السؤال
السلام عليكم.
أعاني من اضطرابات نفسية منذ 5 شهور، بدأت بإحساس الموت، وسرعة ضربات القلب، وعدم القدرة على التنفس، وارتعاش الجسم وفقدان الشهية، استمرت لمدة شهرين.
ذهبت إلى الطبيب النفسي، فأخبرني أنها نوبة هلع، ووصف لي الباروكستين نصف قرص قبل النوم، ولم أتحسن، ذهبت لراق، وأخبرني أني محسودة ومسحورة، وطلب مني المواظبة على الرقية، وفعلا واظبت عليها وتحسنت، لكن لفترة قصيرة.
رجعت الحالة، وراجعت الطبيب مرة أخرى، فوصف لي السيروكسات والإندرال 10 والإميبريد واللاميكتال، لكني خائفة من الآثار السلبية للأدوية، هل العلاج آمن أم لا ينبغي أن آخذه؟ علما أني ملتزمة بالصلاة وقراءة سورة البقرة يوميا على ماء، وأحيانا الرقية الشرعية، ولكن التفكير في الموت بكثرة وخصوصا ليلا يسيء من حالتي كثيرا، رغم إيماني بقضاء الله وقدره وثقتي به، لكن يسيطر علي التفكير في الموت والعذاب والحساب بعد الموت وترك الدنيا، أريد حلا لحالتي، لأني أصبحت مدمرة نفسيا بسبب هذه الحالة، هل أذهب لراق مرة أخرى؟ ماذا أفعل؟
جزاكم الله خيرا.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، ونسأل الله تعالى لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
بالفعل النوبة التي حدثت لك هي نوبة هرع أو فزع، أو ما نسميه بالهلع، وهو نوع من القلق النفسي الحاد جدا والذي يأتي دون أي مقدمات، ومع تسارع ضربات القلب يحدث للإنسان شعور بأن الموت آت، وهذا طبعا شعور مخيف ولا شك في ذلك.
أنا أؤكد لك أن هذا مجرد قلق وليس أكثر من ذلك، ونوبات الهلع لا تنقص في عمر الإنسان ولا تزيد فيه أبدا، الموت أمره إلى الله، {إنك ميت وإنهم ميتون}، والإنسان لا يموت إلا بانقضاء أجله، فليس هناك مجال للتفكير والتفسيرات والتأويلات السلبية حول هذا الأمر، نحن حقيقة نريد الناس أن تخاف من الموت الخوف المحمود، ولا نريدهم يخافون الخوف المرضي، الخوف المحمود هو الخوف الذي يجعلك تعمل في دنياك بكل قوة وبكل فعالية، وتكون نافعا لنفسك ولغيرك، وتكون لك آمال، وتكون لك طموحات، وفي ذات الوقت تعمل لآخرتك.
من أفظع الأشياء أن يأتي الموت للإنسان وهو متلبس أو منغمس في ذنوب.
إذا الخوف المحمود من الموت مطلوب؛ لأنه يجعل الإنسان يراجع نفسه، ويجعله يفكر في الآخرة والحساب والجنة والنار، ويجعل الإنسان يعمل لآخرته كما يعمل لدنياه، ويسعى في طلب الآخرة. أما الخوف المرضي فتجد بعض الناس يخافون من الموت كأنهم يريدون أن يعيشوا أبدا ودون وازع ولا حذر من ارتكاب الذنوب.
فيا أيتها الفاضلة الكريمة: اجعلي هذا هو توجهك، وهو التوجه الفكري النفسي الإسلامي المعروف الصحيح. وفي ذات الوقت أريدك أن تمارسي تمارين استرخائية، لأن تمارين الاسترخاء تجهض النوبات الفزعية، وهذا أمر مؤكد.
يمكن للأخصائية النفسية التي تعمل مع الطبيب النفسي أن تدربك على هذه التمارين، وإن لم يكن ذلك ممكنا توجد برامج كثيرة جدا على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة هذه التمارين، فيمكنك الاستعانة بأحد هذه المواقع التي تبين ممارسة هذه التمارين.
وأيضا يمكن أن ترجعي إلى استشارة إسلام ويب والتي رقمها (2136015)، والتي أوضحنا من خلالها كيفية تطبيق تمارين الاسترخاء بصورة صحيحة.
الأمر الآخر هو أن تحسني إدارة وقتك، إدارة الوقت مهمة جدا لأن ينجح الإنسان في حياته، وتمارسي بعض التمارين الرياضية التي تناسب المرأة المسلمة، وتكوني شخصا فعالا في داخل أسرتك. أنت ذكرت أن الوظيفة لا توجد، أنا أحسب أنك في الدراسات الجامعية، في نهاية الدراسة الجامعية، وإن لم يكن كذلك فلا بد أن تبحثي عن دراسات بديلة، أو مثلا تدخلي في مشروع لحفظ القرآن، هذا كله فيه خير لك.
عليك بالصلاة في وقتها، هذا فيه خير ذلك، وتلاوة القرآن هي أعلى درجات الذكر التي تطمئن بها النفوس.
هذه نصائحي لك، أما بالنسبة للعلاج فأنا أعتقد أن الزيروكسات لوحده يكفي، مع جرعة صغيرة من الإندرال. مع احترامي الشديد لرأي طبيبك؛ لكن الزيروكسات دواء رائع جدا، تبدئين بنصف حبة (عشرة مليجرامات) يوميا لمدة عشرة أيام، ثم اجعليها حبة واحدة يوميا، وتستمري عليها لمدة أربعة أشهر مثلا، ثم تجعليها نصف حبة يوميا لمدة عشرة أيام، ثم نصف حبة يوما بعد يوم لمدة عشرة أيام أخرى، ثم تتوقفي عن تناول الدواء.
