تدهورت حالتي بعد أن كنت متفوقا ومجتهدا!

0 34

السؤال

السلام عليكم.

أنا شاب في سن الـ 16، وطالب في الصف الثالث الثانوي، بدأت في بداية العام بالاجتهاد والإعداد لتحصيل العلامات العالية في الامتحان نهاية العام، كنت متفائلا مبتهجا متوكلا على الله سبحانه، كما حاولت التوفيق بين الدراسة والعبادة، فكنت أصلي في المسجد معظم الصلوات، وقبل بداية العام عزمت على ترك كل ما يغضب الله سبحانه، وبدأت بحفظ القرآن الكريم، وأردت بذلك مرضاة الله تعالى، وكنت قدر المستطاع أحاول مساعدة الآخرين ورسم البسمة على وجوههم، ولكنني مع الأسف وبعد مرور ثلاثة أشهر من التفوق والجد والعلامات العالية بدأت حالتي بالتدهور!

كان الأمر في البداية مجرد خوف وقلق وتوتر شديد من أعباء الدراسة، ثم تطور الأمر لأشعر بضيق شديد في صدري، حاولت بشتى الوسائل التخلص منه وما نجحت، وصولا إلى تلك المرحلة التي صرت أعود فيها من المدرسة وأبدأ بالدراسة فلا أقدر، أحاول الحفظ بالتكرار والتكرار والتكرار وكل ذلك بلا جدوى، كما أنني لم أعد قادرا على استيعاب المواد العلمية كالرياضيات والفيزياء، كنت في البداية أبكي وأرجو الله أن يعيد إلي قدراتي، وكنت أقرأ أدعية الحفظ وأذكار الصباح والمساء، ولكن الأمر ازداد تعقيدا، فما عدت أذهب إلى المدرسة، ولم تجد محاولات والداي وأقاربي ورفاقي نفعا معي، ثم فقدت شهيتي بشكل كامل وأصبحت أنام بشكل مفرط ولم أعد أجد المتعة في أي شيء، وما عدت أهتم بالحياة.

ذهبت إلى أحد الأطباء النفسيين وأخبرني بأنني أعاني من الاكتئاب، ووصف لي دواء أتعاطاه منذ عشرة أيام، علما أن والدي يقول بأنه لا حقيقة للاكتئاب وما هو إلا ضعف إيمان وبعد عن الله، وآخر ما وصلت إليه حالي هو فقدان المشاعر لا حب ولا كره ولا حزن ولا فرح ولا ضحك ولا حتى بكاء.

أنا الآن أكتب ما أكتب وأرجو من الله أن يكون الحل القاطع لديكم، أرجو إجابتي بشكل مفصل، فقد لجأت إليكم بعد أن عجزت عن إيجاد حل لمشكلتي عند الأطباء ورجال الدين، كما أني أخشى أن الأطباء يصفون مضادات الاكتئاب مباشرة لكل مهموم.

أرجو النصيحة فأنا أحس أن الدنيا أغلقت أبوابها بوجهي، وأخاف أن أبقى على حالي لفترة طويلة، وألا أصل إلى ما كنت أحلم بتحقيقه من النجاحات وأسعى إليه، فلم أستجب لتعنيف والدي لي ولا حتى ضربه لي في إحدى المرات.

أخاف أن يكون ما أمر به هو عقاب وغضب من الله. أنا أنتظر منكم الإجابة والحل كي تعود إلي بهجة الحياة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مصطفى حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

جزاك الله خيرا، وأرحب بك في الشبكة الإسلامية.

إن شاء الله تعالى أنت من الآمنين الموفقين بحول الله وقوته.

الذي حدث أن درجة الدافعية لديك عالية جدا، الدافعية نحو الدراسة ونحو العبادة، والحمد لله صارت أمورك بصورة ممتازة وجيدة، وبعد ذلك حصل هذا التدهور أن الانحدار وأدى ما أدى إليه.

