لا أستطيع فسخ الخطبة وأخشى من العواقب!

0 26

السؤال

السلام عليكم.

أرجو الدعاء لي بالهداية؛ لأن مشكلتي قد تكون معقدة، أنا مقبلة على سن ال25 وتقدم لي أخو زوج أختي، لم أكن متقبلة فكرة الارتباط به بسبب أشياء عديدة منها: أن بيئتهم آذت أختي نفسيا إلى أن ابتعدت عنهم، وأصابها المرض بسبب الحسد؛ لأن أهل القرية لم يكونوا مصدقين أنه تزوج من أختي بسبب الفروق الاجتماعية والمادية الكبيرة، كان أهلي في قمة السعادة حين تقدم أخوه لي، ولكنني لم أكن كذلك، ولكن سمحت بالتعارف؛ لأنه خلوق، ومتعلم، وأحسبه على دين، تحدثنا بعلم الأهل لمدة أسبوعين ولم أرتح له، وتم الفسخ لمدة سنة، ثم تقدم لي مرة أخرى.

لم أكن أرغب بالموافقة ولكن شعرت أنني كبرت، وتحت ضغط من أهلي أنه لم يعد هناك شباب ملتزمون من ضمن معارفنا، وفي هذا الزمن يصعب وجودهم، وقيل لي أنني لست جميلة بما فيه الكفاية لأتزوج شخصا أفضل منه، فيجب أن أرضى، تأثرت وقررت الموفقة لأرضيهم وبسبب خوفي من المستقبل، أو أن أتزوج رجل غير صالح بعد ذلك.

الآن نحن مخطوبان منذ شهر، ولا أشعر تجاهه بالحب فأدقق في عيوبه وأختنق كثيرا بسبب اختلاف ثقافتنا وطريقة تفكيرنا، ولا أستطيع فسخ الخطبة مرة أخرى، فسوف يكون هناك عواقب وخيمة، أريد أن أركز على مميزاته التي وافقت من أجلها وأرضى، ولا أريد أن أظلمه فأنا لا أكرهه، ولكن لا أحبه أيضا، قيل لي إنني لست مدركة لمتطلبات الزواج، وأن ما أبحث عنه في الرجال ليس ما يقيم البيوت.

لا أكف عن التفكير، والوساوس سيطرت علي، أنا في حيرة شديدة، أرجو الدعاء لي بالهداية والرضا، وقد أرسل بقية مشكلتي في سؤال آخر.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ ندى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:

الزواج رزق من الله تعالى، ومقدر على الإنسان فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولا يستطيع أحد أن يتحكم في ذلك فيتزوج من يشاء هو لأن مشيئة الله هي النافذة.

أحيانا يحلم الشخص في صفات شريك الحياة ويبالغ فيها ومن ثم يصطدم بالواقع، فلا يجد جميع الصفات التي يريدها، ويمضي به العمر بعيدا دون أن يجد مبتغاه، ولذلك ينبغي أن يكون الإنسان معتدلا في طلب الصفات، ويكفي أن يقبل ما أرشدنا إليه نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، فالدين والخلق صفتان متلازمتان لا تنفكان أبدا، وهما صمام أمان للحياة الزوجية السعيدة، وصاحب الدين والخلق إن أحب زوجته أكرمها، وإن كرهها سرحها بإحسان.

صلاة الاستخارة مهمة في أمر الزواج وغيرها من الأمور المهمة في حياة المسلم، فأوصيك أن تصلي صلاة الاستخارة وتدعي بالدعاء المأثور، وتوكلي أمرك لله تعالى ليختار لك ما يصلح، فاختيار الله للعبد خير من اختيار العبد لنفسه.

من علامات اختيار الله الأمر للعبد أن تتيسر الأمور، ويسير الاتفاق بشكل سلس، ومن علامات صرف الله للأمر عن العبد أن تتعقد الأمور وتنغلق الأبواب.

لا ترسلي لنفسك رسالة سلبية بأنك لا تحبين هذا الشخص ولا تبغضينه؛ لأن الرسالة السلبية يستقبلها العقل ويتفاعل معها ثم يأمر بقية الأعضاء للتفاعل معها، ومع مرور الزمن يصعب على المرء أن يخرج من تلك الدائرة.

