السؤال
السلام عليكم.
أنا طالبة متفوقة، وأحفظ القرآن -والحمد لله-، لدي أصدقاء، يبدو للآخرين أن شخصيتي جميلة، اجتماعية، متحدثة، لدي مهارات وإنجازات -ولله الحمد-، ولكنني أرجو تشخيص مشكلتي التي تتلخص فيما يلي:
١- تأتيني صور غير مرغوب فيها وتضايقني بشدة، ولا أستطيع فعل أي شيء، والأسوأ من ذلك أشعر أن الناس تعلم بما يدور في رأسي ولذلك أحاول بقدر الإمكان أن أبتعد عن أماكن التجمعات حتى ولو كانت أسرية.
٢- لدي رهبة عند وجود الرجال، وأشعر بالرغبة في الهرب بعيدا، أو الانزواء، أو الجلوس في الزوايا دائما، مع العلم بأنني إذا كنت مندمجة في نشاط ما مثل التحدث في أمر مهم لا أجد هذا الخوف، لذلك لا أستطيع البقاء في مكان (مثل الانتظار في العيادة أو عند الكاشير) دون أن أفعل أي شيء، أو أقوم بنشاط ما.
٣- لا أستطيع أن أركز في عمل ما (حتى لو كان عملا بسيطا لا يحتاج كثيرا من التركيز) وحولي الناس، مثلا إذا كنت في المطعم أشعر بعدم الارتياح إذا كنت أجلس في مكان مقابل للناس، وأيضا حينما أمارس المشي أشعر بعدم الارتياح لوجود الناس من حولي، وعند حضوري لحلقة القرآن، وحضور المحاضرات وحولي طلبة سواء إناث أو ذكور (ولكن يكون توتري أعلى في وجود طلاب ذكور).
٤- أجد صعوبة في الوقوف في الطابور حيث أقف وسط الناس، وأشعر أن الناس تنظر إلي، مع أني أعلم تماما أنهم لا ينظرون إلي.
٥- في صلاة الجماعة أجد صعوبة في التركيز؛ لأنني بطبيعة الحال أقف وسط السيدات.
٦- لدي حساسية من اقتراب الآخرين مني أو جلوسهم بجانبي حتى لو كانوا إخوتي، أو أبي، أو صديقاتي.
وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ مريم حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلا بك عزيزتي.
قد بدا لي من رسالتك أنك فتاة واعية، وإيجابية، وذات شخصية جميلة، تعبت على نفسك لبناء ذاتك وصقل شخصيتك، وبنفس الوقت تلقيت في طفولتك من أهلك تربية إيجابية مفعمة بالحب ولكنها تفتقر في الجانب الاجتماعي؛ وهذا ما جعلك تميلين للشخصية القلقة أمام الناس، وتعانين من الخجل الاجتماعي أثناء تعرضك للمواقف الاجتماعية المكتظة بالناس.
سأبدي رأيي لك على النقاط التي طرحتها:
1. لم أفهم ما تقصدين بصور غير مرغوبة، ولم أفهم بأية طريقة تأتيك، ولكن غالبا ما تقصدينه الإنترنت عن طريق أحد برامجه، بكل بساطة قومي بحظر المرسل بشكل تام، وتجنبي التحدث عما يجول بذهنك وأفكارك للآخرين، فأحيانا قد يلجأ بعض الأشخاص للقيام بإرسال بعض الصور المزعجة كنوع من أنواع المزاح لمعرفة رد فعل الشخص الآخر وطريقة تعامله مع الموضوع، ولكن بجميع الأحوال أرى أن الحظر هو أسرع وأسهل الطرق لهذه المشكلة.
2. أرى أن تربيتك وطفولتك عموما كان فيها ضعف في الجانب الاجتماعي بالتواصل مع الآخرين نساء ورجالا بشكل عام، ورجالا تحديدا بشكل خاص؛ وهذا ما يجعلك تشعرين بالحرج، وعدم الراحة، واللبكة والرهبة في حال وجودك بينهم، وأرى أن ما تقومين به بإشغال نفسك بشيء ما هو أسلوب ذكي وصائب وناجح لإخراج نفسك من هذا الموقف الضاغط بالنسبة لك.
