السؤال
السلام عليكم،
استشارة ولكم من الله الجزاء.
هل حقا الأمراض النفسية سببها نقص الإيمان أو بالأحرى ضعفه؟ فأنا أعاني من قلق داخلي شديد يسبب لي ما سماه الطبيب قلقا اكتئابيا، مما جعلني أشرب مهدئات ولفترة ولا زلت، ما يحيرني أنني والحمد لله ملتزم جدا لدرجة أن أصحابي يشبهوني بأخلاق الصحابة وهذا مثار فخري واعتزازي، ثم إنني رضيت بالإسلام دينا باقتناع عقلي ورضا نفسي واطمئنان قلبي والحمد لله، والفضل لله الذي أعزنا بالإسلام، فماذا يجري معي وأنا أؤمن بالقضاء والقدر؟
ماذا يصيبني من خوف من الموت وأنا متيقن من أنني لن أموت وعمري ناقص ولا زائد؟! ولماذا أخاف من الأمراض الخطيرة وحتى عند سماع اسمها، وأنا متيقن بأن ما أصابني وسيصيبني ما كان ليخطئني؟! حقيقة أنا متحير وقد كنت من أكثر الناس اقتناعا بضرورة الحزم والحسم والميل إلى العمل دون العاطفة والحزن والآلام وضرورة تحكيم العقل والقلب بتوازن تام وبوسطية تشكل المنهج في كل شيء، فما لي أراني اليوم مدفونا تحت وطأة الوسوسة والخوف من المرض والموت والتوتر والأرق وكل شيء سلبي؟
وما معنى إيماني إذن؟ وأيضا كنت أقرأ بالتنمية البشرية والبرمجة العصبية ومعتقد تماما بقدرة العقل المعجزة الكبرى من الله الخالق أحسن الخالقين، فماذا جرى معي؟ وأنا من كان ينصح وينتقد كل من كان في وضعي اليوم، إنني أخاف من أن أكون من الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم أو حتى من النفاق، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أنا على يقين من أنني إن شاء الله استفدت من ما مررت به وأنني سأحول المحنة منحة فزيدوني إصرارا، ولكم الشكر العظيم، والله من وراء القصد.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ العزيز/ باسل حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فالحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، ونسأل الله أن يهدينا سبل السلام، وأن يقوي من إيماننا جميعا.
تأكد أيها الأخ الحبيب أن الإصابة بالقلق والتوتر والمخاوف، أو حتى الاضطراب العقلي، أو أي مرض آخر، هي أمراض مقدرة ومكتوبة، وهي بلا شك تصيب البر والفاجر، وقد اتضح الآن أن معظم هذه الحالات وهذه الأمراض هي في الحقيقة ذات مكونات بيولوجية في الأصل، فهي كالسكر وكارتفاع الضغط، وككل الأمراض التي تصيب الجسد.
لا ننكر أنه توجد اختلافات بسيطة، فالقلق والتوتر والخوف ربما تكون لها بدايات مكتسبة، أي أن يكون الإنسان قد مر بظرف ما، ولكنه لم ينتبه لذلك كثيرا، وظل ذلك مسجلا ومحفوظا في عقله الباطني، ثم بدأ يظهر في شكل حالة نفسية حين أتت الظروف المواتية.
إذن يا أخي الأمر لا يدل مطلقا على ضعف في الشخصية أو قلة في الإيمان، فهو مرض من الأمراض، وعليك أن تطمئن لذلك تماما، وهو نوع من الابتلاء.
وقد لوحظ أن كثيرا من الإخوة المتدينين تنتابهم المخاوف وكذلك الوساوس ذات الطابع الديني، وهي في نظرنا لا تمثل إن شاء الله ضعفا من جانبهم، إنما هي دليل على حساسيتهم وزيادة عاطفتهم ووجدانهم، وربما حرصا على دينهم أيضا.
هنالك بلا شك فرق بين المسلم المؤمن وغير المسلم في حالة الإصابة بمثل هذه الأمراض، فالمسلم الحمد لله يتمتع بالصبر وقوة الإرادة والتحمل وأخذ الأمور بمنطق القدر، فهذه كلها عوامل تساعده كثيرا في العلاج والصبر إن شاء الله.
فعليك يا أخي أن تظل على ما أنت عليه من ثقة بالله تعالى والتزام بدينك، فهذا إن شاء الله فيه خير كثير لك.
من نعم الله علينا أنه حين وجدت هذه العلل والحالات النفسية وجد الآن لها والحمد لله أيضا العلاج، ولا شك أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها، كما أنه ما جعل الله من داء إلا جعل له دواء فتداووا عباد الله، فعليك يا أخي أن تأتي بالفكرة المضادة دائما للخوف، وتستبدلها في وجدانك وكيانك وفي تفكيرك، وأن تعطي هذه الأفكار الوسواسية وأفكار الخوف صفة التحقير وأن تقلل من قيمتها، فهذا إن شاء الله يساعد كثيرا، وبجانب ذلك أريد منك أن تأخذ أحد الأدوية المضادة للمخاوف والقلق والوساوس، ومن أفضل هذه الأدوية الدواء الذي يعرف باسم زيروكسات، أرجو أن تأخذه بواقع نصف حبة ليلا لمدة أسبوع، ثم ترفع الجرعة بنفس هذا المعدل أي نصف حبة كل أسبوع، حتى تصل إلى حبة ونصف في اليوم، وتظل عليها لمدة ستة أشهر، ثم تبدأ بعد ذلك في تخفيضها بواقع نصف حبة كل أسبوع أيضا، وبعد ذلك تتوقف عن العلاج.
هذا الدواء إن شاء الله سوف يفيدك كثيرا، وبجانب إيمانك وتوكلك ستجد أن كل الأعراض التي تعاني منها قد اختفت أو قلت بدرجة كبيرة.
أرجو أن تثق يا أخي أنك بحمد الله بخير، وألا تتزعزع إيمانك مطلقا، فالإنسان يمكن أن يبتلى، وهذا في رأيي ابتلاء بسيط سوف يزول إن شاء الله.
وبالله التوفيق.