أنا أعتقد أن حماسك كان أكثر مما يجب، ودافعيتك كانت أكثر مما يجب، مما سبب لك شيئا من الإجهاد النفسي، والإجهاد النفسي كثيرا ما ينتج عنه الإحباط، وتبدأ الدافعية والعزيمة تقل، وبما أنك في الأصل إنسان متميز ويقظ الضمير وتخشى ربك، حدث لك نوعا من الشعور بالذنب نسبة للتقصير الذي استشعرته فيما يتعلق بعباداتك ودراستك.

وطبعا كلام والدك – حفظه الله – كان من منطلق أن يحسن عندك الدافعية، لكن أعتقد أنه أعطاك رسائل ليست دقيقة وليست صحيحة. أنا لا أرى أن الأمر نقص في إيمانك أو اضطراب في شخصيتك أو شيء من هذا القبيل، لا، الإنسان دافعيته لها حدود وطاقاته لها حدود، لذا نقول أن الوسطية في كل شيء دائما هي الأفضل.

عموما أنا أنصحك الآن بأن ترفع من همتك من خلال القناعة الكاملة أنه لديك الطاقات ولديك المقدرات الفكرية والجسدية والعقلية، هذا شيء مهم جدا، والتجربة قد أثبتت ذلك، ثم بعد ذلك هذا التكاسل أو التدهور الذي حدث لك هو أمر تلقائي – كما ذكرت لك – وهو نتاج لزيادة الجهد، ويمكنك أن تنهض بنفسك، لكن حاول أن تغير من منهجيتك قليلا.

أول شيء تقوم به هو النوم الليلي المبكر، وتتجنب النوم النهاري تماما، النوم الليلي المبكر يؤدي إلى استقرار تام في خلايا الدماغ، مما ينتج عن تحسن كبير في التركيز عند الاستيقاظ، وكذلك سوف تشعر أن جسدك فيه طاقات جيدة.

طبعا النوم الليلي المبكر يعقبه الاستيقاظ المبكر لأداء صلاة الفجر، وبعد الصلاة والاستحمام، وبعد تناول كوبا من الشاي مثلا ابدأ الدراسة، قبل أن تذهب إلى المدرسة، الدراسة لفترة ساعة إلى ساعتين في هذا الوقت سوف تجعلك -إن شاء الله تعالى- تشعر بقيمتك الذاتية، سوف تحس أنك قد استوعبت الكثير والكثير من المواد، لأن البكور أصلا فيه بركة، وخلايا الدماغ تكون في حالة استقرار – كما ذكرت لك – وتفرز المواد الإيجابية الدماغية التي تفيدك كثيرا.

الاستفادة من الصباح بالكيفية التي ذكرتها لك ستكون فاتحة ممتازة لأن تدير وقتك بصورة جيدة، تضع برنامجا يوميا تدير من خلاله وقتك، الذهاب إلى المدرسة، ثم الرجوع إلى البيت، ثم تأخذ قسطا من الراحة قليلا بعد الغداء، دون أن تنام، ثم بعد ذلك مثلا تبدأ في المذاكرة مرة أخرى، بعد ذلك تمارس تمارين رياضية، ترفه عن نفسك بشيء طيب وجميل، تذاكر مرة أخرى، وخلال ذلك قطعا سوف تؤدي صلواتك، وتؤدي وردك القرآني.

منهج الوسطية كما ذكرت لك هو الأفضل في كل شيء، وأنا متأكد أن والدك سوف يقبل هذا المنهج، وأريدك أيضا أن تفكر حول ذاتك، من أنت بعد عشر سنوات من الآن؟ طبعا تكون قد أكملت الجامعة، وأكملت إن شاء الله الماجستير، الزواج، العمل، التطلع لنيل الدكتوراه ... وهكذا، فضع هذه الأهداف وهذه المرامي أمامك سوف تحسن لديك الدافعية.

أؤكد لك مرة أخرى أنك بخير، وإن شاء الله تعالى سوف تتحسن كثيرا، اتبع ما ذكرته لك من إرشاد، وأنت لست في حاجة لعلاج دوائي.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.

مواد ذات صلة

الاستشارات