السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا أثق في موقعكم جدا، وجزاكم الله خيرا على مجهودتكم.
أود استشارتكم في مشكلتي، منذ سنة 2018 وأنا أعاني، حيث تعرضت للتحرش في الطريق للمدرسة، ولم يكن أحد في الشارع، وكنت أمشي باحترامي وحجابي -الحمد لله-، ولم أبح لأحد إلا لقريبتي التي أثق فيها، ولامتني على هذا الشيء، لأنني لم أدافع عن نفسي.
أثر هذا الموقف في نفسي وسبب لي الانهيار، وكانت تأتيني مثل نوبات الهلع والخوف في أول الأيام بعد الحادثة، لدرجة أني أخاف النوم وحدي، ضعفت ثقتي في نفسي، وأصبحت أكره كوني أنثى، وأخاف جدا من أن يلمسني أحد حتى بالخطأ، حتى من أهلي وصديقاتي، أصبحت أفسر أي لمسة عابرة أتعرض لها، أعرف أن هذا خطأ، ولكن ليس بإرادتي هذا التفكير.
والآن أصبحت أخاف من أي صوت عال، أشعر بالرعب من الصوت العالي المفاجئ، ومن فتح باب غرفتي فجأة، أشعر بأن جسمي يهتز، وأشعر أيضا بنبضة في منطقة الفرج، فما تفسير ما يحدث معي؟ أنا تعبت جدا وأشعر بالحرج من هذا الشيء، ولا أستطيع أن أطلب منهم أن يتعاملوا معي بهدوء.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Duaa حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا ومرحبا بك.
ابنتي الحبيبة: بداية عليك أن تعلمي أن هناك حالات كثيرة تشبه حالتك من التحرش، مما يؤدي ذلك إلى ما يعرف بكرب ما بعد الصدمة، والتي من أعراضها اضطرابات النوم، الخوف الشديد، الانزعاج، والتوتر، بالإضافة إلى إصرار الذاكرة على إعادة المشهد مرات عديدة في ذهن الشخص، جلد الذات وتأنيب الضمير، كره الجنس الآخر، بالإضافة إلى بعض الأعراض التي ذكرتها.
كنت أتمنى لو أنك ذكرت في رسالتك نوع التحرش الذي تعرضت له، هل هو جزئي أم كامل؟ هل أثر ذلك على عذريتك؟ إن كان كذلك فلا بأس أن ترسلي رسالة ثانية توضحين فيها هذه النقطة.
أولا لا بد لك من أن تخرجي من الماضي ومن دائرة الحزن والخوف التي أنت فيها، أعرف أن هذا ليس سهلا ولكن ليس منطقيا أن تحرمي نفسك من الحياة بشكل طبيعي، بل عليك أن تنظري إلى الأمام وأن تكملي مسيرة حياتك.
ومما يساعدك على ذلك: تخلصك من الأفكار السلبية التي تؤذيك، وإعادة تدويرها من جديد إلى أفكار إيجابية وبناءة، كأن تقولي لنفسك بأنك فتاة قوية ستتغلبين على ما حدث، وأن ما حدث لا ذنب لك فيه، وهذا قد يحدث مع كثير من الفتيات، ولست أنت الملامة أبدا لأنه من الطبيعي أن لا تستطيع فتاة في عمرك آنذاك أن تقوى على رجل أقوى منها، وأنك قادرة -بعون الله وإذنه- التغلب على هذه الحادثة وعلى مضاعفاتها وأعراضها.
حديثك مع نفسك سيجعلك تمتلكين جزء من هذه الصفات، حفزي نفسك باستمرار وشجعيها وادفعيها للأمام لتحققي النجاحات حتى ولو رافق ذلك بعض من مشاعر الخوف أو الرهبة، إلا أن صبرك وإمهال نفسك الوقت الكافي لاتخاذ القرارات السليمة فهما أمران مهمان لتحقيق النجاح.
حددي أهدافك المستقبلية فهذا سيساعدك كثيرا في تجاوز الماضي ونسيانه، كما أن تركيزك على حاضرك من أهم الطرق التي تساعد على التخلص من الماضي، إذ سيكون لديك وقت أقل للتفكير في ما حصل.
حاولي أن تخبري والدتك عما حصل، فمجرد مشاركتك المشكلة مع آخرين تطمئنين لهم وتثقين بهم، والإحساس بوجود من يشاركك قلقك وألمك يساعد بشكل كبير على التعافي.
أشغلي وقت فراغك، وأدخلي نفسك في أنشطة ودورات فنية مفيدة من خلال توسيع دائرتك الاجتماعية، واختاري الرفقة الصالحة التي يمكنها أن تعينك على نفسك، وحاولي ملء أوقاتك بما ينفعك في الدنيا والآخرة، ومارسي شيئا من الرياضة التي تناسب الفتاة المسلمة.
أن تقوي علاقتك بربك، وتحاولي أن تتذوقي طعم الحب الحقيقي، وهو حب الله، الذي لا يماثله حب، فلو تذوقته فعلا لوجدت السعادة الحقيقية في الدارين، فأكثري من العبادة والتقرب إلى الله، وأنصحك بالتوكل عليه سبحانه، والاستغفار والتوبة، والإكثار من الدعاء خاصة "لا حول ولا قوة إلا بالله " و"اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك ".
كما أنصحك بمراجعة أخصائية نفسية، حيث تتاح لك فرصة لتفرغي ما في نفسك من العواطف والمشاعر والمخاوف التي تنتابك، والتي بدورها ستساعدك في إزالة التوتر الذي تعانين منه لتعود لك ثقتك بنفسك.
ومن أجل أن تستريح نفسك أود أن أخبرك أن عقوبة التحرش في الإسلام والحكم الشرعي للمتحرش، أشد حرمة من الزنا، وهذا ما جاء في قول نور الأمة الحبيب المصطفى:(( إن من أكبر الكبائر، استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق)). رواه أبو داود. وقول الله عز وجل في كتابه الحكيم:( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا).
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينزل على قلبك السكينة؛ فهي من ثمرات الإيمان، وراحة النفس والبال.