السؤال
السلام عليكم.
أشكركم على هذا الموقع المميز، ونسأل من الله أن يجعله في ميزان حسناتكم.
أنا شاب بعمر ٢٨ سنة، وعندي وسواس قهري تقريبا منذ ١٠ سنوات، يعني ما تركت شيئا إلا ووسوست فيه، من أمراض إلى غير ذلك، وآخرها وسواس الموت، ونوبات الهلع، لكن -بحمد الله- نوبات الهلع كنت أقاومها بسورة البقرة، حتى تختفي بفضل الله.
قبل أربعة أشهر أصبت بارتكاريا الكتوبية الجلدية وحطمتني نفسيا بشكل لا تتوقعونه، كرهت الحلاقة والاختلاط بالشباب بسببها، وعملت فحوصات، وكل شيء سليم، ما عدى جرثومة المعدة ما عملتها رغم أنه عندي غازات وانتفاخات، وقلق وأصوات في المعدة.
قبل عشرين يوما تقريبا ذهبت عند قارئ، ولما قرأ علي وأغمضت عيني أحسست أني أرتعش، وأتاني خفقان شديد في قلبي، ورعشة، وسألت القارئ فقال لي: يمكن حسد، والله العالم، قعدت عنده ثلاث جلسات، ولم أكمل لأني سافرت للدراسة في بلد آخر.
طبعا سورة البقرة -بفضل الله- محافظ عليها يوميا، وبعض الأحيان أقوم بها في الليل، ولما أقرأها في الليل تأتيني نوبة نعاس قوية جدا، والمصحف يطيح فأقاوم، ومرة رأيت مثل الكتابة الخضراء، وأنا أقرأ في المصحف، ولا أدري هل هو توهم أو حقيقة؟!
أحيانا أحلم أني أقرأ آية الكرسي وأنا وسط رياح شديدة، وعندما أصبت بالاكتئاب رأيت حلما أن يدي فيها عقد مثل عقد العمليات، والذي عمل ذلك يهرب وأنا أحاول أن ألحقه، واستيقظت من الحلم على صوت أذان الفجر.
آسف على الإطالة، لكن اعذروني أول مرة أكتب عن معاناتي، والذي ذكرته لكم غيض من فيض لا تسعه مجلدات!
أرجوكم أفيدوني، ما الذي بي؟ وندعو الله أن يرزقنا وإياكم العفو والعافية.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو مريم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والتوفيق والسداد.
الأمر بسيط جدا إن شاء الله تعالى، فأنت أصلا لديك قابلية لقلق المخاوف، وقل المخاوف وهذا نسميه بـ (قلق المخاوف الوسواسي) من الدرجة البسيطة، والإنسان القلق والذي تنتابه المخاوف والوساوس يكون عرضة للأعراض النفسوجسدية، بمعنى: الإصابة بالحساسيات، حتى القابلية للجراثيم، هنالك دراسة تشير إلى أن الإنسان القلق المتوتر ربما يكون أكثر قابلية للإصابة بالجراثيم، ومثلا: أعراض القولون العصبي واضطرابات المعدة والانتفاخات والغازات، هذا أمر شائع جدا لدى الإنسان القلق.
أخي الكريم أقول لك: وظف قلقك هذا واجعله قلقا إيجابيا؛ وذلك من خلال تنظيم الوقت، وتنظيم الوقت يتطلب: النوم الليلي المبكر، ثم الاستيقاظ المبكر، وستحس أنك نشط ذو دافعية ممتازة، تصلي الفجر، ثم الاستحمام والتجهيز، ثم شرب الشاي، ثم قراءة ورد قرآني، ثم تدرس لمدة ساعة واحدة في الصباح قبل أن تذهب إلى مرفقك الدراسي.
الذي يبدأ يومه بهذه الكيفية الفاعلة لا يقلق ولا يخاف ولا يوسوس؛ لأنه قد أنجز في الصباح، والبكور فيه خير وبركة كثيرة جدا، وستحس أن باقي اليوم أصبح سلسا جدا وطيبا جدا.
أخي: ابدأ يومك بهذه الكيفية التي ذكرتها لك، وعليك أيضا بممارسة الرياضة، الرياضة تقوي النفوس بشكل جميل، كذلك ممارسة تمارين الاسترخاء، تمارين الاسترخاء هي متعددة ومتنوعة، ويمكنك أن تتدرب عليها من خلال الاطلاع على أحد البرامج الموجودة على اليوتيوب، أو يمكنك الرجوع إلى استشارة إسلام ويب والتي رقمها (2136015).
