قسوة أبي سببت لي نوعا من المخاوف وعدم تقدير للذات.

0 30

السؤال

السلام عليكم.

أعاني من التوتر الشديد الذي يفسد علي حياتي، سأتحدث قليلا عن طفولتي: كان والدي قاسيا جدا ولا يفتح لنا باب التحاور معه بأريحية، أتذكر أنني كنت أرغب يوما في الحديث معه ولكنه تجاهلني مما جعلني أعتقد أنه يجب علي أصمت؛ لأني تافهة ولن يرغب الناس في الاستماع إلي.

كطفلة كبر معي هذا الاعتقاد، وكنت أقسو على نفسي كثيرا وألومها، وأجبر نفسي على الصمت، وأكتفي بالابتسامة حتى لا يبتعد عني الناس، كنت أشعر بتوتر شديد، وبشد في عضلات رأسي عند ضغطي بتلك الطريقة على نفسي، فصرت إنسانة غير اجتماعية، والمشكلة أنني أشعر بتوتر وقلق شديد عند اختلاطي بالأشخاص، الشيء الذي لا يسمح لي بالشعور بالمتعة في الحياة، حيث أفقد التركيز وأبدأ في النسيان، ويصعب علي اتخاذ القرار.

عندما أتحدث مع شخص ما (غير أمي وإخوتي) وتحدث لي هذه الحالة لا أستجيب لذلك الشخص؛ لأنني مفتقدة للتركيز، مع أنه عندما أكون أتحدث مع شخص قريب لي جدا مثل أمي أو أحد أقربائي أبدي رأيي بكل أريحية، وأناقش الموضوع بكل ثقة.

هذه الحالة أمر بها خاصة في أيام الدراسة، حيث تمر علي أيام عصيبة بسبب التوتر والعصبية، لاعتقادي أنني فاشلة في التعامل مع الناس، وبالفعل فأنا يبتعد عني الناس لأن عند توتري الشديد وعدم شعوري بالراحة أبدأ فقط بالتظاهر بأنني قوية، ونفسيتي جيدة، مع أنني أشعر بأني لست بخير، فتظل علاقاتي مع الناس سطحية جدا، أرجو تشخيص حالتي، وإعطائي بعض النصائح.

وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ شيماء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن ما تعانين منه يسمى "الرهاب الاجتماعي" وهو حالة من الخوف والذعر تصيب الإنسان عند تفاعله مع الأشخاص المختلفين في المجتمع، وتكون حالة الخوف المرتبطة بالرهاب الاجتماعي ناتجة عن الذعر من تلقي الأحكام من هؤلاء الأشخاص، أو نظرة الأشخاص السلبية، أو الخوف من شعور الرفض.

ومن الأسباب المحتملة لحدوث الرهاب الاجتماعي:

- الصفات الموروثة: تميل اضطرابات القلق إلى الانتشار بين أفراد الأسرة الواحدة على الرغم من ذلك، ليس من الواضح تماما كم من هذا يمكن إرجاعه إلى الجينات، وكم يمكن إرجاعه إلى السلوك المكتسب.

- بنية الدماغ: يمكن أن تؤدي إحدى بنى الدماغ التي تسمى اللوزة الدماغية دورا في التحكم في استجابة الخوف، قد يكون لدى الأشخاص الذين لديهم فرط في نشاط اللوزة الدماغية، استجابة مرتفعة للخوف، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة القلق في المواقف الاجتماعية، وظهور أعراض تدل على القلق والخوف والتوتر مثل التعرق، وجفاف الحلق، واحمرار الوجه، وتسارع ضربات القلب، والرعشة.

- البيئة: قد يكون اضطراب القلق الاجتماعي سلوكا مكتسبا، قد يطور بعض الأشخاص الحالة بعد موقف اجتماعي مزعج أو محرج أيضا، قد يكون هناك ارتباط بين اضطراب القلق الاجتماعي والآباء الذين يسلكون سلوكا قلقا في المواقف الاجتماعية أو مفرطين في حماية أطفالهم.