أما بالنسبة للإندرال فيمكن تناوله بجرعة عشرة مليجرامات صباحا ومساء لمدة شهر، ثم عشرة مليجرامات صباحا لمدة شهر آخر، ثم تتوقفين عن تناوله. هو دواء رائع وجيد.
أما بالنسبة لـ(اميبريد) والـ (لاميكتال) بالرغم من أنها أدوية جيدة لكن لا أرى أن هنالك داعيا لتناولها، حيث إن الزيروكسات دواء رائع جدا ليساعد في علاج الحالة التي تعانين منها، وعليك الالتزام بجرعته والمدة العلاجية.
ختاما أرجو الالتزام التام بتطبيق التوجيهات والإرشادات العلاجية، وكذلك ما أورده الشيخ الدكتور عقيل المقطري -حفظه الله- فهذه الإجابات والاستشارات تكمل بعضها البعض.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، ونشكر لك ثقتك في استشارات الشبكة الإسلامية.
--------------------------------------------------------------
انتهت إجابة: د. محمد عبدالعليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-،
وتليها إجابة: د. عقيل المقطري -مستشار الشؤون الأسرية-.
-------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ هبة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -أختنا الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
إن الغاية التي خلقنا الله من أجلها هي عبادة الله تعالى كما قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)، فالواجب علينا العمل على تحقيق هذه الغاية.
لم يخلقنا الله تعالى للبقاء في هذه الدنيا بل إن هذه الدار دار ابتلاء واختبار، والمرجع بعد ذلك إما إلى جنة وإما إلى نار، قال سبحانه: (أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم).
الموت نهاية كل حي كما قال تعالى: (كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون)، ولقد مات الأنبياء -عليهم السلام- وهم أفضل خلق الله وأحبهم إليه، حتى إن الجن والملائكة يموتون ولا يبقى إلا الله سبحانه وتعالى.
الهلع والخوف الذي تشعرين به مصدره الشيطان الرجيم، فهو الذي يريد أن يفسد عليك حياتك، وهو الذي يذكرك بهذا ويخوفك بذلك، وعلاج ذلك يكمن في دفع تلك الخواطر وقطعها فور ورودها وعدم التفكير فيها أو الاسترسال معها، مع الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ثم النهوض من المكان الذي أتتك وأنت فيه وممارسة أي عمل مفيد يلهيك عن تلك الوساوس.
احذري من الخلوة فإن الشيطان يحب ذلك؛ لأنه يختلي بك فيكثر من الوسوسة لك ويخوفك من الموت، وعليك أن تختلطي بأسرتك وتعيني والدتك في أعمال البيت التي ستلهيك عن ذلك، وتواصلي مع زميلاتك واذهبي إليهن وادعهن ليأتين إليك.
نوصيك بالمحافظة على أداء الصلاة في أول وقتها، مع الإكثار من النوافل؛ فذلك مما يعينك على الخروج مما أنت فيه، وأكثري من تلاوة القرآن الكريم وسماعه فذلك سيجلب لقلبك الطمأنينة، كما قال تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب).
لا داعي للخوف والهلع ومارسي حياتك بطريقة اعتيادية كما يمارسه من حولك، وكوني قوية في مواجهة الشيطان الرجيم فإنه ضعيف ولذلك لا يقدر على مواجهتك فلجأ إلى الوسواس، لكنك أخطأت حين أصغيت لوساوسه؛ لأنه اكتشف نقطة ضعفك، فلو قطعت تلك الخواطر فور ورودها واستعذت بالله منه لخنس الشيطان منك ولما شعرت بالخوف والهلع تماما كما كنت في السابق.
حافظي على أذكار اليوم والليلة واجعلي لسانك رطبا من ذكر الله تعالى؛ فذلك سيكون حرزا لك من الشيطان الرجيم ومن شر كل ذي شر.
اجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة الأعمال الصالحة المتنوعة من صلاة وصيام وتلاوة قرآن وغير ذلك؛ فذلك من أسباب جلب الحياة الطيبة يقول تعالى: (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
أحسني الظن بالله تعالى فالله عند ظن عبده به كما ورد في الحديث: (أنا عند ظن عبدي بي ، إن ظن خيرا فله ، وإن ظن شرا فله).
نحن نؤدي ما افترض الله علينا ونتقرب إليه بما نقدر من النوافل، ونحسن الظن به ونأمل الخير منه ولا نقنط من رحمة الله، ونغلب جانب الرجاء على جانب الخوف، وندرك أن الله تعالى خلق مائة رحمة فأنزل رحمة واحدة للأرض فيها تتراحم المخلوقات، وادخر عنده تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة، فكيف لا نطمع في رحمته ونرجوا عفوه، الخوف والرجاء بالنسبة للمؤمن كالجناحين بالنسبة للطائر ولا بد من التوازن فيهما كما أرشدنا لذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.
تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة وسلي الله تعالى أن يصرف عنك الشيطان ووساوسه، وأن يرزقك الثبات على دينه ويسعدك في هذه الحياة، وأكثري من دعاء ذي النون (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له).
أرى أنك لست بحاجة للذهاب إلى طبيب نفساني ولا إلى راق، فأنت لست ممسوسة بل عندك هلع وخوف من الموت مصدره الوساوس الشيطانية، وقد كتبت لك هذه الموجهات وآمل إن عملت بموجبها أن يختفي منك ذلك، لكن إن عجزت يمكنك تناول الأدوية التي وصفت لك من قبل الطبيب النفسي.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق وأن يصرف عنا الشيطان الرجيم ووساوسه وخواطره، إنه سميع مجيب.