أشعر بالضعف والهزيمة!

0 38

السؤال

السلام عليكم.
ترددت كثيرا في البوح للمقربين لي، ولهذا لجأت إلى موقعكم المحترم.

أنا أستاذة اللغة الإنجليزية بالسلك الثانوي التأهيلي، اليوم بالضبط قام مفتشي التربوي بزيارة مفاجئة لمراقبة وتتبع عمل، المفاجأة أنني لم أكن نفسيا مستعدة؛ لأنني تعرضت لوعكة صحية طيلة الأسبوع، كما أنني أعاني بسبب ضغوطات نفسية (نتيجة الدورة)، وبالتالي لم أكن على أتم الاستعداد لاستقباله، حتى أنني لم أحضر معي وثائقي التربوية، كخلاصة لم أكن راضية عن أدائي أمامه، وكان هذا أسوأ يوم في مسيرتي المهنية.

في نهاية الحصة وبعد مغادرة تلاميذ القسم نادى علي ووجه لي مجموعة من الانتقادات التي جعلتني صامتة، وفجأة انفجرت باكية -هذا هو الفعل الوحيد الذي ندمت عليه)-، قلت له بأنني لست على ما يرام، وسألني مرارا على السبب، أخبرته بأنني أقطن بعيدة عن أهلي، ومرت شهور على عدم رؤيتهم -هذا سبب ثاني في ندمي؛ لأنني أحرجت أن أخبره بأنني أعاني نفسيا وجسديا بسبب الدورة-.

كيف يمكنني تجاوز كل هذا؟ أشعر بالفشل والإحراج والضعف والهزيمة، لم أبك أمام شخص غريب من قبل، ولم أتعرض لمثل هذا الحدث.

شكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ليان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلا بك -أختي الكريمة-، ونشكر ثقتك بنا.
إن سؤالك حول الموقف الذي حصل معك والذي سبب لك إحساسا بالضعف والهزيمة يعكس برأيي أنك فتاة تسعى أن تكون قوية من الخارج بنظر الآخرين، وبذات الوقت هي مرهفة الإحساس من داخلها، وهذا ما جعلك لا ترضين لنفسك ماحصل معك -البكاء أمام شخص غريب-، حتى لو كان لأول مرة في حياتك قد حصل.

هوني على نفسك -عزيزتي-، فتخيلي معي أن المفتش التربوي يقابل يوميا العديد من أنماط الناس المختلفة من المعلمين من كافة الشرائح المجتمعية، وهذا ما يجعله "من المفترض" متفهما أكثر من أي شخص آخر في محيطك المهني، وهو أيضا من المفترض أن يكون على مستوى عالي من الوعي والمعرفة بتأثير الحالة النفسية للمعلم على أدائه الدراسي، فهو مدرب على أن يأخذ هذا الجانب بعين الاعتبار، إضافة إلى أنهم يدربون أن يكون تقييمهم للمعلم ليس فقط بناء على تلك الزيارة، بل على جوانب أخرى أيضا مثل تقييم مدير المدرسة للمعلم طيلة العام الدراسي، وأرى أن مفتشك التربوي سيأخذ كل هذه الجوانب التي تخصك بعين الاعتبار بشكل متكامل.

وأرى أيضا أن تصرفك في الموقف كان جيدا وذكيا فيما يخص ما قلته للمفتش من أسباب (بعد أهلك عنك، فأنت لم تكذبي في ذلك)، وهذا أيضا من المفترض أنه سيأخذه بعين الاعتبار ويجعله أكثر تفهما قبل أن يضع تقييمه النهائي لك.

ما أريدك أن تعرفيه أننا جميعا معرضون في عملنا أن يحدث معنا ما قد حدث معك، فالجانب النفسي والشخصي له تفاعله وتداخله مع الجانب العملي والمهني في حياتنا بشكل أو بآخر، ولا نستطيع التحكم به بشكل كامل.

أتفهم شعورك بالحرج بأنك بكيت أمام شخص غريب لأول مرة في حياتك، ولكن فكري معي أنه ليس بشخص تصادفينه يوميا، بل قليل ما سترينه مرة أخرى وهذه النقطة ستهون عليك شعور الحرج داخلك.

سألتنا (كيف تتجاوزين كل هذا؟)، أرى أن تجاوزك سيكون من خلال النقاط الثلاثة:

1- أن تفهمي ما حدث معك:

أي أن تفهمي بداية لماذا حدث معك ما حدث (انفجار البكاء)، فالبكاء -عزيزتي- هو شعور إنساني مثله مثل أية مشاعر أخرى (سعادة/ خوف/ حماس/ قلق/ غضب/ حزن، وغيرها)، أي ليس بإمكاننا أن نفصلها عن طبيعة الإنسان، بل كل ما علينا هو أن نفهم حالتنا النفسية والضغوط التي بداخلنا التي دفعتنا إلى البكاء.

2- تقبلك لما حدث معك على أنه شيء طبيعي ويمكن تجاوزه بسهولة.

وذلك من خلال معالجتك من داخلك للفكرة نفسها (فكرة أن بكاءك وتبريرك يعكس ضعفا لديك وهزيمتك) بأن القوة والنجاح والثقة لا يتعارض أبدا مع ما حدث معك وشعرت به من ضعف وهزيمة، لأنه لا يوجد أحد يبقى متلازما لصفات وسمات شخصية على طيلة الأيام والمواقف، لذا أتمنى منك أن تكوني رحيمة على نفسك قليلا ولا تقسي عليها، فالإنسان أكثر ما يميزه هو عدم ثباته وتغيره وتفاعله مع الأحداث من حوله، وأيضا فكري مع نفسك بأن ما حدث معك قد يحدث مع أي شخص آخر قوي الشخصية، وتلك القوة بداخله هي التي ستمكنه من تقبل ما حدث وتجاوزه للأمر بشكل طبيعي.

3- أن تجنبي نفسك تكرار ما حدث معك مستقبلا:

فما حدث معك (بكاء انفجاري) يجعلك تنتبهين على نقطة هامة جدا، وهي كم من المهم أن لا يراكم الإنسان أية ضغوط نفسية حياتية أو مشاعر سلبية قد تراوده من فترة إلى أخرى، دون تفريغ نفسي صحيح لهم، فتأكدي عزيزتي أن جسدنا ونفسنا متلاحمان فيما بينهما، أي تعب على مستوى النفس سيظهر لاحقا على مستوى الجسد كأعراض فيزيولوجية (إن لم يتم التعامل مع التعب النفسي بشكل صحيح)، وأي تعب جسدي سيؤثر أيضا على نفسية الإنسان إن لم يتم تقوية مناعة الإنسان النفسية، لذا أتمنى منك -أختي الكريمة- أن تنتبهي لهذه النقطة مع نفسك، أي لا تتركي نفسك دون تفريغ بشكل بشكل دوري أو إعادة شحن لذاتك ومعنوياتك بشكل دوري أيضا، وخاصة أيام الدورة الشهرية التي تتعرض الفتاة فيها إلى تعب جسدي وانخفاض في المزاج بسبب تغير الهرمونات، فهذا سيمكنك من ممارسة الأعمال الروتينية من مهنة وغيرها بشيء من المتعة، ويحميك من لحظة الانفجار البكائي في موقف لا تريدين أن تبكي فيه.

ختاما: أتمنى أن أكون قد أفدتك بإجابتي، ولا تترددي في مراسلتنا مجددا بأي وقت تشائين.

دمت بحفظ الله.

مواد ذات صلة

الاستشارات