السؤال
السلام عليكم ورحمة الله .
أنا سيدة متزوجة منذ قرابة عامين، تزوجت في الرابعة والعشرين من عمري، وزوجي يكبرني بستة عشر عاما، وكلانا من خريجي الجامعة وبمستوى علمي وثقافي متقارب، زوجي يغيب عني ثلثي العام بحكم عمله بدولة أخرى، وظروف العمل لا تسمح له بأخذي معه، الحمد لله هو متدين، أخلاقه طيبة، هو أحيانا عصبي قليلا، لكني أحيانا أشعر بعدم الانسجام معه، فهل هذا بسبب فرق العمر؟ وكيف يمكنني أن أحاوره حول الأمور التي أختلف فيها معه بسبب هذا الفرق دون أن أجرحه؟
أنا الآن حامل، وربما تغيرات الحامل النفسية التي تصيب بعض النساء تصيبني وتزيد إحساسي بالفارق العمري بيني وبين زوجي، أنا أريد الاستمرار معه، فهو ما قدره الله لي والحمد لله بكل الأحوال، كذلك أنا وافقت على الزواج به بملء إرادتي، وعلي تحمل قراري، أرجو منكم نصحي بما يساعدني على التغلب على شعوري أحيانا بعدم الانسجام مع زوجي وبإحساسي بفارق العمر بيننا، وشكرا لكم.
الإجابــة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت العزيزة/ نور حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،
فنسأل الله أن يقدر لك الخير ويسدد خطاك ويلهمنا جميعا رشدنا ويعيذنا من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا!
إن الحامل تعتريها تغيرات نفسية كبيرة؛ ولذلك خففت الشريعة بعض التكاليف عن الحامل، ولاشك أن وجود جسم جديد في جسد المرأة له آثار وتغيرات كبيرة من الناحية الصحية والنفسية، كما أن بعض النساء تنفر من زوجها وخاصة في الأيام الأولى للحمل بل منهن من لا تطيق رؤيته أو شم رائحته، ولذلك فلا تلتفتي لتلك المشاعر التي سوف تزول بحول الله وقوته، وسوف تزداد الروابط بينكما بخروج هذا المولود الذي سوف يملأ حياتكما بالبهجة والسرور فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا.
وإذا كنت قد وافقت على الزواج من هذا الرجل بمحض إرادتك وعن قناعة تامة، فإن فارق العمر لا يضر ولا يؤثر، وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة رضي الله عنها وهي تكبره بخمسة عشر عاما، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة رضي الله عنها وهو يكبرها بنحو من أربعين سنة، ولم تسمع الدنيا بعيشة هنيئة وحياة رضية مثل ما كان بين رسولنا الله صلى الله عليه وسلم والحميراء رضي الله عنها.
وأرجو أن تعلمي أننا نصنع البهجة في بيوتنا بأنفسنا، ونضيعها باعتراضنا على الأقدار وبتقصيرنا في طاعة الغفار وبإعراضنا عن ذكر القهار، وبالنظر إلى ما عند الناس من المال والعقار وبالغفلة عن نعم الله علينا.
والسعادة معنى ينبع من الداخل ولا يمكن أن تتحقق إلا في رحاب الإيمان والطاعة، وقد بحث الناس عن السعادة في الملك والسلطان فلم يجدوها وفتشوا عنها في القصور والرياض فلم يملكوها، وظنوها في الذهب والزينة فلم يفوزوا بها؛ لأن طريق السعادة هو الإيمان والرضا والقناعة وقد أحسن من قال:
ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد
وإذا رضي الإنسان بما قسم الله له كان أسعد الناس.
ونحن نشكرك لاعترافك بأن الزوج طيب وصاحب دين، فإن تذكر الإيجابيات يغطي على السلبيات ويدخل السرور على النفوس، ويدفعها لطلب الكمالات، ولا داعي للحرج فمهما كان الرجل فهو زوجك والحرج مرفوع، ولكننا ندعوك لاختيار الأوقات المناسبة وانتقاء الألفاظ اللائقة، وتجنب النقاش في حال جوعه أو انشغاله، واجتهدي في الاهتمام بمظهرك وأحسني استقباله ولاطفيه عند وداعه، وعمري بيتك بالطاعات فإن ما عند الله من الخير والتوفيق لا ينال إلا بطاعته.
وكوني عونا لزوجك على أداء عمله واغتنمي فرصة وجوده وحاوريه بلطف واحترمي مكانته، واعرفي الطريق إلى عقله وقلبه، واعلمي أن الكلمة يمكن أن تنعش ويمكن أن تقتل.
ولاشك أن الرجل إذا دخل بيته فينبغي أن يتنازل عن وظائفه وشهاداته ومكانته، وإلى هذا المعنى أشار عمر في قوله: ((ينبغي للرجل أن يكون في أهله طفلا، فإذا أرادوه كان رجلا)) وترددت العبارة على لسان زيد بن ثابت رضي الله عنه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ضاحكا بساما يدخل السرور على أهله ويشاركهم في مهنتهم وكان يحتمل من أهله، وكان يقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
ونحن ننصحك بالمحاولة بعد المحاولة وتغيير هذا الانطباع، ولا تسكتي إذا كان هناك ما يضايقك فإن تراكم المواقف يولد الانفجار ويزرع الكراهية، ولن تخسري شيئا بعرض وجهة نظرك، فحاولي وأبشري وأملي ما يسرك وأصلحي ما بينك وبين الله ليصلح لك ما بينك وبين زوجك، واعلمي أن للطاعة ضياء في الوجه وسعة في الرزق وانشراحا في الصدر ومحبة في قلوب الخلق، وتجنبي المعاصي فإن لها شؤمها وربما يحرم العبد الرزق بالذنب يصيبه ويحرم التوفيق بمخالفته لأمر الله، وقال بعض السلف: ((والله إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وفي خلق امرأتي)) وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ))[الرعد:11].
ونسأل الله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وأن يبلغك مناك، وأن يلهمك السداد.