فيما يلي بعض الإرشادات التي سوف تساعدك بمشيئة الله في التخفيف من حالات التوتر والقلق والخوف لديك:

- عندما تخافين من موقف ما حاولي أن تسترخي أو تكوني هادئة، فبذلك تكونين قد استخدمت استجابة تتناقض مع القلق، والاسترخاء يخفف من التوتر بالتدريج، وفكري كيف عليك أن تتصرفي، لا أن تفكري في ردود فعل الآخرين تجاهك.

- بالنسبة للتعامل مع الآخرين، احرصي على أن تنظري في أعينهم عند الحديث معهم وتردين تحيتهم، أو بادري أنت بالترحيب وإلقاء التحية.

- إذا تعرضت بالفعل لأحد المواقف المحرجة، تذكري أنك ستتجاوزين ما تشعرين به، وسوف تنجحين في التعامل مع ذلك، فالأشخاص المحيطين بك لا يلاحظون أو لا يهتمون كثيرا كما تظنين.

- اصغي جيدا لمن يتكلم معك، ولا تقاطعيه، وتوصيلك للفكرة المناسبة يجب أن يتم في الوقت المناسب، وإلا ضاعت قيمة الفكرة.

- للتخفيف من التوتر، فأثناء إصغائك لحديث شخص ما، عليك أن تبدي اهتماما لما يقوله، واحرصي على التواصل بصريا معه، واعملي على تلخيص النقاط الجوهرية في دماغك لكي تتمكني من الرد عليه بطريقة مباشرة تحاكي صلب الموضوع، وهذا يجنبك الدخول في دائرة التشويش أو نسيان ما قاله ذلك الشخص.

- الاطلاع على ثقافات متنوعة، ومتابعة مجريات الأحداث في العالم، وعليك أن تعرفي اهتمامات المجموعة التي تجلسين معها.

- عندما تتكلمين نظمي أفكارك الرئيسية التي يجب أن تتحدث عنها، ولا تخرجي من موضوع إلى موضوع آخر إلا بعدما تشعرين أن الموضوع الأول قد انتهى فعلا.

- أحصري المواقف التي يرتفع فيها مستوى القلق لديك، وقومي بترتيبها من الأكثر تأثيرا إلى الأقل تأثيرا.

- ابدئي الآن باختيار مشكلة واحدة وقومي بتطبيق الاستراتيجية التالية "لإزالة القلق والتوتر":
(أ‌) استرخي على سرير في مكان هادئ.
(ب‌) تخيلي المشكلة التي ستواجهك، وستحدث فيك القلق.
(ت‌) أغمضي عينيك وتخيلي الموقف الذي تصفينه.
(ث‌) تصوري الموقف الذي يحدث وتخيلي أنك هناك فعلا.
(ج‌) عندما تفعلين الخطوة (ث) فأنت ستشعرين ببعض القلق.
(ح‌) إذا حدث ذلك أوقفي المشهد التخيلي حالا.
(خ‌) استرخي وأريحي عضلات جسمك.
(د‌) ارجعي وتخيلي المشهد ثانية، وإذا شعرت بالتوتر والقلق، أريحي ذهنك.
(ذ‌) كرري الخطوات السابقة للمستوى الذي تستطيعين فيه تخيل المشهد دون أن تشعري بالقلق.
بذلك الأسلوب تستطيعي أن تخفضي من مستوى القلق والتوتر لديك.

- حافظي على صلاتك في وقتها، فهي تعمل على إحداث الاطمئنان والسكينة في قلوبنا، يقول الله -عز وجل-: { الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله } أي: يزول قلقها واضطرابها، وتحضرها أفراحها ولذاتها. { ألا بذكر الله تطمئن القلوب } أي: حقيق بها وحري أن لا تطمئن لشيء سوى ذكره، فإنه لا شيء ألذ للقلوب ولا أشهى ولا أحلى من محبة خالقها، والأنس به ومعرفته، وعلى قدر معرفتها بالله ومحبتها له، يكون ذكرها له، هذا على القول بأن ذكر الله، ذكر العبد لربه، من تسبيح وتهليل وتكبير وغير ذلك.

وفقك الله لما يحبه ويرضاه.

مواد ذات صلة

الاستشارات