السؤال
السلام عليكم.
أصبت بوسواس الموت منذ شهر، -والحمد لله- فهذا جعلني أقترب من الله، ففي الصباح أشعر براحة ورضا، وأقول في نفسي: الله يحبني لأنه سهل لي الطاعات، وحببني بها، فأصبحت أقوم بها لحبي له، وكرهني في المعاصي.
لكن مشكلتي تتعلق بالليل، حيث أفقد السيطرة على نفسي، فعند ذهابي للنوم أشعر أني أذهب للموت، فأقول: لست مستعدة، فأنا ملتزمة منذ شهر فقط، وأريد عمل الكثير، وحاولت أن أكبح شعوري، وصرت أقنع نفسي سأذهب للنعيم لا للعذاب، لكن مع ذلك أقول: ماذا سأفعل كل هذا الوقت في القبر؟ وكثرة الوفيات تؤرقني وتتعبني كثيرا.
كنت أؤخر الصلاة ولا أقرأ القرآن وغيره، والآن عاهدت نفسي بعكس ذلك، فهل سيحاسبني ربي على ذنوبي وعن وقتي السابق فيما أهدرته؟
يحاسب المرء من بلوغه، وأنا لا أتذكر ذنوبي في الصغر، حيث أني نشأت في محيط التزامهم عادي، فلم نكن ندقق كثيرا، فكيف أتوب عما أتذكره وعما لا أتذكره؟
في السابق كنت ملتزمة وأشعر بالراحة، والآن أكثر التزاما، لكني متعبة نفسيا وجسديا كثيرا، أشعر بالنقص في الطاعة، ولا أعرف سبب الشعور، علما أني يوميا أصلي ليلا ركعتين أو أكثر عن ذنوبي التي ارتكبتها في يومي بلا قصد، فهل هذه النية جائزة؟ وفي الليل أخاف أثناء الصلاة كثيرا، فأصلي سريعا وأبقى في فراشي أستغفر وأقرأ القرآن وأبكي وأدعو الله، فهل يجب أن يكون الدعاء في الصلاة؟
لا أريد الذهاب لطبيب نفسي، ما أشعر به يخص الدين، فلن يستطيع مساعدتي، أتمنى أن تجيبوا علي.
وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Noor حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
للمسلم في حياته أعداء من ألدهم الشيطان الرجيم، ولذلك أمرنا الله تعالى أن نتخذه عدوا وحذرنا من اتباع خطواته، فقال تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ۚ إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير)، وخطوات الشيطان تكون بالإصغاء لوساوسه وتصديقه حين يزين المعاصي.
من المعلوم أن الله تعالى خلق الإنس والجن لعبادته، وعلى العبد أن يحقق هذه الغاية فيقوم بأداء العبادات ويجتنب المعاصي والذنوب التي تغضب الله تعالى، قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).
الموت حقيقة محتومة على كل حي، فلا يخلد أحد في هذه الدنيا، وقد حكم الله بالموت على كل حي في هذه الحياة، فقال تعالى: (كل نفس ذائقة الموت ۖ ثم إلينا ترجعون).
اجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة الهادئة المطمئنة كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
عليك أن ترتبي وقتك ترتيبا جيدا بحيث تقومين بأعمالك بانضباط، وعليك أن تكوني متوازنة في حياتك فوقت للعبادة ووقت للنوم ووقت للأعمال المنزلية وغيرها، يقول نبينا -عليه الصلاة والسلام-: (إن لربك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ولزوجك عليك حقا ولزورك ـ ضيفك ـ عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه).
يجب أن تحتقري خواطر الشيطان الذي يأتيك بوسواس الخوف من الموت، وألا تصغي لها ولا تجعليها تدخل إلى دماغك ولا تتحاوري أو تتفاعلي معها، بل اقطعيها فور ورودها واستعيذي بالله من الشيطان الرجيم، وانهضي من المكان الذي أتتك، وأنت فهي وقومي بممارسة أي عمل تلهيك عنها.
لا تجعلي الخوف يستولي عليك، لأن هذا هو ما يريده الشيطان منك أن يفسد عليك حياتك بهذه الوساوس، واحذري من الخلوة بنفسك، فإن الخلوة تستجلب تلك الوساوس.
انظري لمن حولك فستجدينهم يمارسون حياتهم بشكل اعتيادي، وليس عندهم هذه الوساوس، فلم لا تكونين مثلهم؟ ولا تشددي على نفسك في مجال العبادات حتى لا تنفر نفسك، فصلي الصلوات الخمس في أول وقتها وصلي السنن القبلية والبعدية، وصومي الثلاثة الأيام البيض من كل شهر عربي، واجعلي لنفسك وردا من القرآن بحيث تقرئين ورقتين بعد كل صلاة، وحافظي على أذكار اليوم والليلة وصلي الوتر قبل أن تنامي ثلاث أو خمس أو سبع أو أحد عشر ركعة، ونامي وأنت قرير العين -بإذن الله تعالى-.
الموت ليس له وقت محدد، لأنه يسير وفق ما قضاه الله وقدره، فمن جاء أجله انتقل إلى حياة البرزخ، والموت وتذكره وزيارة القبور لها فوائد، منها:
- أن ذلك يذكر بالآخرة.
- يفيق من الغفلة.
- يحث على العمل الصالح.
- الابتعاد عن المعاصي.
مهما فعل الإنسان من الذنوب إن تاب منها وأقلع وندم على ما فرط وعزم ألا يعود فإن الله يغفر له ولا يحاسبه على ذلك، فالتوبة تمحو ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.
لا داعي للتفكير في الماضي وما حصل فيه من التقصير، وعليك أن تركزي على الواقع وتقومي بما أوجب الله عليك، لأن التفكر في الماضي هو نوع من الوسواس الشيطاني، وكما قلت لك التوبة وكثرة الاستغفار تمحو كل تقصير.
شعورك بالتقصير في عباداتك فيه نوع من الوساوس، لأن الشيطان يريد أن يجعلك توغلين في العبادة وتعتزلين أمور الحياة، ومن ثم يضجرك من العبادات ويجعلها ثقيلة عليك، ويجعلك تتركينها فلا تصغي لهذه الأفكار، ونحن كلنا مقصرون في عبادة الله تعالى ومهما فعل العبد من العبادات فلن يقوم بحق العبادة، لكن المؤمن يغلب جانب الرجاء وحسن الظن بالله تعالى، وتلك هي وصية رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، ولقد أتى رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ماذا علي من الصلاة؟ فقال الخمس إلا أن تطوع، فقال: وماذا علي من الصوم؟ فقال: شهر رمضان إلا أن تطوع، فقال الرجل: والله لا أزيد على ذلك -أي على ما فرض الله- ولا أنقص، فقال عليه الصلاة والسلام: (أفلح إن صدق دخل الجنة إن صدق)، أي لو حافظ على الفروض دخل الجنة، وأنت -ولله الحمد- عندك من التطوع الشيء الكثير.
اجعلي الركعتين التي تصليها ليلا نافلة، ولا تجعليها عما قصرت في يومك، لأن هذا ليس من السنة.
كيف تخافين أثناء صلاة الليل وأنت تناجين ربك سبحانه، فالقرب من الله ومناجاته فيه أنس للقلب، فلا تجعلي الوساوس تسيطر عليك، وأفضل الدعاء أن يكون أثناء السجود فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
يجب أن يكون عندك العزم على الانتصار على الشيطان الرجيم فهو ضعيف لدرجة كبيرة، والعلاج يسير كما ذكرت لك.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يعينك ويوفقك ويصرف عنك الشيطان ووساوسه.