السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حصل بين والدي وعمتي وبيننا خلاف وقطيعة، الموضوع طويل، باختصار قاموا بالإساءة إلينا لمدة ست سنوات، ولم نقابلهم بالإساءة، ومنعوا والدي من توديع جدتي قبل وفاتها، بالإضافة لمحاولتهم سلب ميراثها المتواضع، وقاموا عبر السنين بسبنا، وشتمنا، وفضحنا بكلام وقصص لم تحصل أبدا رغم أننا حافظنا على جدتي سنين طوالا، وتحملنا سوء عشرتها وشرها هي وبنتاها، فقد كنا نسمع الشتائم والقذف والذم بحقنا ولا نرد على ذلك، رغم أن والدي هو من ربى عماتي وله عليهن فضل كبير.
بعد أن توفيت جدتي وصار موضوع إرثها نحو التعقد، وتوقف تماما، قاطعونا تماما وكل فترة يحاولون إرسال المسبات والشتائم عبر الأقارب لوالدي أو لإخوتي أو لأمي، ونحن بدورنا أغلقنا قنوات الاتصال المباشرة معهن إتقاء شرهن، فهل نحن نعتبر قاطعين للرحم؟ وهل علينا مواصلة الاتصال بهن بعد كل ما حصل خلال كل السنوات الطوال، وذلك كما تعلمون أمر في غاية الصعوبة فإساءاتهم لم تنقطع تقريبا؟
وما وضعنا أنا وإخوتي ووالدي وما علينا فعله؟ فهم لا يتورعون عن الإساءة إلينا، حتى اقترب والداي من الطلاق مرتين بسببهما وهما متزوجان منذ أكثر من أربعين عاما.
والموضوع مؤلم ومجرح، أفيدونا غفر الله لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:
إن الرحم شجنة من الرحمن، وإن الله لما خلقها تعلقت بقوائم العرش فقالت يا رب هذا مقام العائذ بك من القطيعة فقال لها: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت بلى. قال فذلك لك.
قاطع الرحم ملعون بلعنة الله تعالى، كما قال تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم)، ولقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يدخل الجنة قاطع رحم).
الأرحام منهم من يصل أرحامه ومنهم من يقطع، ومنهم من يكون مكافئا يصل من وصله ويقطع من قطعه، وأفضل هؤلاء الذي يصل رحمه وإن قطعوه، فقد أتى رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال يا رسول الله إن لي رحما أصلهم ويقطعونني، وأعطيهم ويحرمونني، فقال عليه الصلاة والسلام: (لئن كنت كما تقول فكأنما تسفهم المل) أي الرصاص المذاب.
بعض الأرحام يناصب رحمه العداء ويفعل بهم الأفاعيل كما هو حاصل في استشارتك، وهذا الصنف المؤذي يجتهد الطرف الآخر في وصلهم بالحد الأدنى الذي يخرجه عن قطيعة الأرحام، ولو بالسلام عبر رسالة أو اتصال سواء ردوا عليكم أم لم يردوا، فإن كانت الرسائل أو الاتصال يتسبب لكم بالضرر أو يتسبب في مفسدة كبرى فلا شيء عليكم إن تركتموهم، ولا يعد ذلك من قطيعة الرحم.
عليكم أن تصبروا وتحسبوا الأجر عند الله تعالى، ولا تردوا عليهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني! وأحسن إليهم ويسيئون إلي! وأحلم عنهم ويجهلون علي! فقال: لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك).
ما يخصكم من إرث جدتكم يتم المطالبة به عبر المحكمة فإنها هي الجهة القادرة على إلزامهم بدفعها.
يجب على والدك ألا يدخل ما يحصل بينه وبين أخته في حياته في البيت، وأن يترك مشاكله خارج البيت ثم يدخل.
اجتهدوا جميعا في تقوية إيمانكم من خلال كثرة العمل الصالح فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة، كما قال تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
الزموا الاستغفار، وأكثروا من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إذا تكفى همك ويغفر لك ذنبك).
تضرعوا بالدعاء بين يدي الله تعالى أثناء سجودكم، وادعوا الله تعالى أن يصلحهم ويلهمهم الرشد، وأن يعيدهم لجادة الصواب، وأن يكفيكم شرهم وشر كل ذي شر، وأكثروا من من دعاء ذي النون: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
نسعد بتواصلكم، ونسأل الله تعالى لكم التوفيق.