السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة عمري 19 سنة، تعرضت لحادثة تعنيف شديدة تسببت في إصابتي بالاكتئاب ونوبات عصبية، راجعت طبيبا نفسيا، فقام بوصف دواء يدعى (سيتوكسال) بجرعة 10 ملغ، لمدة ستة أشهر، وبالفعل التزمت بتناوله حسب المدة المحددة ووفقا لتعليمات الطبيب، وعندما قاربت على الانتهاء من العلاج، أرشدني الطبيب إلى طريقة معينة للتوقف عن الدواء بشكل تدريجي، وقد التزمت تماما بما أوصى به.
بعد انتهاء مدة العلاج، ووفقا لتعليمات الطبيب، ومن دون أي مخالفة، أتممت التوقف عن تناول دواء (سيتوكسال)، واليوم هو اليوم السادس أو السابع بعد التوقف، ولا أشعر بأي أعراض انسحابية جسدية شديدة، مثل: الدوخة الشديدة، أو الغثيان، أو آلام العظام، وغيرها من الأعراض المعروفة.
لكن هناك عرض واحد بارز ومقلق للغاية، وهو التبلد أو الخدر العاطفي، وبدأ هذا العرض في اليوم الثالث من التوقف عن الدواء، ومنذ ذلك الحين لم يعد هناك شيء يفرحني أو يحسن من مزاجي، وكأنني فقدت الإحساس تماما، حتى الأنشطة التي كانت تسعدني في السابق أصبحت بلا معنى في نظري، وأصبحت أتكاسل عن القيام بها؛ لأنني أعلم مسبقا أن نتيجتها ستكون صفرا.
أحاول يوميا أن أمارس الرياضة، وأن أتناول ما أحب من الطعام، وأتواصل مع من أحب، وأقوم بالأشياء التي كنت أستمتع بها سابقا، ولكن دون جدوى، ما زلت أشعر بالإحباط واليأس، بل إنني أحيانا أشعر به حتى أثناء ممارسة النشاط نفسه، ويخالجني إحساس بأن ما أفعله بلا فائدة.
أنا خائفة جدا من استمرار هذا الشعور معي مدى الحياة، ومن فقدان الشغف إلى الأبد، لقد أصبحت أفكر في تفاصيل صغيرة وغريبة، لم أكن ألتفت إليها من قبل، وأصبح أي شيء يثير استيائي بسهولة.
أرجوكم، ساعدوني، هل ما أشعر به طبيعي بعد التوقف عن الدواء؟ أم أن هناك ما يدل على خلل في عقلي؟ وإن كان طبيعيا، فإلى متى سيستمر هذا الحال؟
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ جود حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
الذي أتصوره حسبما لاحظت في رسالتك، أنك ربما تكونين قد اعتمدت على العلاج الدوائي كوسيلة علاجية وحيدة، طبعا هذا ليس انتقادا ولا انتقاصا، وهذا قد يحدث، وأنا دائما أرى أن الأدوية تساهم بنسبة 25 - 30% من الرزمة أو المجموعة العلاجية؛ لأن الإنسان أيضا يجب أن يعالج نفسه نفسيا، وسلوكيا، واجتماعيا، ودينيا.
العلاجات السلوكية تتطلب: تغيير الفكر من فكر سلبي إلى إيجابي، وكذلك المشاعر، وأن يجتهد الإنسان في إدارة وقته بصورة إيجابية، ويجب أن يشمل ذلك الأنشطة الاجتماعية، وطبعا الدراسة، والترفيه عن النفس، والتواصل الاجتماعي، والانسجام مع الأسرة، وأن يكون الإنسان فاعلا.
وعلى المستوى الفكري: لا بد أن تكون لديك طموحات وآمال، وأن تكون لك أهداف، وأن تضعي الآليات التي توصلك إلى أهدافك، هذه كلها متطلبات علاجية رئيسية.
وأيضا على النطاق الاجتماعي: يجب القيام بالواجبات الاجتماعية، والتواصل الاجتماعي، والتي نعتبرها علاجات أساسية، وكذلك ممارسة الرياضة، وممارسة تمارين الاسترخاء، والحرص على الصلوات في وقتها، والمحافظة على الأذكار –وخاصة أذكار الصباح والمساء–، وتلاوة القرآن، وأن يكون لديك ورد قرآني يومي.
هذه كلها متطلبات علاجية، وهي تمثل 70 - 75% من المكونات العلاجية؛ لأن العلاج أصلا يتكون من علاج نفسي، وبيولوجي –يعني دوائي–، واجتماعي، وديني، وكل المرافق العلمية المحترمة والمعتمدة عالميا تحتم على ذلك.
أنا أتصور أن التفاعل الذي حدث لك –وهو الشعور بشيء من الإحباط وضعف الدافعية–، نتج من توقعاتك: ما الذي سوف يحدث بعد التوقف من الدواء؟ هذه الحالة القلقية التشاؤمية –أو ما نسميه بالقلق التوقعي– يؤدي إلى نفس المشاعر التي تحدثت عنها، وأنا أؤكد لك أن هذا الوضع وضع مؤقت جدا.
تفاءلي وطبقي الآليات العلاجية التي ذكرتها لك؛ فهي مهمة جدا، وأعجبني أنك تمارسين الرياضة، وعلى المستوى الفكري أيضا تسعين دائما أن تكوني إيجابية، فأرجو أن تواصلي في نفس النهج وزيادة، ولا يوجد خلل في عقلك -إن شاء الله تعالى- أبدا، والأمر كله مرتبط بالحالة النفسية البسيطة التي تشبه القلق الاكتئابي من الدرجة البسيطة.
يجب أن تتفاءلي؛ لأن الإنسان يستطيع أن يجلب السعادة لنفسه من خلال التفاؤل، ومن خلال أخذ المبادرات، ومن خلال أن تكون هنالك آمال وطموحات، هذه كلها بوابات عظيمة جدا نحو الارتقاء بالنفس، فأرجو أن تطبقي نفس البرنامج الذي ذكره لك الطبيب فيما يتعلق بالدواء، وأن تضيفي له التوجيهات التي ذكرتها لك.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرا، وبالله التوفيق والسداد.