3. هذا النوع من الخجل الاجتماعي الذي لديك هو الذي يضعف أو يفقد تركيزك حين تواجدك ضمن المواقف الاجتماعية، الحل هنا هو إشغال نفسك عن الموضوع أو الفكرة بشيء آخر، أي تماما كما تقومين أنت به، مثلا حاولي أن تفتحي موضوعا شيقا مع صديقتك في المطعم، وأهم نقطة هنا هي أفكارك الداخلية، اجعليها إيجابية في محتواها عنك.
4. تلبكك أثناء انتظارك في طابور الناس أيضا يعود لنفس السبب السابق؛ لذا اعتمدي نفس الأسلوب، أشغلي نفسك بشيء آخر مثل تحدثك مع شخص ما عن طريق الواتس، أو تصفحك لمواقع الإنترنت، والأهم هو أن تجعلي أفكارك وصورتك الذهنية عن نفسك إيجابية، أي أن الناس في حال كان أحدهم ينظر إليك فمن المؤكد أنك تلفتين انتباهه بشكل إيجابي لما لديك من لباس أنيق ومحترم على سبيل المثال، أو طريقة كلامك محترمة.
5. نفس المشكلة ونفس السبب تتكرر لديك، الخجل الاجتماعي من الناس عموما والرجال خصوصا، أنصحك هنا أن تكثفي قدر الإمكان من الموقف الذي يشعرك بالحرج، فتعرضك المكثف له سيفقده تدريجيا مع الوقت الأثر المحرج الذي يتركه عليك، وتستطيعين أن تبدئي تدريجيا التعرض له من المنزل "مكان آمن بالنسبة لك" كالصلاة جماعة مع سيدة واحدة "اختاريها بحيث تشعرين بالراحة وعدم التكلف معها" تكررينها عدة مرات، ثم سيدتين، تكررينها، ثم ثلاث وهكذا إلى أن تجدي أن الموقف قد أصبح يأخذ المنحى الاعتيادي بالنسبة لك، تؤدينه براحة بعيدا عن التوتر.
6. تفسير هذه النقطة برأيي أنك اعتدت في جو عائلتك (من خلال التربية ونمط التعامل الوالدي وأفراد الأسرة فيما بينكم) أن يكون التعبير فيها عن الحب بعيدا عن الأسلوب والتقارب الجسدي، من عناق- حضن- تلامس- لمسة يد دافئة، بل كانت تميل إلى التعبير عن المحبة الممزوجة مع الرسمية بعض الشيء، أي مع التباعد الجسدي نوعا ما؛ وهذا ما يجعلك غير مرتاحة عندما يقترب منك أحدهم أيا كان، فأنت ببساطة غير معتادة على هذا السلوك.
ختاما: جميعنا نتلقى تربية غير مثالية من والدينا، أي تمتاز بالإيجابيات، بالمقابل فيها بعض السلبيات والأخطاء والتقصير "عن حسن نية" ولكن مسؤوليتنا تكمن عندما نكبر ونكتشف نقاط ضعفنا بأن نرمم فجوات ضعفنا، وهذا تماما ما لمسته لديك، فأنت من الواضح لي أنك قمت بتقوية شخصيتك وترميم نقاط ضعفها من خلال صقل مهاراتك الشخصية، وتعزيز ذاتك، وتحقيق طموحاتك، وأن يكون لك إنجازاتك الخاصة بك؛ لذا أتمنى منك أن تستمري بتعريض نفسك للمواقف الاجتماعية بشكل مكثف، مترافقا مع أفكار داخلية إيجابية عن نفسك، وستجدين نفسك تتجاوزين مشكلتك بعد فترة من الآن.
أتمنى أن أكون قد أفدتك بإجابتي، ويسعدني مراسلتك لنا مجددا في أي وقت إن أحببت الإسهاب في الموضوع.
برعاية الله.