن الوضع زاد عن الحد، ولا أستطيع السيطرة عليه؛ اعتقدت أنه بعد السفر قد أتغير، ولكن التغيير الذي حصل لم يكن بشكل كبير، حياتي الآن متوقفة.
سابقا: جاء إلى البيت شيخ بحجة أني مسحور، ولكن لم أكن بهذا السوء، أفكر الآن بزيارة طبيب نفسي، فما نصيحتكم؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ يونس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية.
رسالتك واضحة جدا، وأقول لك: إن السلبيات هيمنت عليك من ناحية فكرك ومن ناحية سلوكك ومشاعرك، وفكرة زيارة الطبيب النفسي فكرة جيدة، لكن – أيها الفاضل الكريم – مهما بلغ الطبيب النفسي من قدرة ومهارة فلا أحد يستطيع أن يغيرك، أنت الذي تغير نفسك، وهنالك أشياء ضرورية لا بد أن تدركها وتستوعبها بعمق، وهي:
أنت الحمد لله تعالى صغير في السن، في بدايات سن الشباب، والله تعالى حباك بطاقات عظيمة في هذه المرحلة من العمر، طاقات إبداعية، طاقات التواصل الاجتماعي، الذكاء ... كل مهارات الحياة موجودة لديك، حتى وإن تعطلت لكنها لم تفقد ولم تذهب عنك، والله تعالى أعطانا القدرة على التغيير وعلى التطور، وقال: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.
هنالك أشياء، خطوات بسيطة جدا يجب أن تقوم بها:
أولا: لا بد أن تخرج خارج نطاق المخدرات تماما، لا تفكيرا ولا تعاطيا ولا تشوقا، يجب أن تكون خارج هذا الحيز؛ لأن الذي يدخله لا يمكن أن يتطور، لا يمكن أن يتقدم؛ لأن الخير والشر لا يجتمعان، والخطأ والصواب لا يجتمعان. هذا من ناحية.
من ناحية أخرى: لا تأس على الماضي أبدا، الماضي دائما ضعيف والحاضر هو الأقوى، ويجب أن نستفيد من قوة الحاضر.
نقطة أيضا مهمة جدا: يجب أن تتقدم نحو والدك، يجب أن تكون إيجابيا مع والدك، أنا متأكد أن والدك الآن متقطع وجدانيا عليك؛ لأن الآباء دائما يحبون أن يروا أبناءهم في مواقع أفضل منهم، علما ودينا وكفاءة، فاسع نحو ما هو أفضل في حياتك، والطريق واضح وبين، الله تعالى أعطانا العقل والإدراك لنميز، ومن خلاله نعمل ما هو صحيح، ولا أحد في هذا الزمان يقدم شيئا مفيدا لأحد، العالم فيه الكثير من التنافسية، نحن لسنا متشائمين، ولا نسيء الظن بالناس، لكن كل إنسان إذا استطاع أن يحل مشاكله فهذا يكفي تماما، ولا تنس قولي أن الله تعالى قد أعطاك الطاقات.
فإذا برك لوالدك سيكون أحد مفاتيح الخير لك، وباب التغيير بإذن الله تعالى.
ابدأ بتنظيم الوقت، الذين ينظمون وقتهم ينظمون حياتهم، يوميا اكتب جدولا لوظائف اليوم، ما هي الأشياء التي يجب أن تقوم بها، الترفيه عن نفسك، تحدد وقت النوم، وقت الصلاة، التواصل مع الأصدقاء ... فإذا من خلال الخارطة الزمنية والجدول الترتيبي اليومي لإدارة الوقت تستطيع أن تغير من مشاعرك وأفكارك وأفعالك.
كل الذين أنجزوا كانوا يجيدون ترتيب وقتهم، وقد علمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ ) [رواه البخاري]، فلا بد أن تستفيد من صحتك، وتستفيد من وقتك، لا يضيع في أشياء لا تفيد، (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) [السنن الكبر للنسائي، المستدرك للحاكم].
أيضا الرياضة مهمة جدا، والرفقة الطيبة مهمة جدا؛ هذا كله فيه خير لك، وأنا متأكد أنك إذا تناولت أحد محسنات المزاج سوف يساعدك، لكن العلاج الدوائي لا أراه أساسيا في حياتك، إنما هو علاج مساعد، فاذهب إلى الطبيب، واسأل الله تعالى أن يتولاك، وعش الحاضر بقوة؛ لأن قوة الحاضر هي الأفضل دائما، وعش المستقبل بأمل ورجاء.
نشكرك على ثقتك في إسلام، ونسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.