السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بعثت برسائل عدة أشرح فيها الوضع العائلي عندنا، لكن هذه المرة أسأل سؤالا محددا هو كيف السبيل إلى أن يتعلم الآباء من المآسي التي مروا بها في الصغر، ويوقفوا تكرارها في حياة أبنائهم؟
وبالأحرى كيف يخدمهم إزالة الغشاء عن أعينهم ليعترفوا بالضرر الذي يحدثه أسلوب تربيتهم الذي لا ينبني على التعلم والوعي بل على التقليد والجهل؟
أتحدث هنا عن إخوتي المتزوجين الذين بعد أن كبرت أسرهم وجاءوا بأبناء، جعلهم الإحساس بفضل آبائهم يتجاهلون أو يهونون من آثار أخطائهم، وذلك يسهل عليهم تكرارها في حياة أبنائهم، من الأمثلة في عائلتنا:
الضرب الانتقامي المهين (على الوجه وبعنف بالغ) الذي لا يتوقعه الطفل، فيحدث فيه تبلدا في المشاعر وخوفا دائما من الغضب الأبوي غير المتزن والمتوقع. ثم عدم معاملة الطفل كإنسان عاقل (يفهم ويتذكر) فلا يشرح له الآباء موضع الخطأ منه وكيفية تجنبه لاحقا.
ومن الأخطاء المضرة أيضا جعل الأبناء يشهدون على مشادات آبائهم اللفظية وغيرها، وضرب الأب وصراخه على الأم أمام أبنائها.
ومن ذلك التربية المليئة بالتوتر وإظهار قلة الصبر، والعنف اللفظي وقلة إظهار الحب والحنان، وإهمال مشاعر الأطفال بإحراجهم وإهانتهم أمام من يحبونه...
أعلم أن الطفل إن تمت الإساءة إليه يكبر أكثر اتزانا وأقل تضررا بالدعم المستمر، فما هو هذا الدعم؟ وهل يكفي؟ ثم كيف أقنع الوالدين أن ما يفعلونه لا يصب في صالحهم ولا في صالح أبنائهم، وأن القسوة تورد القسوة؟
أفيدوني جزاكم الله، وجعل الجنة مثواكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ظبية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابنتنا الفاضلة- العاقلة، وشكرا على هذا السؤال الرائع الذي يدل على وعي كبير ببعض القواعد والأسس التربوية، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يصلح النية والذرية، وأن يجعل الصلاح ميراثا في ذرياتنا كأمة مسلمة جميعا، وأن يلهمنا السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.
أسعدتنا جدا هذه النقاط التي وردت في السؤال، والتي تدل على نضج ووعي، ونتمنى فعلا أن يدرك الآباء في هذا العصر ضرورة تغيير الأساليب التي تربوا عليها، والذي شعر بالألم في تربيته أو قسوة في تربيته ينبغي ألا يجرع أبناءه نفس المرارة، ويشعرهم بنفس الآلام التي شعر بها، لأن طريقة الضرب لها آثار خطيرة جدا على الأبناء، فهي تقتل فيهم روح المبادرة، وتجعل عندهم التردد والخوف والضعف، والأخطر من ذلك كما أشرت أن هذه الدائرة المنتنة من العنف والتربية السيئة تستمر، فتتوارث بين الأجيال، وهذا يلحق أضرارا كبيرة جدا، لأننا في زمان أصبح فيه العالم شاشة، وأصبح الناس يطلعون على نماذج فيها من اللطف والرفق الكثير، بل ربما الزائد عن حده، ولذلك إذا قارنوا تلك الأوضاع بأوضاعهم ومع أسرهم التي يجدون فيها المعاناة والصعوبة والقهر والذل بين الوالدين ومع الأبناء، فإن هذا يترك آثارا خطيرة في نفوس هؤلاء الصغار.
وأرجو أن يعلم الجميع أن الأب عندما يعتدي على الأم أمام الأبناء فإن الأبناء يكرهون الأب، ويشفقون على الأم، فإذا ضربها مرة ثانية كرهوا الأب واحتقروا الأم، فإذا ضربها الثالثة كرهوا الأب، واحتقروا الأم، بل ضربوها، ومدوا أياديهم بالأذى إليها، وإذا كونوا أسرا فإنهم ينشؤون أبناءهم بنفس الطريقة، وبالتالي تستمر هذه الأساليب السيئة في التربية.
ولذلك أرجو أن يكون لك وللمتعلمات والمتعلمين من أبناء أمتنا دور كبير في تصحيح هذه المفاهيم، حتى يشعر الذين تربوا على تلك التربية التي كان فيها الكثير من الألم والكثير من القسوة؛ أن لتلك التربية آثارا نفسية ضارة، وقد ظهرت آثارها على الأمة في هذا الضعف، وفي هذا التردد، وفي هذا الخوف، وكل هذه أسباب لها علاقة بالعنف الذي تربينا أو تربت عليه الأجيال السابقة.
ولذلك أرجو أن يكون لك دور في نشر هذا الوعي، ونحن نوافق على ما ذكرته، ونكرر مرة أخرى – يا من شعرتم بالألم في الصغر – جنبوا صغاركم هذا الألم، واجتهدوا في تعويضهم، واعلموا أن النبي صلى الله عليه وسلم أحب الصغار، وأن التربية بالحب هي الأقرب لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم، الذي ما ضرب بيده امرأة ولا طفلا ولا خادما، وربى أعظم أمة؛ عليه صلاة الله وسلامه.
فليكن لنا في رسول الله أسوة، ونكرر لك الشكر على هذا السؤال، ونكرر دعوتنا لكل متعلم أن يعود بالناس إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الرفق واللطف والرحمة، حتى نجني تلك الثمار الطيبة لأبناء عندهم استقرار نفسي، وقادرين على الإنجاز والعمل والتواصل مع الآخرين، والنجاح في الحياة، الذي بإذن الله سيكون سببا في النجاح والفوز في الآخرة.
نكرر لك الشكر، وندعوك إلى كثرة الدعاء، ونشر هذا الوعي، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد.