السؤال
السلام عليكم.
أنا شاب تونسي، أعاني من الرهاب الاجتماعي منذ المراهقة، والخوف من فراق الأهل ومسقط رأسي.
تناولت العلاج عدة مرات بالأدوية في فترة الدراسة في الجامعة، ولكن بعد إنهاء دراستي، وفي كل مرة تأتيني فرصة عمل والسفر ولا أذهب، حتى أصبحت عاطلا عن العمل في بلدي.
قدمت على عمل في السعودية، ولكن إحساس الرهبة والخوف والقلق والاضطراب سيطر على حياتي، وأصبحت لا أنام ولا آكل، وأفكر في رفض هذا العرض، مع أني في حاجة ماسة للعمل وتحضير تكاليف الزواج.
أنا في حيرة من أمري، أرجو المساعدة.
وشكرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله تعالى لك العافية والشفاء.
بالفعل الرهاب أو القلق الاجتماعي دائما يعطي صاحبه شعورا بما نسميه بالقلق التوقعي، دائما يكون هنالك توجس، وهنالك تهيب، وهنالك عدم اطمئنان، هناك شكوك في المقدرات والكفاءة الشخصية فيما يجب أن يقوم به الإنسان، هذه مشاعر معروفة دائما نجدها عند الإخوة والأخوات الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي.
أنا أعتقد أنه أمامك فرصة طيبة الآن؛ لأنك وصلت لمرحلة من النضوج الفكري والنضوج الوجداني، وهذا الرهاب يجب أن يعالج، ويجب أن يقضى عليه تماما، وأهم شيء حول الرهاب الاجتماعي هو أن تصحح مفاهيمك حوله، أولا: الرهاب الاجتماعي ليس جبنا، ليس قلة في الإيمان، وكل المشاعر التي تأتيك من خوف وشعور بالتلعثم أو الرعشة أو احمرار الوجه أو الشعور بأنك سوف تفقد السيطرة على الموقف أمام الآخرين؛ هذه كلها مشاعر كاذبة، مشاعر ليست صحيحة، مشاعر شخصية ولا أحد يستشعرها إلا أنت، يعني أن الآخرين لا يلحظوا أبدا عليك أي نوع من التغير أو أي شيء غير طبيعي، هذا مهم معرفته.
الأمر الثاني هو العلاجات الاجتماعية، العلاجات الاجتماعية مهمة جدا لعلاج الرهاب الاجتماعي، وأهم علاج اجتماعي هو: الصلاة مع الجماعة في المسجد، لأن المسجد مكان للأمان وللاطمئنان ولا شك في ذلك، وحتى أنا دائما أنصح الناس بأن يبدأ أحدهم بالصفوف الخلفية، ثم يتقدم في الصفوف حتى يصل إلى الصف الأول، تكون في ميامن الصف، ثم تتقدم خطوة أخرى لتكون خلف الإمام، ثم تنتقل بخيالك وتتصور أنك سوف تنيب عن الإمام إذا طرأ عليه طارئ، هذا نوع من العلاج السلوكي الإسلامي الاجتماعي التدريجي الذي وجدناه مفيدا تماما لعلاج الرها الاجتماعي.
أيضا وجدنا أن ممارسة الرياضة الجماعية ككرة القدم مثلا، لأن فيها الكثير من التفاعل اللفظي والتفاعل الوجداني والتفاعل الحركي، وجدناها أيضا من أفضل أنواع العلاجات للرهاب الاجتماعي.
العلاج السلوكي الثالث هو: الإصرار على الالتزام بالواجبات الاجتماعية، وأركز على كلمة (الواجبات)، والواجبات الاجتماعية في مجتمعاتنا معروفة، تقوم على مبدأ مشاركة الآخرين في أفراحهم، في أتراحهم، إذا دعيت مثلا لدعوة زواج لا بد أن تلبيها، هذا واجب ممتاز، تقديم واجب العزاء في حالة الوفيات، المشي في الجنائز، زيارة المريض، صلة الأرحام، الانضمام إلى عمل تطوعي أو خيري أو اجتماعي، هذه كلها واجبات اجتماعية مفيدة جدا للإنسان.
يجب -أخي الكريم- أن تركز على هذه الأشياء، إن طبقتها سوف تجد خيري الدنيا والآخرة إن شاء الله، وسوف يزول عنك هذا الرهاب.
هذه هي المبادئ العلاجية الأربعة. أريدك أيضا أن تتدرب على تمارين استرخاء، هنالك أنواع كثيرة من هذه التمارين، يمكن أن تستفيد من البرامج الموجودة على اليوتيوب وتتخير أحد البرامج المفيدة في الاسترخاء، أو إذا قام بتدريبك أحد الأخصائيين النفسانيين على الاسترخاء؛ هذا سوف يكون جيدا.
آخر ما أذكره لك هو الدواء، الدواء طبعا مهم ويفيد، ويمثل خمسة وعشرين إلى ثلاثين بالمائة من الفائدة العلاجية، وأما السبعين المائة الأخرى فتعتمد على ما ذكرته لك من إرشادات سلوكية اجتماعية.
من أفضل الأدوية طبعا عقار (سيرترالين) يمكن أن تبدأ في تناوله بجرعة نصف حبة، أي خمسة وعشرين مليجراما يوميا لمدة عشرة أيام، ثم حبة واحدة يوميا لمدة شهر، ثم حبتين يوميا لمدة أربعة أشهر، ثم حبة واحدة يوميا لمدة ستة أشهر، ثم نصف حبة يوميا لمدة أسبوعين، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم توقف عن تناول الدواء.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.