من المهم جدا – أخي الكريم – أن يكون لديك تواصل اجتماعي، وأن ترفه عن نفسك، وأن يكون لك وجود حقيقي داخل أسرتك.
بهذه الكيفية يستطيع الإنسان أن يستهلك طاقاته بصورة إيجابية ويحول القلق إلى قلق إيجابي، ويقلص الوساوس والمخاوف من خلال تحقيرها، وعدم الاهتمام بها، وعدم مناقشتها، والانتهاء منها.
التخلص دائما من الفراغ الزمني والذهني يعود على الإنسان بخير كبير فيما يتعلق بصحته النفسية.
أيها الفاضل الكريم: ما ذكرته أنك محافظ على قراءة سورة البقرة يوميا شيء جميل؛ وستجد أثر ذلك عليك في حياتك، وأيضا أحيانا تقوم الليل، أيضا ستجد أثر ذلك في حياتك، أسأل الله تعالى أن يزيدك من هذا الفضل الكبير.
ذكرت أنك حين تكون في القراءة تأتيك نوبة نعاس قوية حتى إنه يطيح المصحف منك، أخي: أنا أعتقد أن هذا سببه الإجهاد، والعمل الذي تقوم به عمل عظيم، لكن {فاتقوا الله ما استطعتم}، لكن (اربعوا على أنفسكم)، لكن (ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليقعد)، هذا هو المبدأ الجميل والمبدأ العظيم في ديننا.
لا أحد ينهى أحدا عن العبادة، لكن يجب أن تكون الأمور منضبطة ومتوسطة، ويجب أن يكون للإنسان جهد وطاقة متوفرة حتى يقدم على العبادة بصورة صحيحة، وأنا أسمع أن كثيرا من الناس أنهم يقرؤون سورة البقرة يوميا أو أكثر من ذلك، هذا أمر جميل، لكن أنا أعتقد أن القراءة مع التدبر والتأمل هي المطلوبة، هذه أفيد وأفضل للإنسان، ولا أعتقد قراءة القرآن كقراءة الكتب العادية، يجب فيها التلاوة والتجويد بقدر المستطاع؛ حتى يجد الإنسان حلاوة وأنس في قراءته لكتاب الله تعالى.
عموما: الحمد لله أنت لديك طاقات الشباب، ويمكن أن تستفيد منها كثيرا.
بعض الناس لديهم تفكير نمطي وسواسي في كل شيء، هنالك من يذكر لك أنه يقرأ سورة البقرة يوميا، أو يقرأها أكثر من مرة في اليوم، هذا أمر جميل وأمر طيب، والقرآن عظيم وفيه شفاء {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا}، لكن قراءة القرآن تتطلب أن يكون المعالج والمعالج على درجة من اليقين والإيمان، فلا بد لهذه القراءة العظيمة أن تكون بتدبر وتأمل وتمعن، هنالك من قال لي إنه يقرأ سورة البقرة في نصف ساعة، هذا حقيقة فيه شيء من الخلل، الإنسان لا بد أن يركز، لابد أن يتدبر القرآن، لا بد أن يقرأه قراءة ترتيل وتلاوة، لا قراءة كتاب عادي.
هذا أمر أقره تماما وأشجعك عليه، لكن فهم القرآن وتدبره يجب أن يأخذ مكانة عالية في أفعالك وأفكارك، وكما ذكرنا سلفا لا تجهد نفسك فيما لا تستطيع، هذا أيضا أمر مهم.
بقي أن أقول لك: إن تناول أحد الأدوية المضادة لقلق المخاوف الوسواسي سيكون أمرا طيبا وجيدا ومفيدا أيضا لك، وهو مكمل للإرشادات السلوكية السابقة، عقار مثل (سبرالكس) والذي يسمى علميا (استالوبرام) سيكون جيدا وفاعلا ومفيدا، كما أنه سليم جدا.
إن ذهبت إلى طبيب نفسي فهذا أمر جيد، وإن لم تذهب فالدواء يمكن الحصول عليه من خلال الصيدلي أو طبيب الأسرة، تتناول في البداية خمسة مليجرام - أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام - وبعد انقضاء عشرة أيام ترفع الجرعة إلى عشرة مليجرام يوميا لمدة شهر، ثم ترفع إلى عشرين مليجراما يوميا لمدة شهرين، ثم عشرة مليجرام يوميا لمدة شهرين آخرين، ثم خمسة مليجرام يوميا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجرام يوما بعد يوم لمدة أسبوعين آخرين، ثم يتم التوقف عن تناول الدواء، فهو دواء سليم وفاعل جدا وغير إدماني.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.