المحبة بين الزوجين آية من آيات الله تعالى وهو سبحانه الذي يقذفها في قلبيهما بمجرد إجراء عقد الزواج حتى لو كان الرجل غريبا لم يقابل ولم يتكلم مع زوجته من قبل، قال تعالى وهو أصدق القائلين سبحانه: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في لك لآيات لقوم يتفكرون).

الرضا بالقدر والنصيب مهم للغاية، والتسخط عواقبه وخيمة، ففي الحديث: (إن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط)، والله عند ظن عبده به ففي الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي فلا يظن بي إلا خيرا).

تفاءلي خيرا ولا تتشاءمي بما قسمه الله لك؛ فالتفاؤل يشرح الصدر ويفتح الآفاق، وقد يكره المرء شيئا وهو خير له، وقد يحب شيئا وهو شر له، كما قال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).

لا تغتري بالتقاليد الوافدة التي وفدت إلى بلاد المسلمين من أن الزواج لا بد أن ينبني على حب سابق وعلاقات سابقة، فلقد كان المسلمون الأولون يعيشون مع أزواجهم في غاية الحب والرومانسية والرضا دون حصول ما يحصل في هذه الأزمنة المتأخرة.

لا ينبغي تعليق كل ما يحدث للإنسان بالحسد والعين وغير ذلك؛ فقد يصاب الإنسان بأمراض عضوية، والتعلق بأن كل ما يحصل إنما بسبب الحسد خطأ كبير وجعل ما ليس سببا سببا.

ينبغي على المسلم أن يحصن نفسه بأذكار اليوم والليلة، وألا يغفل عن ذكر الله سبحانه وبذلك لا يصيبه الحسد أو العين.

علاج الحسد يكون بالرقية الشرعية لا أنه يقعد ينظر لحاله، ويمكن للعبد أن يرقي نفسه بنفسه، أو يبحث عن راق أمين وثقة، ورقية المرأة تكون بحضور أحد محارمها.

تدقيقك في عيوب من تقدم لك خطأ كبير، والواجب أن تنظري في صفاته الحسنة وتعظميها، وإن وجدت صفات غير حسنة فاغمريها في بحر الإيجابيات، والعبرة بالأكثر، فالكمال عزيز ولو أن المرأة أرادت زوجا مبرءا من النقص والعيوب لما وجدت ذلك في الدنيا!

تدقيقك لعيوبه صفة سلبية وكأنك تبرئين نفسك من العيوب، ولو أنه دقق في عيوبك لوجد فيك ضعف ما وجدت فيه، ولكنه لا يتعامل معك بنفس الطريقة التي تتعاملين معه، فهو يغلب جانب الإيجابيات وأنت تغلبين جانب السلبيات.

السلبيات التي عند أي طرف يمكن أن يعدلها الطرف الآخر بطريقة مرنة وبسياسة حكيمة وبرفق ولين، فالإنسان يمكن أن يكتسب الصفات الجميلة، وهنا يأتي دور كل طرف، ومع هذا لابد من غض الطرف عن بعض الصفات والزلات ولو بقي كل طرف يدقق في أخطاء الطريف الآخر ويحاسب على ذلك لما استقرت حياة أحد، ولما بنيت الأسر، ولتهدمت المجتمعات وتشتت الأسر.

لقد وصفت هذا الشاب الذي تقدم لك بأنه خلوق ومتعلم وتحسبينه على دين فهذه صفات جيدة، ولكن عليك أن تتيقني من ذلك، وأن يتعب ولي أمرك نفسه قليلا من أجل التيقن من أنه الرجل المناسب، وأنه حقا متدين وسمعة أخلاقه طيبة، ويكون السؤال عنه عند من يخالطه ويأكل معه ويشرب معه من أصدقائه، ويسأل عن كرمه وهدوء أعصابه، فإن وجد ذلك فلا مانع أن تقبلي به زوجا، وإن كان مجرد كلام فلك الرفض.

الزمي الاستغفار، وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).

تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة وسلي الله تعالى أن يختار لك ما فيه الخير، وأن يرضيك بما قسم وقدر، وأن يقذف في قلبك حب من ستتزوجين به، وألحي على الله بالدعاء، وتحيني أوقات الإجابة، وأكثري من دعاء ذي النون: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسعادة.

مواد ذات صلة

الاستشارات